الاستثمار الطبى.. إشكالية الربح والمنفعة!

ربما لا يمكن الحديث عن أى تطوير فى مجال الرعاية الصحية دون أن نذكر الدور الأساسى الذى يقدمه القطاع الخاص الطبى فى تقديم الخدمة أو حتى فى توافرها..!

هو شريك أساسى فى العملية كلها.. بل ربما لن تجد تجربة ناجحة فى مجال الرعاية الصحية فى العالم كله إلا والقطاع الخاص الطبى موجود بها وبشكل واضح.. لأنه ببساطة لا توجد دولة على ظهر هذا الكوكب يمكنها التعامل مع هذا القطاع الحيوى بشكل منفرد..!

فى البداية ينبغى الإشارة إلى أن القطاع الخاص شريك رئيسى لتقديم الخدمات الصحية فى العالم كله مع الأنظمة الحكومية.. بل إن نسبة مشاركته تتجاوز فى بعض الدول نسبة مساهمة الحكومات ذاتها..!

المشكلة أن القطاع الخاص فى مجال الصحة بمصر غير منظم من الأساس.. فهو يعمل فى جزر منعزلة عن بعضه بل وعن احتياجات المواطن أو الدولة لوجوده.. وفى ظل إشراف ورقابة هزيلة لا تتمكن من التحكم فى أولويات تقديم الخدمة أو جودتها.. كما أنه لم يقدم حتى الآن للقطاع الصحى ما يضيف إليه سواء من خبرات بشرية أو أجهزة حديثة بالشكل الذى يفترض أنه يفعله..!

ما زالت فى الأذهان تلك الأزمة التى حدثت فى منتصف العام قبل الماضى بين وزارة الصحة والقطاع الخاص.. حين أقرّت الوزارة تسعيرة محددة لعلاج مرضى كوفيد، واعتبرت المستشفيات الخاصة تلك التسعيرة غير عادلة ورفضت التعامل بها.. للدرجة التى أدت لانسحاب بعضها من تقديم الخدمات العلاجية لمرضى كوفيد فى أصعب وقت مرّ على القطاع بمصر ربما فى تاريخه بالكامل..!

الأزمة -وإن تم التغلب عليها فى وقتها- إلا أنها فتحت الباب وقتها لمناقشة فكرة الاستثمار فى القطاع الطبى.. والضوابط التشريعية والقانونية التى ينبغى توافرها لضبط الأداء فى هذا القطاع الحيوى..!

معظم المستشفيات الخاصة تقدم نفس الخدمات الموجودة بالفعل.. التسعير يقوم على قرارات مستقلة من أصحاب رؤوس الأموال المستثمرة نفسها..!

المستشفيات الخاصة يقع معظمها فى العاصمة وحدها.. معظم أجهزة أشعة الرنين المغناطيسى والمسح الذرى الخاصة موجودة فى القاهرة والإسكندرية.. لا يوجد أى وسيلة لإعادة توزيع تلك الخدمات جغرافياً بالشكل الذى يخدم النظام الصحى أو المواطن فى كل مكان على أرض الوطن..!

أعرف أن الأمر يخضع للعرض والطلب وأن الأمر فى نهايته هو مشروع يستهدف الربح لأصحابه فى المقام الأول.. ولكننى أعتقد أن أزمة كوفيد تحديداً قد أبرزت أن قطاع الصحة تحديداً ينبغى أن يحمل الاستثمار فيه بعضاً من المسئولية المجتمعية مع ضمانات لاستمرارية الخدمة وجودتها.. كما ينبغى أن يتم توزيعه بشكل متناسق مع عدد السكان فى كل محافظة ليقوم بدوره المنوط به بشكل كامل..!

هناك محاولة بدأت بالفعل لإصلاح القطاع الصحى وإعادة توزيع الخدمات فيه تحت مظلة التأمين الصحى الشامل.. ولكنها محاولة تحتاج من الجميع إلى استيعاب أهدافها جيداً التى يأتى فى مقدمتها تنظيم العمل وضبطه بين القطاعين العام والخاص.. ووضع معايير جديدة تضمن توفير الخدمات وتوزيعها بشكل جغرافى متزن سواء باستخدام إمكانيات الوزارة أو القطاع الخاص..!

المحاولة ينبغى -بالإضافة إلى تنظيم العمل فى الظروف العادية - أن تستند إلى تشريعات مستحدثة تمكن الدولة من السيطرة على الأمر فى أوقات الأزمات مثل أزمة كوفيد.. وتتيح للمواطن خدمة صحية -غير هادفة للربح -بشكل عادل!

فى رأيى أن تعظيم دور القطاع الخاص الطبى قد أصبح ضرورة.. بشرط أن يتم تنظيم العمل بين أطرافه المختلفة تحت مظلة تشريعية واضحة.. والعمل على تنسيق الخدمات المقدمة للمواطن.. حتى يتحول الأمر إلى استثمار تنموى يقدم ما يخدم الناس.. وليس ما يخدم أصحابه وحدهم.. أو هكذا أعتقد!