ترجمة رواية «الغريب» للغة العامية تثير الجدل.. «سلفية أم حرية إبداع؟»

ترجمة رواية «الغريب» للغة العامية تثير الجدل.. «سلفية أم حرية إبداع؟»
- ألبير كامو
- هشام أصلان
- معرض القاهرة الدولى للكتاب
- الترجمة
- الفيسبوك
- ألبير كامو
- هشام أصلان
- معرض القاهرة الدولى للكتاب
- الترجمة
- الفيسبوك
بعد صدور ترجمة باللغة العامية لرواية «الغريب» للكاتب والفيلسوف الفرنسي ألبير كامو خلال معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الأخيرة، سادت حالة من الجدل في الأوساط الثقافية، ما بين مؤيد للفكرة والانحياز لحرية المترجم في استخدام اللغة، وقراءة الرواية قبل الحكم عليها، واتجاه رافض لطريقة استخدام اللغة الدارجة في حياتنا العامية سواء في الكتابة أو الترجمة.
مترجم الرواية: يوجد اختلاف بين القراء بشأن الترجمة باللغة العامية
وأشار هكتور فهمي مترجم الرواية التي صدرت عام 1942 وتنتمي إلى مذهب العبثية في الأدب، عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، إلى أن ترجمته للرواية للعامية كان من خلال دار «هن» للنشر والتوزيع ودار «الغريب بالمصري»، موضحا أن هناك تضاربا حول الترجمة باللغة الدارجة حيث يرى البعض أن اللغة العربية تتجه إلى الانحدار، بينما رأى البعض الآخر أن الأمر في النهاية يخضع لحرية الرأي والتعبير.
أنور مغيث: المنع فعل غير حكيم
من جانبه قال الدكتور أنور مغيث، رئيس المركز القومي للترجمة سابقا، في تصريحات خاصة لـ«الوطن» أنه لا يرى مشكلة في ترجمة رواية «الغريب» للكاتب ألبير كامو إلى العامية، معتبرا أن ذلك ليس انحيازا للعامية، ولكنه انحياز لقيمة الحرية، فترجمة الرواية بالعامية لا يجب الحكم عليه قبل صدور الرواية ولكن بعد صدورها في الأسواق وتفاعل القارئ معها.
وتابع: «هو أمر مرحب به، فاللغة لا يمكن أن تضيع إذا تم استخدام العامية في كتابة رواية أو أكثر، وفكرة المنع والحظر بحجة أننا نحافظ عليها من الاندثار فعل غير حكيم لأن اللغة يمكن أن تضيع بوسائل شتى ليس فقط استخدام العامية، فاللغة تفرض نفسها إن كانت قوية دون الحاجة إلى حراس كما حدث مع الهجوم على مترجم رواية الغريب».
وأشار «مغيث» إلى أن رواية «الغريب» من الروايات الفرنسية الشهيرة بلغتها البسيطة السلسة رغم أعماقها الفلسفية ولذلك يتم تدريسها للأطفال الصغار في المدارس الفرنسية، فليس أمرا غريبا أن هناك إمكانية لترجمتها بالعامية، و«هاملت» كانت التجربة الأولى للترجمة بالعامية.
محاولات الترجمة إلى العامية في الثقافة المصرية ليست جديدة بحسب «مغيث» فقد بدأت منذ الخمسينيات والستينيات حيث كانت هناك رغبة في ترجمة أشهر الروايات العالمية إلى اللغة العامية مثل محاولة عالم النفس مصطفى صفوان ترجمة «هاملت» إلى العامية، كذلك حاول الكاتب توفيق الحكيم صياغة «هاملت» بالعامية: «كان توفيق الحكيم يحلم بأن يتم حكاية قصة هاملت على الربابة في جلسات الفلاحين والرواة، معتبرا أنها الوسيلة التي ستوصل عيون الأدب العالمي والمصري إلى العامة».
وضرب «مغيث» مثالا بما حدث في فرنسا، حيث طالب أحد النواب هناك بأن يتم كتابة عناوين المطاعم باللغة الفرنسية فقط، وعدم استخدام أي لغة أخرى خوفا من ضياع اللغة والهوية: «النائب وقتها لم يستمر في طرح اقتراحه بل انسحب من الخجل بسبب الهجوم عليه لغرابة اقتراحه، وأنه ضد التطور».
هشام أصلان: الهجوم على الرواية اتجاه سلفي
أما الكاتب «هشام أصلان»، فقد اعتبر أنه لا يمكن الحكم على جودة الرواية باللغة العامية قبل أن يتم قراءتها ولكنه مع ذلك مع حرية الكتابة والتعبير طالما أنه لا يوجد تحريض على عنف أو إرهاب، مشيرا إلي أنها صنعت لديه حالة من الفضول لقراءتها قائلا: «لم أفهم سر الهجوم المبالغ فيه على تجربة ثقافية قبل قراءة الرواية بشكل متعمق وحقيقي، فمن المعروف أنه لا يمكن التنبؤ قبل قراءة أي رواية هل ستكون تجربة ناجحة وجيدة أم لا؟.
وتابع: «بل من الصعب التنبؤ أن هناك أشخاصا آخرين قد يفكرون في خوض التجربة نفسها، فالحقيقة أنه من حق أي شخص عمل وكتابة أي منتج ثقافي طالما أنه لا يحرض على عنف أو إرهاب هو فقط يصنع كتابا».
وأشار «أصلان» إلى أن أي رواية بالطبع قد تثير إعجاب قراء بينما لا تحظى بنفس الإعجاب من آخرين، مؤكدا أن من لم تعجبه الرواية من حقه عدم القراءة: «البعض يستخدم لفظ الانحدار باللغة العربية كوصف لترجمة رواية الغريب بالعامية، وأنا في الحقيقة لا أفهم هذه النقطة فهل مثلا علاقة القارئ المصري باللغة العربية الفصحى ضعيفة وهشة إلى الحد أننا نخشى عليها من تجربة بالعامية، أو مثلا يعتقد بعض المهاجمين أن تلك الترجمة بالعامية قد تؤدي إلى القطيعة مع اللغة العربية والحط من قدر اللغة والتسفيه منها، أعتقد أننا يجب أن نسأل أنفسنا تلك الأسئلة قبل أن نبدأ الهجوم».
واعتبر «أصلان» أن الهجوم علي استخدام العامية في الكتابة يمثل هجوما على كتاب كبار مثل «لويس عوض» و«فتحية العسال» ممن كتبوا مذاكراتهم باللغة العامية:«لا يختلف اثنان على قيمة لويس عوض وفتحية العسال، وعلى من يهاجم الترجمة والكتابة بالعامية أن يقرأ لهؤلاء الكبار، واعتبار أننا نصيب اللغة العربية بأضرار هذا كلام سلفي ولا يليق بفنانين ولا كتاب، فهى خلطة سلفية رقابية صعبة، يتم إطلاقها دوما في مثل هذه الحالات، بل يجب أن نعتمد علي الزمن لأنه هو الذي يحدد المنتج الثقافي الجيد من الرديء»
«إسراء»: الترجمة للعامية يفقد اللغة رونقها وأمانتها
أما إسراء محبوب، كاتبة، فقد عبرت عن اعتراضها على استخدام اللغة العامية في الترجمة، باعتبار أن ذلك يفقد لغة الفصحى رونقها، كما يفقد العمل الأدبي القدرة على الانتشار بل وقد تساهم العامية في البعد عن المقصد الأساسي للكاتب الأصلي، وقالت محجوب: «عندما نترجم باللغة العامية، فاللغة المحكية وقتها لن تخضع لمقياس ثابت، لأن المترجم سيعتمد على لهجة أهل البلد الذي يترجم لهم، ففي مصر ستظهر العامية المصرية، وفي لبنان ستظهر العامية اللبنانية، وعلى هذا المنوال، لن يكون هناك مفهوم عالمية اللغة التي يفهمها الجميع، والتي يستطيع المتحدثون باللغة العربية الفصحي قراءتها في أي مكان وفي أي وقت».
وأشارت «إسراء» في تصريحات لـ«الوطن» إلى أنها ترى اللغة الفصحى أفضل في الترجمة من اللغة العامية لأنها قادرة على الحفاظ على المعنى الأصلي الذي يعبر عنه الكاتب خلال كتابة روايته أيا كانت جنسيته، وشرحت رؤيتها بقولها: «الترجمة بشكل عام تفقد اللغة جزء من جمالها وجزء من القصد الذي أراده الكاتب لأن اللغة مرتبطة بالبيئة التى نشأت فيها، وبدلالات معينة متعلقة بالتاريخ والتراث والأفكار والعادات الخاصة التي نشأ فيها الكاتب».
وأوضحت: «وعندما نعتمد على اللغة العامية، يتم توسيع عملية ترجمة ونقل المعاني، لأن المترجم سوف يغير المعنى الذي قصده الكاتب ليس بشكل محايد بل سيضيف معاني متعلقة بالبيئة المصرية وروحها بحكم استخدام العامية، فهنا المترجم بعد تماما عن أمانة النقل، لأن اللغة الأصلية للرواية لن توازي أبدا التعبيرات التي تنتمي إلى العامية المصرية».
وأشارت «إسراء» إلى أن أحد شروط الترجمة هي أمانة النقل وهى ما توفره اللغة الفصحى حيث يتحرى المترجم الدقة في كل كلمة يكتبها، بحيث تكون أقرب إلى اللغة الموازية التي يترجم عنها: «اللغة العامية بنت مكانها، ومحدودة ببيئة معينة وجغرافية معينة، أما الفصحى ليست محدودة فأي شخص يتحدث العربية يمكنه فهم الفصحى، ولكن الترجمة للعامية سيجعل الأفكار والكلمات عصية على الفهم للقارئ العربي في دول أخرى غير مصر، فهذا تشتيت للغة والمعاني».