وزارة الثقافة.. وزارة الاقتصاد الإبداعي

فى مقاله المنشور بجريدة الأهرام يوم الخميس الموافق الثانى من أبريل 2015م، قام الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق، بتوجيه «رسالة إلى رئيس الوزراء»، حيث كتب تحت هذا العنوان ما يلى: «هأنذا قد حققت للرئيس ما وعدته، وأرسلت إليه المنظومة الثقافية الجديدة للدولة، كما وعدته ووعدتك، مع إحدى عشرة مذكرة تفاهم بين وزارة الثقافة وغيرها من الوزارات المعنية بالوعى الثقافى للأمة، مصحوبة بإعادة هيكلة كاملة لقطاعات وهيئات وزارة الثقافة كى تدخل العصر الحديث الذى نعيشه..»، ثم يضيف الوزير الأسبق أن «الوزير لا بد أن يكون صاحب رؤية، تتجسّد فى مواقف وقرارات وأفعال»، مؤكداً أن ما يعنيه بالرؤية هو «مجموع التصوّرات والمبادئ الكلية والجزئية التى تتصل بالطبيعة النوعية لعمل الوزارة التى ينهض بها هذا الوزير أو ذاك، وموقعها من غيرها من الوزارات وعلاقاتها بها فى الوقت نفسه. ولذلك يفهم وزير الثقافة مثلاً أنه ووزارته جزء من مجموعة وزارية، تتصل بالوعى الثقافى العام للأمة، فيعمل بوصفه عضواً فاعلاً ومنفعلاً داخل مجموعة وزارية، تعمل بدورها كمجموعة متفاعلة داخل البنية الكلية لمجلس الوزراء. ويقينى أنه لا يمكن لوزير أن ينجح إذا لم تكن لديه رؤية متكاملة تنطوى على تصورات واعدة عن مستقبل وزارته ومستقبل وطنه فى آن. وتكون هذه الرؤية بمثابة منظومة العمل التى يقبل على أساسها أن يكون وزيراً، فى حكومة تقبل بدورها هذه الرؤية. وأضيف إلى ذلك أن هذه الرؤية أو المنظومة هى الأصل فى التعاقد بينه وبين الحكومة. وعلى أساس من هذا التعاقد، يتحدّد جدول زمنى للأعمال والإنجازات التى ينبغى أن تكون معروفة منذ البداية، خصوصاً بوصفها نقطة للبدء والختام، وموضعاً للمسئولية والمحاسبة، حين يكون هناك مجلس رقابى للنواب».

والواقع أن المادة الثامنة والستين بعد المائة من الدستور تنص -فى فقرتها الأولى- على أن «يتولى الوزير وضع سياسة وزارته بالتنسيق مع الجهات المعنية، ومتابعة تنفيذها، والتوجيه والرقابة، وذلك فى إطار السياسة العامة للدولة». ومن ثم يبدو سائغاً التساؤل عن سياسة وزارة الثقافة والفلسفة العامة الحاكمة لها والمحاور الأساسية المشتملة عليها. كذلك كم نتمنى أن يلقى وزير الثقافة الأسبق الدكتور جابر عصفور، الضوء على «المنظومة الثقافية الجديدة للدولة»، التى أشار إليها فى مقاله، مؤكداً أنه أرسلها إلى رئيس الوزراء آنذاك. والمأمول أن يتم نشر السياسة العامة لكل وزارة حتى يتسنى أن تكون أساساً وموضعاً للمساءلة والمحاسبة، وذلك على حد وصف الوزير الأسبق.

وعلى كل حال، وإذا أردنا أن نضع سياسة عامة لوزارة الثقافة، أعتقد من المناسب أن تقوم هذه السياسة العامة على أساس مفهوم «الاقتصاد الإبداعى»، الذى تعود نشأته إلى بداية الألفية الثالثة، وتحديداً فى عام 2001م، حيث يرجع الفضل فى ظهور هذا المصطلح إلى الكاتب البريطانى «جون هوكنز»، الذى قام بالترويج لمفهوم «الاقتصاد الإبداعى» (Creative Economy)، محدّداً له خمسة عشر نشاطاً، تشمل مجالات متنوعة، تبدأ بالفنون، وتمتد لتشمل مجالات العلم والتكنولوجيا. وبعد نحو ثلاث سنوات على ظهوره، ومنذ عام 2004م، بدأت منظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) فى العمل بشكل جدى على صياغة مفهوم عالمى للاقتصاد الإبداعى، من أجل رؤية هادفة إلى تعزيز التنمية من خلال الإبداع. وفى تقريرها الصادر عام 2008م حول تقييم الاقتصاد الإبداعى على مستوى العالم، أشارت «الأونكتاد» إلى أن الاقتصاد الإبداعى هو ذلك النمط من النشاط الاقتصادى الذى يقوم على استغلال الأصول الإبداعية التى يمكن أن تولد النمو الاقتصادى، وتقود إلى التنمية الاقتصادية. كما أوردت «الأونكتاد» تعريفاً للصناعات الإبداعية بأنها تلك السلع والخدمات التى تستخدم الإبداع ورأس المال الفكرى كمدخلات أولية، والتى تشمل أربع مجموعات رئيسية، وهى: التراث، والفنون، ووسائل الإعلام، والإبداعات الوظيفية، وكل مجموعة رئيسية منها تشتمل على عدة مجموعات فرعية. فالمجموعة الرئيسية الأولى، وهى التراث، تضم مجموعتين فرعيتين، هما أشكال التعبير الثقافى التقليدى (الفنون، الحرف اليدوية، المهرجانات، والاحتفالات) والمواقع الثقافية (المواقع الأثرية، المتاحف، المكتبات والمعارض).

أما المجموعة الرئيسية الثانية، فهى الفنون، وتشمل مجموعة الصناعات الإبداعية القائمة على الفن والثقافة. وهذه المجموعة تنقسم بدورها إلى الفنون البصرية (الرسم، النحت، التصوير الفوتوغرافى، والتحف) والفنون المسرحية (الموسيقى، المسرح، الأوبرا، والسيرك). أما المجموعة الرئيسية الثالثة، فتتعلق بوسائل الإعلام، وتخرج بالتالى عن نطاق اهتمام وزارة الثقافة وتتعلق بوزارات أو هيئات أخرى. والمجموعة الرئيسية الرابعة والأخيرة هى الإبداعات الوظيفية، وتضم ثلاث مجموعات فرعية، هى التصميم والرسم والأزياء والمجوهرات ولعب الأطفال ووسائل الإعلام الجديدة (البرمجيات، ألعاب الفيديو، والمحتوى الإبداعى الرقمى) والخدمات الإبداعية (الخدمات المعمارية، الإعلان، الخدمات الثقافية والترفيهية، الأبحاث الإبداعية).