أخلاقيات التجارب الإكلينيكية تمنع تحول المريض إلى «فأر تجارب»

ثار فى الآونة الأخيرة جدل واسع حول مشروع قانون البحوث الدوائية وكما كانت هناك تحفظات لها وجاهتها حرصاً على الضمانات الكافلة لحقوق من ستجرى عليهم التجارب من المرضى أو المتطوعين، كان هناك أيضاً تزيد فى الاعتراض إلى الدرجة التى يستحيل معها قيام بحوث دوائية فى مصر، وكما تطورت البشرية أخلاقياً إلى أن وصلت إلى مرحلة المواثيق والعهود الدولية التى تكفل حقوق الإنسان وكرامته، كذلك تطور البحث الإكلينيكى من ممارسات تصل إلى حد الجريمة إلى أن وصل إلى مواثيق وقواعد حاكمة تكفل أقصى درجات الحماية للمريض. فمن فضيحة تاسكيجى التى بدأت فيها دراسة تطور مرض الزهرى عام ١٩٣٢ على مجموعة من مرضى الزهرى من الأمريكيين الملونين دون إخبارهم بحقيقة مرضهم ودون علاجهم إلى أن افتضح الأمر عام ١٩٧٣ بعد واحد وأربعين عاماً، مروراً بالتجارب التى أجرتها النازية على المعتقلين إلى أن وصلنا اليوم لأقصى درجات الرقابة على التجارب الإكلينيكية، من خلال مجموعة من المواثيق. أول تلك المواثيق كان ميثاق نورمبرج الصادر فى ١٩٤٩ على هامش محاكمات نورمبرج بعد الحرب العالمية الثانية، ثم إعلان هلسنكى عام 1964 نهاية بالممارسة الطبية الجيدة Good Clinical Practice (GCP) الصادر فى عام 1994، وتعد بنود إعلان هلسنكى والـGCP الدستور الحاكم للتجارب الإكلينيكية فى العالم، حيث يعد الالتزام بمعاييرهما شرطاً للاعتراف بالتجربة وبما يصدر عنها من نتائج، ودون التطرق إلى الفروق الطفيفة بين كل من الميثاقين يمكننا إلقاء الضوء على أهم النقاط التى نصا عليها. فلا بد من وجود لجنة مستقلة لأخلاقيات البحث يعرض عليها كل جوانبه مثل ما سيتم إجراؤه على المريض تفصيلياً وكل ما يتعلق بالدواء موضوع التجربة ونموذج الموافقة على البحث الذى يوقع عليه المريض إلى آخره، ويلتزم القائمون على البحث بعرض كل المستجدات على اللجنة، كتعديل خطة البحث أو أى أعراض جانبية تظهر أثناء البحث، وما تم بشأنها، ويشترط فى اللجنة الاستقلال التام عن راعى البحث، وأن تضم بين أعضائها امرأة واحدة على الأقل وعضواً من خارج المجال العلمى كممثل للمجتمع. ومن أهم البنود توقيع المريض على نموذج الموافقة المستنيرة بالعلم، الذى يتناول تفاصيل ما سيتم إجراؤه عليه من فحوصات وكل ما يتعلق بالدواء محل التجربة وأعراضه الجانبية ووسيلة الاتصال بالمسئول عن البحث أو ممثله حال حدوث أى مشكلة طبية، ويشترط أن يتناول كافة المعلومات دونما نقصان بلغة سهلة يفهمها غير المتخصص، وإذا كان المريض قاصراً يقوم ولى الأمر بالتوقيع عنه وإذا كان أمياً يقوم القائمون على التجربة بشرحها للمريض فى وجود شاهد لا علاقة له بالتجربة وبتوقيع الشاهد بجوار بصمة المريض. كما تم إلزام راعى البحث، وهو فى أغلب الأحوال الشركة المنتجة للدواء، بتقديم كل المعلومات المتعلقة بالدواء تحت التجربة من حيث تركيبته الكيميائية وخواصه وسميته ونتائج الاختبارات قبل الإكلينيكية على حيوانات التجارب فى نشرة/ كتيب الباحث (Investigator brochure) وهو مستند أساسى يتم التأكد من وجوده فى عملية مراقبة البحث، كما يلتزم راعى البحث بتوفير نفقات الخدمة الطبية حال حدوث ضرر ناتج عن التجربة ويقوم بالتأمين على المرضى ضد أخطار التجربة حال اقتضاء النظام المعمول به فى الدولة محل التجربة ذلك. كما تم تحديد مواصفات الباحث الرئيسى من حيث كفاءته العلمية وخبرته فى مجال التجارب الإكلينيكية، ويشترط أن تكون المكافآت المقدمة من راعى البحث للباحث أو للمؤسسة التى يجرى البحث بها بإيصالات رسمية، ويمنع منعاً باتاً أن يكون هناك نوع من تضارب المصالح بين الباحث الرئيسى وراعى البحث، كأن يكون مثلاً شريكاً فى الشركة الراعية للبحث أو مستشاراً لها وما إلى ذلك. كما تلتزم الشركة الراعية بتوفير وتوثيق عملية مراقبة ومتابعة دورية للبحث لضمان إجرائه وفق المعايير التى ذكرتها. إذن فنحن لن نخترع العجلة إذ لدينا دستور لأخلاقيات التجارب الإكلينيكية ونماذج لقوانين موجودة بالفعل فى عدة دول، مما ييسر وضع قانون يوفر أقصى درجات الحماية والأمان للمريض أو للمتطوع ويتيح للبحث الإكلينيكى الانطلاق الذى نتمناه ونحتاجه، كما نحتاج لنشر تلك الثقافة بين الأطباء حماية لحقوق المرضى ونشرها مجتمعياً حتى نزيل ما تم ترسيخه فى الوعى الجمعى من أن البحث الإكلينيكى يحول المريض إلى فأر تجارب.