أحمد عبدالرحمن: لقاءاتنا مع «مرسى» كانت تستمر 6 ساعات ولا تسفر عن شيء

أحمد عبدالرحمن: لقاءاتنا مع «مرسى» كانت تستمر 6 ساعات ولا تسفر عن شيء
ابن «عامل النظافة» لا مكان له فى النيابة لأسباب كثيرة منها «أن المتقدم لازم يكون مرتاح مع نفسه».. واستبعدنا أبناء مستشارين لأسباب أمنية
لم نحاسب «قضاة من أجل مصر» لأننا لم نتلق معلومات من «التفتيش» أو أى جهة تفيد بانتمائهم لـ«الإخوان».. وأى قاضٍٍ يثبت انتماؤه إلى فصيل سياسى يحاسب فوراً
مجلس القضاء كان يرى حل الخلافات مع نظام الإخوان بـ«الطريق الدبلوماسى».. و«الزند» كان يرى ضرورة «التصعيد»
«طلعت» كان يتدخل فى عمل أعضاء النيابة العامة وتلقينا شكاوى ضده ولكن.. من كان سيحقق مع النائب العام؟
عبدالمجيد محمود طلب من مجلس القضاء نقله إلى «الاستئناف».. ثم سحب طلبه وأصر على أنه النائب العام الشرعى
ثورة 25 يناير لم تكن «مؤامرة».. وحاولت منع ابنى من المشاركة فيها فقال لى: «أنا نازل علشان أحافظ على أولادى»
الإعلان الدستورى كان «غضباً للسلطة» و«مرسى» لم يكن يملك إصداره والقضاة أيدوا ثورة 30 يونيو
طالبنا «طلعت» بتقديم الاستقالة حفاظاً على «وحدة الصف».. وحاولنا تهدئة أعضاء النيابة العامة الثائرين بعد محاصرتهم لمكتبه.. ولكنهم أصروا على إقالته فوراً
لو فشلت ثورة 30 يونيو «ماكانش هيبقى فيه سلطة قضائية» ومؤسسات الدولة اهتزت صورتها بعد 25 يناير
«مكى» نسى قيم القاضى ومبادئ «الاستقلال» بعد تعيينه وزيراً للعدل والعناية الإلهية أنقذت القضاء.. و«الزند» لعب دوراً فى صد العدوان على السلطة القضائية
فُرضت علينا ممارسة السياسة فى عهد الإخوان.. والجماعة انزعجت من حضور قوى سياسية «عموميات النادى».. ومن لا يتحكم فى مشاعره وقت إصدار الأحكام عليه التنحى
قال المستشار أحمد عبدالرحمن، النائب الأول لرئيس محكمة النقض، وعضو مجلس القضاء الأعلى السابق، إن لقاءات أعضاء المجلس مع الرئيس المعزول محمد مرسى كانت تستمر 5 و6 ساعات ولا تُسفر فى النهاية عن أى قرار، موضحاً أن «مرسى» كان يقول للقضاة «أنا موافق»، ثم يفعل العكس!
وفى هذا الحوار، يخرج «عبدالرحمن» عن صمته، ليدلى بشهادته فى حوار خاص لـ«الوطن»، كاشفاً عن كواليس عام من الصدام بين القضاة والإخوان، مؤكداً أن ثورة 30 يونيو أنقذت القضاء من الانهيار على أيدى نظام الجماعة.
ويكشف «عبدالرحمن» أيضاً عن كواليس اجتماعات مجلس القضاء الأعلى مع «مرسى» لبحث تداعيات الإعلان الدستورى وإقالة المستشار عبدالمجيد محمود من منصبه كنائب عام، ورفض القضاة استقبال «مرسى» فى دار القضاء العالى، فضلاً عن كواليس اجتماعات المجلس بحضور النائب العام الأسبق المستشار طلعت عبدالله.. وإلى نص الحوار:
■ بعد ثورتين شهدتهما مصر.. كيف ترى استقلال القضاء؟
- قبل أن نتحدث عن استقلال القضاء، علينا أن نعى أولاً أن المختص بإدارة شئون القضاء هو مجلس القضاء الأعلى، ووجود هذا المجلس بما يضمه من شيوخ القضاء يمثلون قمة السلطة القضائية، ضمانة أساسية لاستقلال القضاء وحيدته وعدم انحيازه لأى من السلطتين التنفيذية أو التشريعية. وقد أعطى قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 ضمانات كثيرة لاستقلال القضاء، فى مقدمتها أنه نص على أن يشكل مجلس القضاء الأعلى من شيوخ القضاء دون تدخل من أى من السلطتين، فرئيس المجلس هو رئيس محكمة النقض، وأعضاؤه هم أقدم نائبين بالمحكمة، بالإضافة إلى أقدم 3 رؤساء محاكم استئناف والنائب العام، باعتبار أن النيابة العامة جناح أساسى من أجنحة السلطة القضائية، وما يسرى على القضاة يسرى على أعضاء النيابة العامة.
ودائماً ما كنا حريصين على تعزيز سلطات مجلس القضاء الأعلى، فقد أعطى المشرع المجلس سلطة وزير المالية فى الموازنة القضائية، وهو من يتولى توزيعها، ولكننا نسعى إلى تمكين هذا الاستقلال، من خلال زيادة الموارد المالية المخصصة لموازنة القضاء، بحيث لا تكون خاضعة للتأثر بحجب المتطلبات المالية أو زيادتها، وذلك كله بهدف توفير حياة كريمة للقضاة.
■ ولكن معلوم أن ندب القضاة للوزارات والهيئات الحكومية يدر عليهم دخلاً إضافياً؟
- الدستور الجديد حظر الندب لبعض الوقت وأجازه طوال الوقت، على أن تتحمل الجهة المنتدب إليها العضو كافة المستلزمات المالية له. وأثناء وجودى بمجلس القضاء، اتخذ المجلس قراراً بحظر الندب لبعض الوقت لتعزيز استقلال القضاء وضمان حيدة القاضى وتفرغه الكامل.
■ ولكن ألا ترى أن استمرار تبعية التفتيش القضائى لوزير العدل يجعل هذا الاستقلال منقوصاً؟
- التفتيش خاضع لمجلس القضاء الأعلى رغم عدم النص على ذلك فى القانون، فالمجلس هو الذى يختار مدير التفتيش القضائى، وكذلك يختار وكلاء وأعضاء التفتيش، والتعديلات الأخيرة لقانون السلطة القضائية اشترطت موافقة المجلس على من يتم ندبهم لـ«التفتيش»، بعد أن كان يؤخذ رأيه فى هذا الأمر فقط فى السابق، فأين إذن التبعية لوزير العدل؟ الوزير ليس له دور إلا الترشيح فحسب.
■ وهل يوافق المجلس على ترشيحات الوزير مباشرة أم أنه قد يعترض عليها؟
- فى أحيان كثيرة كان يجرى الاعتراض إذا كان المرشح غير كفء.
■ وما معايير اختيار أعضاء «التفتيش»؟
- أن تكون تقارير القاضى ممتازة، وألا يكون قد سبق أن قُضى عليه بعقوبة تأديبية، وأن يكون ملفه الوظيفى متميزاً، لأنه سيقوم بالتفتيش على أعمال القضاة، ما يترتب عليه ترقية القاضى أو إحالته إلى الصلاحية، وبالتالى يجب أن يكون عضو التفتيش على مستوى عالٍ من الكفاءة والخبرة معاً.
■ هل يمكن أن يُحاسب قاض لممارسته العمل السياسى؟
- العمل بالسياسة محظور على القضاة، كما أنه محظور عليهم الانتماء إلى أى حزب، وهذا وليد سنوات كثيرة. فإذا رغب قاض فى الترشح لمجلس النواب، مثلاً، فإن عليه أن يبادر بتقديم استقالته للوزير، وتكون الاستقالة مقبولة من تاريخ تقديمها.
■ وهل وزير العدل لا يتدخل فى عمل السلطة القضائية؟
- وزير العدل ينظم العلاقة بين السلطتين التنفيذية والقضائية، والقضاء فى مصر يتمتع بضمانات الاستقلال أكثر من القضاء فى فرنسا، فالنائب العام غير قابل للعزل فى مصر، وقابل لذلك فى فرنسا، على الرغم من أن القوانين المصرية مأخوذة من نظيرتها الفرنسية، والسلطة التنفيذية تتدخل فى القضاء الفرنسى، بينما فى مصر لا تملك السلطة التنفيذية هذا التدخل مطلقاً.
■ يستوقفنى هنا حديثك عن فترة وجودك فى مجلس القضاء الأعلى.. حيث خاض القضاة معارك كثيرة وحدث تدخل من السلطة التنفيذية فى شئون القضاء؟
- لم يحدث تدخل، وإنما حدثت أزمات كثيرة أثناء فترة حكم الإخوان، بدأت بالإعلان الدستورى الذى أثار غضب قضاة مصر، فاضطروا إلى عقد جمعية عمومية غير عادية، كما تدخل فى هذا الموضوع نادى القضاة وطالب بالإضراب والاعتصام.
■ هل المجلس الأعلى كان يؤيد هذه الخطوات التى اتخذها النادى؟
- المجلس لم يصدر بياناً بتأييد هذا الإضراب وقتها.
■ لماذا؟
- كنا حريصين على إيجاد آلية لتنظيم الاتصال ما بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية.
■ كان يؤخذ عليكم أحياناً مواقفكم الضعيفة أثناء حكم الإخوان؟
- كان يُعاب علينا كثرة ترددنا على قصر الرئاسة، ولكننا لم نتوجه كأعضاء فى مجلس القضاء الأعلى إلا بسبب الأزمة التى كانت ستعصف بالقضاء، فقد ذهبنا للرئاسة مضطرين.
■ ما أول زيارة لكم للرئاسة؟
- أول مرة حينما طلب الرئيس الأسبق محمد مرسى عقد لقاء بمجلس القضاء بعد توليه الحكم؟
■ ماذا دار فى هذا اللقاء؟
- هو تكلم عن حرصه على استقلال القضاء وتأكيد سيادة القانون، وأنه سيتولى رعاية القضاة ورفع مستوى معيشتهم.
■ هل كان يجلس معكم بشخصه.. أم كان ينيب أحداً لهذه المهمة؟
- كان يجلس معنا بنفسه، وكل اللقاءات التى تمت بعد ذلك كان رئيس الجمهورية فقط هو من يجالسنا، باستثناء مرة أو مرتين حضرها وزير العدل آنذاك المستشار أحمد مكى وشقيقه محمود مكى نائب رئيس الجمهورية، وكانت بعد الإعلان الدستورى وأثناء أزمة تعيين المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام السابق سفيراً فى الفاتيكان، وبعد صدور هذا الإعلان الدستورى حدثت «ثورة» عندنا فى القضاء، خاصة ما تضمنه من عزل للنائب العام وتعيين نائب عام جديد بدلاً منه.
■ هل هذا يعنى شرعية الإعلان الدستورى وما ترتب عليه من عزل للنائب العام؟
- الإعلان الدستورى لم تكن له شرعية.. بل كان غصباً للسلطة ولم يكن «مرسى» يملك إصدار هذا الإعلان ولا الطريقة التى تم بها عزل النائب العام كانت دستورية، بدلالة الحكم الذى صدر من دائرة طلبات رجال القضاء وأيدته محكمة النقض ببطلان تعيين نائب عام جديد.
■ لكن مجلس القضاء الأعلى رفض تنفيذ الحكم بعد صدوره من أول درجة؟
- الحكم لم ينفذ لأنه لم يكن باتاً.
■ ولكنه واجب النفاذ باعتباره حكماً نهائياً؟
- كان واجب النفاذ ولكن تم الطعن عليه.
■ لكن الطعن لا يوقف التنفيذ؟
- كان من الأفضل أن يتم التنفيذ بعد أن يصبح الحكم باتاً تحسباً لصدور حكم مخالف من محكمة النقض، والمستشار طلعت عبدالله، النائب العام الأسبق المعين وفقاً للإعلان الدستورى ألزم نفسه أمام مجلس القضاء الأعلى بأنه فى حالة صدور حكم بات سيلتزم بتنفيذه وتقديم استقالته مباشرة.
■ ماذا كان أول رد فعل من مجلس القضاء بعد إصدار الإعلان الدستورى؟
- اتصل المستشار محمد ممتاز متولى، رئيس المجلس آنذاك، بالرئيس (مرسى) وأبلغه غضب الشارع والقضاة من هذا الإعلان، وطلب منه خلال المكالمة لقاءه. وفى اليوم التالى توجهنا جميعاً إلى الرئاسة وتقابلنا مع «مرسى» بحضور كل من المستشارين محمود وأحمد مكى.
■ وماذا قلتم له نصاً؟
- تحدث المستشار ممتاز متولى رئيس المجلس نيابة عنا وقال له: «القضاة ثائرين وغضبانين مما حدث».
■ ماذا كان رده؟
- قال له هذه هى إرادة الشعب.. «والشعب هو اللى عايز كده، وأنا نفذت رغبة الشعب فى إقالة النائب العام وده مطلب شعبى».. فقلنا له: «إن قانون السلطة القضائية يمنعك من عزل النائب العام»، فرد قائلاً: «أنا طلبت منه يروح سفير ووافق وبعدين رجع فى قراره، ورغم هذا استجبت له وأبقيت عليه فى منصبه، وكان لا بد من تغيير النائب العام لأنه مطلب الثوار فى 25 يناير».
ثم استفاض «مرسى» فى الحديث عن الظروف التى كانت موجودة أثناء ثورة يناير، وقال لنا: «تحدثوا فى أى مواد وردت بالإعلان الدستورى باستثناء إقالة النائب العام»، فقلنا له: «الإقالة مخالفة دستورية» فأصر على موقفه متمسكاً بقوله «ده مطلب شعبى».
■ كم استمر هذا اللقاء؟
- استمر 7 ساعات، وانتهى بأن الرئيس طلب منا إعداد بيان بالاشتراك مع نائبه محمود مكى نبدى فيه مطالبنا وقال لنا: «قولوا اللى انتوا عايزينه وأنا موافق عليه».. فكتبنا البيان وطالبنا فيه بتعديل مواد الإعلان الدستورى دون أن نتعرض لإقالة النائب العام.[FirstQuote]
■ الإعلان الدستورى تضمن نصاً يتعلق بإعادة المحاكمات والتحقيقات لرموز نظام «مبارك».. هل تعرضتم لها فى بيانكم؟
- نعم، وأبلغنا «مرسى» أنه لا يمكن أن تُعاد المحاكمات والتحقيقات بأى حال، فرد علينا: «هناك بطء فى إنجاز المحاكمات». وفى النهاية كتبنا البيان، وبالفعل تم تجميد «الإعلان» دون أن نفلح فى إعادة المستشار عبدالمجيد محمود إلى منصبه كنائب عام.
■ أثناء هذه الأزمة دخل نادى القضاة فى اعتصام وإضراب عن العمل وتم تعطيل العمل بالمحاكم؟
- نعم، وذهبنا وقتها إلى قصر الرئاسة مرة أخرى.
■ هل كان الذهاب بناء على مطلبكم؟
- «مرسى» كان قد وعد بالحضور إلى دار القضاء العالى وعقد لقاء مع القضاة لاحتواء الأزمة، فقلنا له: «القضاة مش هيستقبلوك لأنهم غضبانين وثائرين».. فذهبنا إلى «الاتحادية»، وطلب منا أن نعود إلى محاكمنا وأن ننهى الإضراب ووعدنا بأنه سيستجيب لمطالبنا.
وذهبنا مرة أخرى إلى القصر الرئاسى عقب طرح تعديلات لقانون السلطة القضائية فى مجلس الشورى تلغى استقلال القضاء وتخفض سن تقاعد القضاة، وحضر هذا اللقاء المستشار ناجى دربالة نائب رئيس محكمة النقض، واقترح عقد «مؤتمر للعدالة» تُناقش فيه أزمات القضاء بما فيها تعديل قانون السلطة القضائية، ووافقنا وقتها، وعدنا إلى دار القضاء العالى للتجهيز للمؤتمر وشكلنا لجاناً لهذا الغرض على الرغم من اعتراض نادى القضاة وقتها.
■ لكن هذا المؤتمر لم يُعقد؟
- فوجئنا بأن رئيس الجمهورية يصر على إصدار تعديلات قانون السلطة القضائية، وأن مجلس الشورى مستمر فى مناقشته، فقررنا فى مجلس القضاء إلغاء المؤتمر لأنه لا مبرر لعقده بطبيعة الحال.
■ هل كنتم تشعرون أن قرارات «مرسى» تملى عليه أم أنها نابعة من إرادته؟
- القرارات لم تكن نابعة منه، فقد شعرنا أنه لا يتخذ قراراً أو تصرفاً معيناً إلا بعد الرجوع إلى أعضاء مكتب إرشاد الإخوان.. وكان لقاؤه يستمر خمس وست ساعات ولا يسفر فى النهاية عن أى قرار. وكنا نسمع منه كلمة «أنا موافق.. أنا موافق.. أنا موافق» ثم نفاجأ بأفعال عكس ذلك. وكل ما كنا نطلبه يوافق عليه ثم نفاجأ بالعكس، ومنها وقف تعديلات قانون السلطة القضائية إذ قال لنا «مفيش خفض سن وطمنوا القضاة إنهم باقون فى مناصبهم»، ثم نفاجأ بمشروع قانون معد ومعروض على مجلس الشورى، وأن مشروع القانون سيُرسل إلى مجلس القضاء لكى يوافق عليه، فقلنا له إن المجلس لديه مشروع قانون معد بمعرفة القضاة، فرد قائلاً إن مجلس الشورى هو من سيرسل المشروع الذى أعده ومن ثم قولوا رأيكم فيه. وفى ذلك الوقت اعترض نادى القضاة ورفض كل مشروعات القوانين التى وردت من مجلس الشورى أو من الرئاسة، واستجبنا كمجلس قضاء للنادى ولم ننظر أى قانون، وكان هناك تنسيق بين المجلس والنادى.
■ لكنكم كنتم على خلاف دائم مع نادى القضاة؟
- حاولنا أن يكون هناك توزيع فى الأدوار، والخلاف كان فى وجهات النظر حول التعامل مع الأزمة، فمجلس القضاء كان يرى أن يتم الحل من خلال «الطريق الدبلوماسى»، بينما كان المستشار أحمد الزند يرى ضرورة «التصعيد مع النظام».
■ فى النهاية.. هل الصدام ساهم فى إنهاء الأزمة؟
- نحمد الله أن جاءت ثورة 30 يونيو وأنهت هذه الخلافات بين القضاة ونظام الإخوان، ويجب ألا ننكر دور النادى فى هذه الثورة، فالمستشار «الزند» توقع زوال حكم الإخوان قبل الثورة بشهور، ولعب دوراً كبيراً فى صد العدوان على القضاء.
■ لماذا تعاملتم مع طلعت عبدالله بعد تعيينه نائباً عاماً؟ وهل كنتم ترون أنه نائب شرعى؟
- هو كان معيناً كنائب عام، وأصبح هذا التعيين أمراً واقعاً، ويباشر سلطات واختصاصات النائب العام، وهو عضو فى مجلس القضاء الأعلى، وقد فكرنا فى منعه من الحضور لكننا عدلنا عن تنفيذ هذه الفكرة.
■ هل كان هذا يعنى اعترافاً به؟
- ليس اعترافاً وإنما أمر واقع، والسلطات الدستورية نُقلت إلى الرئيس بنص الإعلان الدستورى، وبالتالى منع النائب العام من حضور اجتماعات مجلس القضاء يعد تعطيلاً للدستور.
■ ولكنكم لم تعترفوا بالإعلان الدستورى؟
- اعتبرناه غصباً للسلطة، والرئاسة اختلفت معنا فى ذلك.
■ لماذا لم تصعدوا الأزمة مع مؤسسة الرئاسة وقتها؟
- حرصاً منا على إيجاد قناة مع السلطة التنفيذية، خاصة أن الأزمات كانت تتصاعد وقتها يومياً، وكنا نريد إيجاد وسيلة اتصال لتخفيف هذه الأزمات؛ لأننا لو أغلقنا الباب مع رئيس الجمهورية وهو رئيس السلطات الثلاث بحكم الدستور ستُصعب الأمور أكثر. وقد أسفر اتصالنا معه فى حل أزمة تعيين المستشار عبدالمجيد محمود سفيراً فى الفاتيكان، بعد أن علمنا بهذه الأزمة من خلال الإعلام، وذهبنا فى اليوم التالى إلى قصر الاتحادية للقاء «مرسى»، وحضر اللقاء المستشارون حسام الغريانى ومحمود مكى وأحمد مكى، وقال «مرسى» إن المستشار «محمود» وافق على تعيينه سفيراً ثم عدل عن رأيه، وسأل «مرسى» النائب العام: هل تريد البقاء فى منصبك؟ فأجاب المستشار بالموافقة، فقال له الرئيس: «إذا كنت عايز تقعد خليك 10 سنين وفعلاً قعد ومشينا من الاتحادية ومعنا نائب عام عائد إلى مكانه، ووصلنا إلى دار القضاء العالى واسُتقبل الرجل بالزغاريد والاحتفالات، ونظم «الزند» مؤتمراً حضره «عبدالمجيد» وكل القوى السياسية آنذاك.
■ هل كنتم كمجلس قضاء معترضين على حضور القوى السياسية الجمعيات العمومية للقضاة؟
- لم نتعود أن تحضر قوى سياسية الاجتماعات، لكن الوضع فى هذه الفترة كان يوجب تضافر كافة القوى فى البلاد.
■ هل كان مسموحاً للقضاة فى ذلك الوقت بأن يمارسوا العمل السياسى لأنهم كانوا فى أزمة سياسية؟
- لا نستطيع قول ذلك، ولكن الأمر فُرض علينا، فالقضاة فُرض عليهم ممارسة السياسة وقتها، ونحن فى مجلس القضاء لم نستعن بأحد، ولكن النادى بصفته ممثلاً للقضاة، فلا حرج عليه فى أن يشارك قوى سياسية مثلاً نقيب المحامين ورجال القانون، على أساس أننا كنا بصدد أزمة دستورية تواجه القضاء، رأى أنه من باب التضامن والمجاملة وصد الاعتداء على القضاء أن يشاركنا السياسيون أزمتنا، وترتب على ذلك أن السلطة انزعجت ونُقلت وقائع هذا الاجتماع بالكامل لـ«مرسى»، لدرجة أنه قال لنا فى أحد لقاءاته بنا: «القضاة هتفوا فى دار القضاء بسقوط النظام»، فقلنا له: «ليس لنا سيطرة على القضاة نتيجة غضبهم مما حدث»، وانتهت أزمة عودة النائب العام، ثم لم يمض شهر واحد حتى صدر الإعلان الدستورى.
■ كيف تعاملتم فى مجلس القضاء مع المستشار طلعت عبدالله بعد تعيينه نائباً عاماً؟
- لم يرحب به أحد فى المجلس، ولم يقم أحد بزيارته فى مكتبه للتهنئة، فشعر أنه فى عزلة تامة وأنه مفروض على المجلس، وأن هذا المجلس «مش قابله»، خاصة حينما جرى حصاره من قبل أعضاء النيابة العامة، وبادر بتقديم استقالته.
■ وماذا فعل المجلس حينما حاصر أعضاء النيابة مكتب «عبدالله»؟
- نزلت قابلتهم أنا والمستشار محمد ممتاز متولى، رئيس المجلس وقتها، وحاولنا تهدئة روعتهم، ولكنهم كانوا مُصرين على إقالة «طلعت»، وأذكر أن جماعة الإخوان عابت على المجلس عدم تحركه لحماية النائب العام، وهو ما دعانا للتحرك لمقابلة الرئيس لاحتواء الأزمة، ولكن تحركنا هذا كان نابعاً من حرصنا على مصلحة القضاة ومن أجل دفع الخطر عنهم.
■ ولماذا رفض مجلس القضاء الأعلى وقتها البت فى الاستقالة؟
- اجتمعنا فى اليوم التالى لتقديم «طلعت» استقالته، وبعد أن قررنا قبولها وعودته للعمل رئيساً بمحكمة الاستئناف، فوجئنا به يدخل الاجتماع ويقرر العدول عن الاستقالة والاستمرار كنائب عام، وكان كلامه وقتها مقبولاً، حيث إنه اشترط قبول الاستقالة بعد عرضها فى يوم معين على مجلس القضاء، أى أنه علقها على شرط، وبالتالى لا تعتبر استقالة طالما أنها معلقة، فقررنا إرسالها إلى وزير العدل.
■ لماذا تم إرسالها إلى الوزير ولم يفصل فيها المجلس الأعلى للقضاء؟
- المجلس ليس جهة اختصاص لقبول الاستقالة، والمختص هو وزير العدل، والاستقالة قُدمت للمجلس فأرسلها إلى الوزير، والأخير حجزها ولم يرسلها إلى المجلس مرة أخرى، فقد كانت الأوضاع صعبة ومتشابكة ومعقدة.[SecondQuote]
■ هل كان «طلعت» يشارك فى المداولات الخاصة بقرارات المجلس.. وهل وقع على أى قرارات أو بيانات؟
■ مشاركته كانت محدودة، فكنا نخبره بأن الاجتماع بدأ فيأتى للحضور، وطوال مدة الاجتماع لم نكن نحادثه أو نأخذ برأيه بل رفضنا بعض ترشيحاته لقضاة للعمل معه فى النيابة العامة؛ فقد كانت لدينا معلومات أن من رشحهم غير صالحين للعمل فى النيابة. أما فيما يتعلق بتوقيعه على قرارات المجلس فقد وقع على بيانات أصدرها المجلس، ومن بينها بيان طالبناه فيه بالاستقالة حرصاً على وحدة الصف القضائى.
■ هل كان «طلعت» كما قيل وقتها «نائب عام خاص» لجماعة الإخوان؟
- الظروف فرضت عليه ذلك، وقد طالبناه مراراً بتقديم استقالته لكنه رفض ذلك، وقلنا له: «حافظ على وحدة الصف» فرفض أيضاً، وكانت هناك شكاوى عديدة ضده من قضاة ورؤساء نيابة ومحامين عموم، من بينهم المستشار مصطفى خاطر، محامى عام شرق القاهرة، وطلبنا فى المجلس مساءلة «طلعت» من خلال ندب قاضٍ من وزير العدل للتحقيق معه.
■ ما مضمون هذه الشكاوى؟
- التدخل فى عمل أعضاء النيابة العامة، والتأثير على سير التحقيقات، وإلغاء بعض قرارات الحبس.
■ ولماذا لم تسيروا فى إجراءات ندب قاضٍ للتحقيق معه؟
- كنا فى موقف صعب، فمن الذى يحقق مع نائب عام؟ لذلك طلبنا مذكرة تفصيلية من الشاكين، كما طلبنا مذكرة من «طلعت» نفسه للرد على الشكاوى، وكانت ردوده بأنه سينفذ حكم القضاء بعد الفصل فى الدعوى التى تطالب بعزله، التى أقامها المستشار عبدالمجيد محمود.
■ وهل منعتم «محمود» من حضور جلسات المجلس؟
- لا.. هو لم يحاول حضور أى جلسة.
■ لو كان حاول.. فماذا كان موقفكم؟
- هذا فرض من الصعب أن نفترضه، و«محمود» طلب من المجلس نقله إلى محكمة الاستئناف ثم سحب طلبه وأصر على أنه النائب العام الشرعى ورفع دعوى ببطلان قرار عزله فصدر الحكم بعودته، وكان الحكم مؤلماً لرئيس الجمهورية ولطلعت عبدالله أيضاً.
■ وهل ناقش «مرسى» الحكم معكم؟
- نعم.
■ فهل سمحتم له بالنقاش أم أنكم قلتم إن هذا حكم قضائى ولا يجوز التعليق عليه؟
- نعم، اعترضه أحد أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، وقال له إنه «حكم قابل للطعن ولا يجوز التعليق عليه»، فسكت «مرسى» ولم يعلق.
■ كيف كانت علاقة المجلس بالمستشار أحمد مكى، وزير العدل وقتها؟
- كانت متوترة، وكنا نشعر أنه منحاز لرئيس الجمهورية.
■ رغم أنه أحد أعضاء المجلس السابقين وكان قاضياً «صاحب مبادئ»؟
- كله «راح» بعد تعيينه وزير عدل.. نسى «مكى» القضاء ومبادئ الاستقلال.
■ هل ترون أن نظام مرسى كان يريد «أخونة القضاء»؟
- كانت هناك محاولات تمت من جانب النظام نفسه لسرعة تعيين عدد من أعضاء النيابة العامة من الإخوان، على اعتبار أن هناك أناساً «ظُلموا» فى التعيينات وكانوا حاصلين على تقديرات مرتفعة، وتم استبعادهم نتيجة انتماءات سياسية، وبناء عليه تم توفير 1500 درجة مساعد نيابة عامة لخريجى «الحقوق» ممن لم يتم تعيينهم من دفعة 2003 وحتى 2009، وأعلن عن هذه التعيينات وزير العدل آنذاك، المستشار «مكى»، وهنا قام مجلس القضاء بالتنبيه على الوزير بعدم التدخل فى التعيينات لأنها اختصاص أصيل للمجلس، فهو الذى يعين ويرشح ويختار أعضاء النيابة.
■ من قام بتوفير هذه الدرجات المالية؟
- جماعة الإخوان بحكم أنها هى التى كانت فى الحكم طلبت من وزير المالية توفير 1500 درجة مساعد نيابة عامة، ووافق وزير المالية على ذلك على أن يتم اعتباراً من موازنة 1 يوليو 2013. وفى ذلك الوقت كان هناك إلحاح شديد من جانب الحكومة لسرعة التعيين، ولكن مجلس القضاء الأعلى شعر بالموقف وتريث فى الإجراءات، فلم نتخذ أى إجراء، وانتظرنا حتى انتهت مدة المجلس، وجاءت ثورة 30 يونيو ولم يتم تعيين أحد.
■ هل ثورة 30 يونيو بهذا المعنى «أنقذت القضاء»؟
- طبعاً.. العناية الالهية أنقذت القضاء.
■ ماذا كان سيحدث للقضاء لو لم تنجح هذه الثورة؟
- كان متوقعاً تخفيض سن القضاة وإحداث تغييرات فى عملية استقلالية القضاء وحصانته.. «مكانش هيبقى فيه سلطة قضائية».
■ هل حاول قيادات الإخوان الاتصال بمجلس القضاء أو التقى أحد من أعضاء المجلس بهم؟
- لم يحاول أحد منهم الاتصال بمجلس القضاء، ولم يحدث أى لقاء.
■ ولماذا لم يتخذ المجلس وقتها أى إجراء ضد من يسمون أنفسهم «قضاة من أجل مصر»؟
- لم تُقدم إلينا شكاوى أو طلب للتحقيق معهم، وكل الشكاوى قُدمت بعد ثورة 30 يونيو للمجلس الجديد برئاسة المستشار حامد عبدالله.
■ ولكنهم خالفوا قرارات المجلس بالظهور فى وسائل الإعلام.. فلماذا لم يبادر المجلس بمساءلتهم؟
- لكى أحاسب قاضياً فلا بد من معلومات موثقة.. و«بعدين هما النظام اللى كان موجود فى الحكم».
■ هل كان المجلس يخشى محاسبتهم بسبب وجودهم فى الحكم؟
- ليس الأمر بهذا المعنى، ولكن لم تكن هناك مبادرة من جهة معينة لتقول لنا إن «قضاة من أجل مصر» ينتمون لجماعة الإخوان، والمبادرة تأتى من التفتيش القضائى أو جهة سيادية «الأمن الوطنى، أو المخابرات»، وهذه الجهات لم يبادر أى منها بتقديم ما يفيد انتماء هؤلاء القضاة للإخوان.
■ هناك تساؤل: هل تم تعيين أحد من الإخوان فى النيابة العامة خلال فترة وجودك فى المجلس أثناء حكم الجماعة؟
- خلال فترة وجودنا تم تعيين خريجى الحقوق من دفعة 2009 و2010، ولم تكن هناك فى تلك الفترة تحريات لـ«الأمن الوطنى» لأنها كانت ملغاة منذ ثورة 25 يناير وتحديداً خلال رئاسة المستشار سرى صيام لمجلس القضاء الأعلى، ومن بعده المستشار حسام الغريانى، وكانت المعلومات مقصورة على الأمن الجنائى فقط، وبالتالى لم نكن نعرف أى انتماءات سياسية للمتقدمين للتعيين فى النيابة العامة.
■ ما معايير اختيار أعضاء النيابة العامة؟
- الكفاءة العلمية والتقدير والبيئة الاجتماعية الصالحة، بمعنى أنه لا يجوز تعيين من حُكم على شقيقه فى جناية قتل أو مخدرات أو سرقة، أو أن يكون حُكم على والده فى جناية سرقة أو جنحة شيك بدون رصيد أو قضية آداب، وما إلى ذلك.
■ هل يمكن للمجلس أن يستبعد خريجاً لأن والده مثلاً «عامل نظافة»؟
- قد نتجاوز عن هذا ويتم تعيينه، لكنها مسألة تخضع لتقدير أعضاء المجلس، فقد تكون كفاءته العملية ممتازة، وأجاد فى مقابلته مع أعضاء مجلس القضاء.
■ هل سبق لكم استبعاد أحد بسبب مؤهل والديه؟
- لا لم يسبق ذلك.. وكل مجلس له ظروفه، وفى فترة وجودى لم نستبعد أحداً بسبب مؤهل الوالدين.
■ ولكنك قلت سابقاً إن «ابن عامل النظافة فى الشارع لن يُعين فى النيابة حتى ولو كان متفوقاً»؟
- نعم، ابن عامل النظافة فى الشارع له مكان آخر غير النيابة، وعدم تعيينه يعتمد على أمور كثيرة من بينها أن الشخص المعين «لازم يكون مرتاح مع نفسه».
■ ولكن استبعاده من التعيين قد يخلق له مشكلة نفسية؟
- هو يعلم أنه سيُستبعد حتى إذا كان مؤهله وتقديره «كويس» وشخصيته سوية، فقد استبعدنا أبناء مستشارين بسبب تحريات أمنية، لأن عم المستبعد سبق الحكم عليه فى قضايا، والاختيار يتم بـ«ميزان حساس» لأن القضاء ليس وظيفة وإنما هو رسالة مهمة لمصلحة المواطن، ويتعين اختيار العنصر الملائم.
وفى النهاية، فإن المجلس محكوم بعدد معين من الخريجين، وهو يسعى لاختيار الأفضل من بينهم، ولا أعتقد أن شيوخ القضاة الذين قاربوا الـ70 عاماً يمكن أن يظلموا أحداً، فضلاً عن أن هناك نسبة وتناسباً فى الاختيار بين الكليات، فلدينا 17 كلية «حقوق» وكلها تتنافس على التقديرات، ومن غير المعقول أن أقوم بتعيين من حصل على تقدير «جيد جداً» من الشريعة والقانون وأترك خريجى «حقوق القاهرة» حتى ولو كانوا حاصلين على «جيد».
■ مجلس القضاء.. هل أيّد مشاركة القضاة فى ثورة 30 يونيو؟
- لم نصدر تعليمات للقضاة بالمشاركة فى الثورة على الرغم من تأييدنا لها مثل جميع طوائف الشعب.
■ هل تأييد القضاة للثورة على الإخوان كان سبباً فى الأحكام التى تصدر حالياً بإدانة قيادات الجماعة.. أو بمعنى آخر هل «ينتقم» القضاة من الإخوان؟
- إطلاقاً، القاضى لا ينتقم، ومن ينتقم فهو غير صالح للعمل فى القضاء.
■ هل كان القضاء فى خصومة مع ثورة 25 يناير؟
- أبداً، فالقاضى دائماً معصوب العينين ويحكم بناء على ما هو وارد فى الأوراق.
■ لكن القضاة كانوا فى معركة مع الإخوان حتى اندلاع ثورة 30 يونيو؟
- معركتنا مع الإخوان لا يمكن أن تؤثر على الأحكام التى تصدر ضدهم.
■ ولكن القاضى فى النهاية بشر ويتأثر؟
- من لا يتحكم فى مشاعره خلال إصدار الحكم فإن عليه التنحى، وقد شاهدنا حالات تنحى كثيرة بين القضاة نظراً لاستشعارهم الحرج.
■ هل سبق لك التنحى لاستشعار الحرج يوماً؟
- حدث ذلك فى قضية واحدة، وكانت تتعلق بانهيار عمارة فى «مصر الجديدة» فى التسعينات (من القرن الماضى)، وكنت وقتها نائباً لرئيس محكمة النقض، وتنحيت بسبب لأن صديقاً لى طلب منى السؤال عن هذه القضية، وأعطانى رقم الطعن، وتبينت أن هذا الطعن منظور أمامى، فكان لا بد من التنحى.
■ القضاء.. هل كان عصا فى يد «مبارك» أو «مرسى»؟
- إطلاقاً، ونحمد الله أن الثورة قامت.. وعن نفسى أُشهد الله أنه لم يتدخل أحد فى عملى طوال 51 سنة.[ThirdQuote]
■ ألم تكن هناك قوائم للتعيين فى النيابة العامة مُقدمة من مسئولين فى السلطة التنفيذية؟
- لم يحدث، وادعُ ربك أن يديم استقلال القضاء لمصر.. فهذا الاستقلال حصانة للمواطن وللحاكم والمحكوم عليه، والقضاة غير المستقلين قلة ونتمنى إزالتهم، ولو استمر الإخوان فى الحكم كانت ستحدث انقسامات و«تصنيفات» داخل القضاء، وهذا لم نتعوده أبداً طيلة فترة عملنا فى القضاء.
■ كيف كنت ترى مطالبة الإخوان بـ«تطهير القضاء» وقتها؟
- كانوا يطالبون بالتطهير من وجهة نظرهم، رغم أن القضاء لم يكن بحاجة إلى أى تطهير.
■ وهل يحتاج القضاء حالياً إلى تطهير من «قضاة الإخوان»؟
- إذا ثبت انتماء أى قاضٍ لأى فصيل سياسى تتم محاسبته فوراً.
■ هل اهتزت صورة القضاء بعد ثورة 25 يناير؟
■ كل مؤسسات الدولة اهتزت صورتها، الشرطة انهارت، والقضاء تمت مهاجمته.
■ يرى البعض أن «25 يناير» كانت «مؤامرة» لإسقاط مصر.. فما رأيك؟
- لا أعتقد ذلك، فالشعب كله خرج للمطالبة بالتغيير، وأنا حاولت منع ابنى من الخروج فقال لى: «أنا نازل عشان أحافظ على أولادى».. صحيح أنه حدث استغلال للثورة وسرقتها وهو ما تكشف بعد ثورة 30 يونيو والتى تعد تصحيحاً لمسار ثورة 25 يناير، ولكن لا يمكن وصف ثورة يناير بـ«المؤامرة» مطلقاً.
■ تصديت لـ«قضية القرن» المتهم فيها «مبارك» ووزير داخليته حبيب العادلى و6 من مساعديه وقررت نقض حكم الجنايات الذى أصدره المستشار أحمد رفعت وإعادة المحاكمة.. ما الأسباب التى دفعتك لنقض الحكم؟
- وجدت أن هناك عيوباً شابت الحكم وكانت محل أسباب الطعن الذى قدمه «مبارك» و«العادلى»، من بينها عدم سماع محكمة الجنايات لبعض الشهود وتجاهلها للعديد من أحراز القضية مثل شرائط التسجيلات الخاصة بقتل المتظاهرين فى ميدان التحرير والميادين الأخرى، دون أن تبدى أسباب هذا التجاهل، وهو ما يعطى سنداً لنقض الحكم وإعادة المحاكمة، حيث اعتبرت هيئة المحكمة ذلك فساداً فى الاستدلال وقصوراً فى التسبيب.
■ هل ترى أن المستشار محمود كامل الرشيدى استوفى القضية من جميع جوانبها وتلافى أخطاء المحاكمة الأولى؟
- نعم.. فقد عرض «الرشيدى» تسجيلات تتعلق بالقضية لم تُعرض فى المحاكمة الأولى.
■ هل يمكن أن يكون التقرير التليفزيونى الذى عرضه فى الجلسة الأخيرة سبباً لنقض الحكم فيما بعد أمام «النقض»؟
- لا، صحيح أن هذه سابقة فى تاريخ القضاء، ولكنه كان يريد أن يوضح للرأى العام أسباب تأجيل النطق بالحكم.
■ هل إذاعة جلسات محاكمة «مبارك» فى الفضائيات يمكن أن تكون سبباً فى تأثر القاضى بالرأى العام؟
- المستشار «الرشيدى» أذاع جلسات المحاكمة، وهى سابقة أيضاً، ولكنه يرى أن الرأى العام يجب أن يكون على دراية بما حدث باعتبارها قضية وطن، ولا أعتقد أنه تأثر بالرأى العام أو أنه هيأه لحكم ما.
■ هل حصول «مبارك» على البراءة يعنى إدانة قيادات الإخوان فى القضايا المتهمين فيها خاصة «الهروب من وادى النطرون والتخابر»؟
- لا يوجد أى ارتباط بين الاتهامات الموجهة لـ«مبارك» والاتهامات الموجهة لـ«مرسى» والإخوان.
■ أقصد أن دفاع «مبارك» ذكر فى مرافعته أن الإخوان هم من خططوا لإثارة الفوضى وقتلوا المتظاهرين فى ثورة 25 يناير، وإذا أخذت المحكمة بهذا ستتم تبرئة «مبارك» وإدانة الإخوان فى القضايا المتهمين فيها؟
- لا شك أن ثورة 30 يونيو كشفت عن حقائق كثيرة بشأن ما حدث فى 25 يناير، وأزالت الغموض فى أمور كثيرة قد تكون فى مصلحة «مبارك»، خاصة أن هناك قضايا تمت تبرئة رموز «مبارك» فيها.
■ هل ترى أنه كان من الأفضل إبعاد القضاء عن هذه القضايا وإحالتها إلى «قضاء استثنائى»؟
- الإخوان عقب 25 يناير طالبوا بأن يتصدى القضاء الطبيعى لمحاكمة «مبارك» ورموز نظامه حرصاً على سيادة القانون، وكنت أرى أنه كان من الأفضل إحالة المتهمين من نظامى «مبارك» و«الإخوان» إلى قضاء استثنائى لأنه يعطى فرصة أكبر لمساءلتهم عن الفساد السياسى بعكس القضاء الطبيعى المقيد فقط بقرائن وأدلة.
■ من وجهة نظرك.. لماذا تأخر الفصل فى «قضية القرن» لمدة 3 سنوات؟
- نحن نحاكم رئيس دولة، وقريباً سيتم إدخال تعديل يجعل محكمة النقض تتصدى للقضية فى حال نقضها الحكم من أول مرة، وعدم إعادتها إلى محكمة الجنايات مرة أخرى.
■ أخيراً.. ما تقييمك لفترة حكم «مبارك»؟
- شهادتى كمواطن قبل أن أكون قاضياً، أن نظام «مبارك» لم يتدخل فى القضاء طوال 30 سنة وحصل القضاة على امتيازات وحصانة فى عهده، من بينها إعادة مجلس القضاء الأعلى بعد إلغائه فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ومنح النائب العام حصانة بعدم القابلية للعزل وضمان تعيينه من بين مستشارى «النقض والاستئناف»، وكل هذه الامتيازات دون المساس بالقضاء أو استغلاله فى تحقيق أهداف معينة.