وزير الثقافة الأسبق: رفضت طلباً لـ«الإخوان» بفتح «الأوبرا» أمام الشيخ محمد حسان لإلقاء دروسه داخلها وقلت لهم: «أمامكم المساجد.. هذه الدار للفنون الرفيعة فقط»
الدكتور محمد صابر عرب
«الثقافة» تناضل للحفاظ على «الهوية المصرية».. واختيار هذا الشعار للدورة الـ53 من معرض القاهرة للكتاب في محله
أكد الدكتور محمد صابر عرب، وزير الثقافة الأسبق، أن الحديث عن هوية مصر ملائم ومناسب فى هذا التوقيت، من أجل حمايتها والحفاظ عليها من محاولات طمسها، خصوصاً أن هناك العديد من العوامل التى هددت تلك الهوية على مر العصور، وكان من الضرورى توضيح كيف تم إجهاض جميع محاولات تنظيم «الإخوان» فى هذا الشأن، وقال، فى حواره مع «الوطن»، إنه أثناء فترة حكم الجماعة الإرهابية، نجحت مؤسسات الدولة وقتها فى حماية الهوية المصرية، وإنه رفض طلباً لـ«الإخوان» بفتح الأوبرا أمام الشيخ محمد حسان لإلقاء دروسه داخلها، ورد بقوله: «هذه الدار للفنون الرفيعة فقط».
على وزارة التعليم الاهتمام بالبرامج الفنية والثقافية وأن تهتم الجامعات خاصة الحكومية بالندوات الثقافية
وشدد على دور التعليم ووزارة الثقافة فى تعزيز القيم والروح الوطنية لدى الأجيال الحالية، محذراً من مخاطر التكنولوجيا الحديثة ومواقع التواصل على الشباب، وإلى نص الحوار
ما رأيك فى اختيار شعار الهوية المصرية لدورة معرض الكتاب هذا العام؟
- أعتقد أنه اختيار دقيق جداً ودال جداً، وفى محله لأن الهوية المصرية تواجه حالياً العديد من المخاطر داخلياً وخارجياً.
كيف تأثرت الهوية المصرية على مر العصور؟
- الكتابة على سبيل المثال فى نهاية القرن التاسع عشر، جيل محمد عبده ومصطفى عبدالرازق ولطفى السيد، كل هذه الفترة الطويلة استغرقت أكثر من نصف قرن، كانت الكتابة أكثر جدية والأفكار أكثر حرية، وكان جيلاً من المفكرين والفلاسفة والمنظرين فى الحياة الفكرية والأدب والثقافة، تميزت أعمالهم بأنها أصبحت هى المصدر الأهم فى حياتنا الفكرية والثقافية. وكانت هناك حرية أكثر فيما يتعلق بالكتابة، كان يستطيع الكاتب التحدث فى أمور كثيرة تتعلق بالدين بقدر كبير، وكان محمد عبده يحمل أفكاراً جديدة، وكان الشيخ عبدالرازق يقول أفكاراً جديدة أيضاً، ولطفى السيد كذلك فى مجال الفكر والأفكار السياسية لديه رؤية، وكذلك مجال الصحافة والكتابة.
ماذا عن الوقت الحالى؟
- حالياً، هناك نوع من التراجع أخطره هو الإرهاب باسم الدين، حين تعبر عن رأيك على الفور يتم التشكيك فى عقيدتك بالخروج على الإسلام، والإسلام من هؤلاء برىء، نحن لدينا مشكلة فيما يتعلق بحرية الفكر، الله سبحانه وتعالى قال: «فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ»، ترك للناس الحرية المطلقة ولكن بعض الناس قيدوا تلك الحرية وبدأوا يبالغون فى البحث عن رؤية للتشكيك والتنكيل بهذا الشخص والازدراء به فى المجتمع، وفى النصف الأول من القرن الماضى كانت الكتابة أكثر جرأة وحرية، خاصة فى المسائل ذات الطابع الفلسفى والفكرى، الآن لم يعد ذلك قائماً، فضلاً عن العناية باللغة العربية ككتابة ولغة وأسلوب، فكان هناك نوع من الدقة والاعتماد على المرجعية، بالإضافة إلى أفكار جديرة بالمناقشة والطرح، وهو أمر لم يعد قائماً الآن.
توليت حقيبة وزارة الثقافة فى ظروف سياسية مختلفة.. ما التحديات التى واجهتك؟
- توليت وزارة الثقافة أربع فترات فى 4 حكومات، فى حكومة الجنزورى، ثم هشام قنديل، وحازم الببلاوى، ثم المهندس إبراهيم محلب، وهذه كانت أصعب الفترات التى أعقبت أحداث يناير وقامت الدنيا بعدها ولم تقعد، كانت المظاهرات فى كل مكان والغضب أيضاً، وكانت القدرة على طرح أفكار ورؤى صعبة، ورغم ذلك أعتقد أننا أدينا مهمتنا فى ظروف صعبة جداً، كان المسرح يعمل وكانت المطابع تنشر الكتب، وفى ظروف صعبة كانت معارض الفن التشكيلى تقام، وكنا نحتفى بعيد الفن لأول مرة بعد توقفه سنوات طويلة، فى فترة صعبة كان مهرجان القاهرة السينمائى الدولى يقام، كل هذه التحديات تجاوزناها ولم أكن بمفردى، كان معى جيل من العاملين فى وزارة الثقافة معظمهم من المثقفين والقيادات الثقافية الكبيرة.
ماذا عن دور وزارة الثقافة فى مواجهة محاولات طمس الهوية خاصة فى فترة حكم الإخوان؟
- أعتقد أن وزارة الثقافة كانت من المقومات الأساسية التى فجرت وجددت روح الثورة المصرية فى 30 يونيو، والمثقف المصرى كان الداعم الأساسى.
كيف أثرت تلك الفترة الصعبة على الهوية المصرية؟
- أصعب الفترات لم تبدأ مع الثورة ولكن قبلها، حين خرج علينا الذين ينتمون للجماعات السلفية والإخوان الذين استلبوا مفاصل التعليم والإدارة المصرية فى كثير من المواقع، وهذا سهّل مهمتهم فى أحداث يناير، كى يستلبوا الثورة فى ظروف صعبة جداً، سواء الثقافية أو التعليمية أو الاجتماعية، كلها عامل أساسى فى ظهور الإخوان المسلمين. وأعتقد أن أصعب الفترات لم تكن فى عهدى فقط، بل كانت فى فترات سابقة، لكن نحن رأينا مشاكل كثيرة أنهم يحاولون السيطرة وأداء وظيفتهم من خلال قصور الثقافة ونشر برامج ما يسمى بالدعاة الجدد، ويرغبون فى الوصول إلى الأوبرا لتقديم محاضرات للشيخ محمد حسان، وطلبوا منى ذلك، قلت لهم إن دار الأوبرا للفنون الرفيعة، أمامكم المساجد هى التى يخطب فيها المشايخ وليست دار الأوبرا، وموقفى هذا من الأمور التى أغضبتهم كثيراً.
ما الذى كان يهددك أثناء فترة حكم الإخوان وتحديداً فترة حفاظك على الهوية المصرية؟
- دشّنا لجنة فى المجلس الأعلى للثقافة بعنوان «الحفاظ على الهوية المصرية»، حين رأيت أن الهوية تواجه العديد من المخاطر متمثلة فى الفكر الدينى المتشدد والفكر السلفى والمخاطر التى تواجه النشر فى وزارة الثقافة والتى تواجه المجتمع المصرى كله والإعلام، أعتقد أنهم استطاعوا أن يخترقوا الكثير من منصات الإعلام سواء المرئى أو المرتبط بالميديا والتكنولوجيا الحديثة، وعملنا فى جميع المجالات للحفاظ على الهوية، حتى فى المحافظات وقصور الثقافة، وكانت رسالتنا المحافظة على الهوية، لأننى فى فترة من الفترات كنت أشعر أن قصور الثقافة مهددة من جماعات متطرفة من بنى سويف لسوهاج للإسكندرية، والذين حموا قصور الثقافة هم العاملون بها على مدار الـ24 ساعة.
فى ظل الواقع السياسى والاجتماعى الذى نعيشه.. هل اختلفت الشخصية المصرية؟
- نحن الآن نمر بفترة تحول اقتصادى واجتماعى، إضافة إلى مرورنا بأزمات بلا شك، وهناك قطاع من الناس مضار بسبب ما يتعلق بارتفاع الأسعار، ولكن أنا على ثقة أن هذه فترة ستمر وأن البلد يُبنى الآن فى جميع المجالات، فى الكهرباء والطرق وننتظر رؤية وزير التربية والتعليم فى تطوير التعليم، نحن إلى الآن لم نشهد تطوراً واضحاً ولا رؤى متكاملة للتعليم: «عايزين نعرف إحنا رايحين فين فى التعليم»، وزير التربية والتعليم يخرج علينا كل يوم يقول كلاماً مطمئناً وواعداً بتغير الأمور، ولكن لا أعلم متى سيتحقق ذلك، هذا أخطر تحدٍ يواجه مصر فى الفترة الحالية، نحن نريد تعليماً يواكب العصر ويواكب الزمن، وتعليماً ليس فى المجال التكنولوجى والعلمى والعلوم الطبيعية والتجريبية فقط، وإنما التعليم بالمعنى الثقافى والاجتماعى والإنسانى، بمعنى المدرسة التى توفر المسرح، قاعة للفن التشكيلى ومكاناً للموسيقى ومدرساً تُعيد تدريبه وتأهيله يؤدى وظيفته على أكمل وجه، إذا اختصرنا فقط على مجرد بناء مدارس وإقامة فصول وتعيين مدرسين بصرف النظر عن كفاءتهم وإيمانهم بوظيفتهم، وجدران خالية من الوجدان بكل مفرداته فى الموسيقى والمسرح والسينما والرياضة وغيرها، إذا لم نضع كل هذا فى الحسبان ستكون هناك مشكلة.
فى رأيك.. ما دور وزارة الثقافة حالياً فى حماية الهوية المصرية؟
- وزارة الثقافة كغيرها من مؤسسات الدولة تناضل فى سبيل الحفاظ على الهوية وفى سبيل إقامة مصر جديدة، وتناضل أيضاً من أجل إتاحة الفرصة للشباب فى ممارسة الفن، خاصة المبدعين، فى جميع المجالات سواء الفن التشكيلى أو الأعمال الفنية الأخرى، وتناضل من أجل إعادة الكتاب والروح لمشروع مكتبة الأسرة مرة أخرى، وكل هذه محاولات نرصدها على أرض الواقع، لكن هى جزء من المشاكل التى يواجهها المجتمع المصرى، ومجال التعليم لم يقم بدوره على أكمل وجه حتى الآن. فالتعليم والثقافة وجهان لعملة واحدة، لا يمكن صنع تعليم دون ثقافة والعكس، الاثنان مرتبطان ببعضهما، الثقافة تبدأ من حيث المدرسة التى تؤدى دورها، المُبدع الذى يتطور بعد ذلك وتتشكل موهبته من خلال المجال الذى يختاره سواء شعر أو موسيقى، فهنا تتلقفه وزارة الثقافة، من هنا يأتى المزج الواضح بين التعليم والثقافة.
محمد صابر عرب: «السيسي» يواجه التحديات بالبناء والتطوير.. وعلى مؤسسات الدولة العمل بنفس حماس القيادة السياسية
الدولة متمثلة فى الرئيس السيسى تحاول جاهدة الحفاظ على الهوية المصرية وتاريخها.. كيف ترى ذلك؟
- الدولة لديها مشروع اقتصادى واجتماعى وتعليمى وفى البنية الأساسية وتطوير الدولة، والمؤسسات عليها أن تتلقف كل هذه الطاقة الهائلة التى بعثها الرئيس السيسى كى تمارس دورها بجدية، ويكون كل الناس على نفس المستوى من الطاقة، والخطة الطموحة التى يتولى الرئيس إدارتها.
هل التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعى أثرت على ملامح الهوية المصرية؟
- كان لا بد أن تخدم التكنولوجيا الهوية فيما يتعلق بالتراث المصرى والفنون والتاريخ وعمارة مصر، وفيما يتعلق بتطوير أفكارنا والتعريف بهويتنا، فى أحيان لم يكن ذلك متوافراً، وبالتالى هناك «لخبطة» بسبب الاستخدام السلبى للتكنولوجيا، مع أنها لا بد أن تخدم لأنها وسيلة مهمة جداً للحفاظ على الهوية والتعريف بها وانتشارها فى المجتمع، ولا بد أن تعطى الأسرة المصرية وقتاً كافياً لأولادها لمراجعة المناهج الدراسية معهم وتوجيههم فى استخدام الوسائل الحديثة لصالحهم لأن دور المدرسة تراجع وأصبحت بـ«عافية».
الحفاظ على الهوية يبدأ من المقررات الدراسية والأنشطة الفنية مثل المسرح والكتابة والندوات الثقافية للشباب وعودة الاتحادات الطلابية.. بجانب دور الثقافة والإعلام
ما رؤيتك للحفاظ على الهوية المصرية فى خطوات؟
- كل هذا يبدأ بالتعليم، الدرس الأساسى للحفاظ على الهوية يبدأ من التعليم، من المقررات الدراسية والأنشطة والجامعة أيضاً، لا بد أن نعيد النشاط إلى الجامعة مرة أخرى، الاهتمام بالأنشطة فى المجالات الفنية مثل المسرح والكتابة والندوات الثقافية للشباب وعودة الاتحادات الطلابية، بجانب بعض مؤسسات الدولة الأخرى مثل وزارتى الثقافة والإعلام.
كلمة أخيراً للأجيال الحالية؟
- أدعوهم إلى الاهتمام بالقراءة، وهذا دور وزارة التربية والتعليم التى يجب عليها أيضاً الاهتمام بالبرامج الفنية والثقافية، وأن تهتم الجامعات المصرية، خاصة الحكومية، بالندوات الثقافية؛ لأنها الأكثر عدداً، ويجب أن تهتم بالأنشطة الفنية وبالبرامج التعليمية، ولا بد أن يُعاد للمكتبة الجامعية دورها، نحن بحاجة فى مجال التعليم إلى تفاصيل كثيرة من أجل أن نرقى بالمؤسسات التعليمية سواء فى مرحلة المدرسة أو المرحلة الجامعية.
المجتمع والفن والثقافة
المجتمع المدنى هو من يخلق الفن والثقافة، مثل المؤسسات المعنية بالدراما المسرحية والتليفزيونية والمؤسسات المعنية بالنشر والأفراد والقطاع الخاص والشركات، عليها دور أن تنهض، ومن الأشياء الخطيرة التى أرى أنها سلبية أن الأعمال الفنية أصبحت تشهد حالة من التساهل فى الدراما، والسينما أصبحت تقدم موضوعات خفيفة مفتقدة للعمق والفكرة، وخالية من التفاصيل، ليس هناك بروتوكول فنى للعمل بشكل جيد، والأفكار لم تعد واضحة، نحتاج إلى تطوير فى الدراما، الجيل الأول من المؤسسين وكتّاب الدراما حصل فيه تراجع ولم تعد هناك كوادر تؤدى هذه الوظيفة.