«القنبلة النووية القذرة».. سر صراع أمريكا وروسيا وأوكرانيا للسيطرة على «تشيرنوبل»

كتب: سيد المليجي

«القنبلة النووية القذرة».. سر صراع أمريكا وروسيا وأوكرانيا للسيطرة على «تشيرنوبل»

«القنبلة النووية القذرة».. سر صراع أمريكا وروسيا وأوكرانيا للسيطرة على «تشيرنوبل»

في الساعات الأولى من عمر العملية العسكرية الروسية داخل الأراضي الأوكرانية، قفز اسم مفاعل «تشيرنوبل» لصدارة المشهد، كان أول ساحة مواجهة على الأرض بين العسكريين الروس والأوكرانيين، وكان أول هدف يعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي سقوطه، وكان أول سبب في إطلاق تحذير دولي من مخاطر تكرار الكارثة النووية التي تفجرت عام 1986.

وبدأ الأمر وكأن النزاع بين الطرفين أكبر من مجرد السيطرة على مفاعل نووي مغلق من 36 سنة، إلى أن كشف محلل روسي حقيقة صراع السيطرة على تشيرنوبل الذي دفعت أمريكا لإنتاج مسلسل عنه، وردت روسيا فيلم، قبل أن تقرر استرداد المفاعل والمدينة التي يحمل اسمها.

انفجار مفاعل تشيرنوبل 1986

26 أبريل 1986 هو تاريخ انفجار المفاعل رقم 4 في محطة تشيرنوبل للطاقة النووية، الواقع في الأراضي الأوكرانية التي كانت تابعة للاتحاد السوفييتي وقتها، وتسبب الحادث في خسائر بشرية وبيئية جعلت الخبراء ينظرون إلى المدينة التي يحمل المفاعل اسمها باعتبارها مدينة الأزمات، وسعت دول أوربا لإخماد فتنة هذا المكان، لكن أوكرانيا قامت بتشغيل المفاعل لأن قدرة توليد الكهرباء في البلاد لم تكن كافية للاستغناء عن المحطة، وفي عام 1991 اندلع حريق طال المفاعل 2 وأدى إلى إيقاف تشغيله، وفي 1997 أنشأ البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية EBRD صندوق تشيرنوبل، لدعم أوكرانيا في تطوير غطاء مؤقت فوق المفاعل رقم 4 المدمر لجعله آمنًا ومستقرًا، فيما جرى إيقاف تشغيل المفاعل الثالث في عام 2000.

وفي عام 2017 انتهت السلطات الأوكرانية بمساعدة شركات فرنسية من تثبيت هيكل كبير متحرك على شكل قوس أرضي يمتد على مساحة 257 مترًا يبلغ طوله 162 مترًا وارتفاعه 108 مترًا، ومدعوم بعوارض خرسانية طولية فوق المفاعل المدمر، ويتضمن الهيكل الجديد نظام تهوية قادر على التخلص من مخاطر التآكل ويمكن أن يتحمل إعصار، وهو ما ساهم في تحول الموقع إلى حالة آمنة، ولكن لا يزال حوالي 30 كيلومترًا حول محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية منطقة محظورة، وهو ما يجعلها مدينة للأشباح.

روسيا تستعيد مفاعل تشيرنوبل

فور أن سيطرت القوات الروسية على المحطة النووية المعطلة، التي تبعد حوالي 130 كيلومترا عن العاصمة الأوكرانية كييف، بعد معركة شرسة قال عنها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عبر موقع التواصل تويتر: «قاتلوا من أجل الدفاع عنها حتى لا تتكرر مأساة 1986»، ووصف سيطرة القوات الروسية على المفاعل بأنه «إعلان حرب على أوروبا كلها»، وفي اليوم التالي أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بيانا ذكرت خلاله أن أوكرانيا أبلغتها بأن مفاعلات الطاقة النووية في البلاد تعمل بأمن وسلامة.

تعددت آراء المحللين العسكريين في تفسير الرغبة الروسية في استعادة السيطرة على مفاعل تشيرنوبل، البعض اعتبر المدينة التي تحمل اسم المفاعل النووي هي نقطة انطلاق مهمة في أسرع طريق يوصل الروس إلى العاصمة الأوكرانية كييف، لكن القوات الروسية لم تتقدم كثيرا بعد تمركز قوات مظلية في المدينة الخالية من السكان، إلى أن جاء مقال المحلل الروسي ألكسندر نازاروف في موقع «روسيا اليوم» وطرح خلاله السؤال الذي يشغل الكثيرين.. لماذا تعتبر محطة تشيرنوبل بهذه الأهمية؟

وقدم الإجابة التالية: كما تعلمون، أعلن الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي عن نيته الانسحاب من مذكرة بودابست، والتي بموجبها تخلّت الدولة الأوكرانية عن الأسلحة النووية السوفيتية الموجودة على أراضيها، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وهذه التصريحات عن اعتزام أوكرانيا حيازة أسلحة نووية، وقدراتها في هذا المجال كبيرة للغاية، نظراً لوجود بقايا المدرسة العلمية السوفيتية والإمكانات الصناعية التي لا تزال محفوظة، بما في ذلك في علوم الصواريخ، لكن العقبة الرئيسية هي نقص البلوتونيوم أو اليورانيوم المخصب – 235، وهذا هو نظير اليورانيوم المطلوب لإنتاج قنبلة نووية، ولا يمكن الحصول عليه إلا في مفاعلات اليورانيوم الجرافيتي النووية، وقد ورثت أوكرانيا عدداً من محطات الطاقة النووية من الاتحاد السوفيتي، لكن واحدة فقط من تلك المحطات كانت تستخدم مفاعلات من هذا النوع هي محطة تشيرنوبل النووية.

يقول ألكسندر نازاروف: أخطر ما يدفع الروس للسيطرة على تشيرنوبل  أنه يمكن استخدام الوقود المخزّن هناك لإنشاء ما يسمى بـ «القنبلة القذرة»، وللقيام بذلك، يكفي فقط تحميل اليورانيوم المخصب في قذيفة أو قنبلة أو صاروخ، واختتم المحلل الروسي مقاله قائلا: آمل أن تسيطر القوات الروسية قريباً على جميع محطات الطاقة النووية في أوكرانيا.

الولايات المتحدة الأمريكية تنتج مسلسلًا عن تشيرنوبل

الصراع على مفاعل تشيرنوبل بدأ قبل اندلاع العملية العسكرية الروسية على الأراضي الأوكرانية مساء الخميس الماضي، فهذا التاريخ سبقه مناوشات عديدة بين موسكو وواشنطن، وكانت أهم فصولها في 6 مايو عام 2019، تاريخ عرض مسلسل أمريكي درامي تاريخي من 5 حلقات يحمل اسم «Chernobyl»، كتبه «كريج مازن»، وأخرجه «يوهان رينك» وكان إنتاج أمريكي بريطاني مشترك، وتدور أحداثه حول كارثة تشيرنوبل النووية التي وقعت في الجمهورية الاشتراكية السوفيتية الأوكرانية في أبريل 1986، وتناولت الأحداث جهود التنظيف التي تلت ذلك، وجري تصويره في أبريل 2018 في ليتوانيا، وبعض المناطق الأوكرانية الملاصقة للمفاعل النووي الحقيقي، واستغرق التصوير 16 أسبوعا.

عقب عرض المسلسل في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، دعا الحزب الشيوعي الروسي إلى رفع دعوى تشهير ضد كاتب المسلسل ومخرجه ومنتجه، معتبرين أن المسلسل يعرض وجهة النظر الأمريكية في الأحداث، وليس له علاقة بالواقعة التاريخية، وطالب بمنع عرضه، وفي المقابل اعتبرت بعض رموز النخبة الأوكرانية أن المسلسل له طابع إنساني، ويمكن الأجيال الجديدة من التعرف على واحدة من أخطر الكوارث التي عاني منها العالم أجمع.

روسيا ترد بفيلم تشيرنوبل 1986

لم ترغب روسيا في أن تحتكر الولايات المتحدة الأمريكية ملف تشيرنوبل على الشاشة، فبادرت بإنتاج فيلم «تشرنوبل 1986» بطولة وإخراج دانييلا كازلوفسكي، وأوكسانا أكينشينا، وفيليب أفديف، وعرض على منصة نتفيلكس في أغسطس 2021 .

عرض الفيلم قصة إنسانية حول رجل المطافئ «أليكسي» الذي يتضرر هو ونجله من انفجار المفاعل النووي، حيث يصاب الطفل الصغير بالإشعاع النووي ويصبح على شفا الإصابة بالسرطان، بينما ينضم الأب لفرق الإطفاء التي واجهت الكارثة النووية، وسقط منها عشرات الضحايا المصابين بالإشعاع النووي.

الأحداث وضعت جمهور الشاشات بين روايتين، فيلم روسي ومسلسل أمريكي، الأمريكان كانوا يسعون لتجريم النظام السوفييتي بدراما معاناة رجال الإطفاء باعتبارهم ضحايا تم اقتيادهم إلى هلاكهم تحت مسمى الواجب، وركز صناع المسلسل على تصوير بشاعة الحروق التي تعرضوا لها، وعرضوا مشاهد إهمال وقسوة في المستشفيات، مقابل اجتماعات قيادات الحزب الشيوعي المهمومة بالتكتم على ما جرى حفاظا على سمعتها، بينما يقدم الفيلم الروسي قصة إنسانية، البطل فيها هو مشاعر رجل الإطفاء الحائر بين الواجب الوطني وأبوته ، دون أن يشغل نفسه والمشاهدين أيضا بتحديد موقفهم من النظام السياسي، خاصة أن مختلف القيادات تحركت سريعا لاستيعاب الأزمة، وأرسلوا المصابين للعلاج في سويسرا، وجرى القبض على مسؤولي المفاعل واتهامهم بالإضرار بالوطن ومحاكمتهم.


مواضيع متعلقة