الإفتاء تجدد دفاعها عن البخاري: الطعن في علمه سفه وجهالة وضعف دين

كتب: أحمد البهنساوى

الإفتاء تجدد دفاعها عن البخاري: الطعن في علمه سفه وجهالة وضعف دين

الإفتاء تجدد دفاعها عن البخاري: الطعن في علمه سفه وجهالة وضعف دين

ردت دار الإفتاء المصرية على سؤال يقول « كيف نردُّ على من يُشَكِّكُ في علم الإمام البخاري ويزعم أنه مجرد راوٍ وليس فقيهًا؟»، وأعادت الدار نشر حديث للدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، على الصفحة الرئيسية لموقعها الرسمي، في هذا الخصوص.

«علام»: الإمام البخاري من الفقهاء المعتبرين

وقال الدكتور شوقي علام إن الإمام البخاري رحمه الله تعالى من فقهاء الأمة المعتبرين وأئمتها المجتهدين، وهو من العلماء الذين جمعوا بدقةٍ بالغة بين العلوم المختلفة، وقد شهد بإمامته في علم الفقه الفقهاءُ أنفسُهم، وهذا ما عليه السابقون واللاحقون من علماء المسلمين وأئمتهم من غير نكير، ولا يعْدُو هذا الطعن الأثيم في الإمام البخاري أن يكون جهلًا وسفاهةً وقلة حياء وضعف دين، وعلى المسلمين أن يتكاتفوا للدفاع عن أئمتهم وعلمائهم ضد هؤلاء المفسدين.

وقال مفتي الجمهورية إن الإمام الفقيه اللغويُّ المجتهد أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري [ت256هـ] صاحب «الصحيح»، رحمه الله تعالى ورضي عنه هو زَيْنُ هذه الأمة، وكان إمامًا حافظًا فقيهًا واعيًا، وقد أجمع علماء المسلمين وأئمتهم وفقهاؤهم عبر القرون على إمامته وتقدمه.

إجماع على إمامة البخاري

وأوضح علام أنه كما كان البخاري إمامًا في الحديث، فقد كان إمامًا في الفقه واللغة والتاريخ، وكان موصوفًا بالموسوعية التي لم تتأتَّ لغيره من المحدثين، حتى نُعِتَ بأنه كان آيةً من آيات الله وأمةً وحدَه،

وأكدت دار الإفتاء أنه قد صرَّح علماء المسلمين وأئمتهم عبر القرون بأن الإمام البخاري كان إمام زمانه، وسردت العديد من أقوال الفقهاء وأهل العلم، مشيرة إلى ان اجتماع كل هذه الطبقات على الشهادة له بالإمامة يجعل ذلك أمرًا قطعيًّا لا مرية فيه. ومما يزيد ذلك قطعيةً ورسوخًا ويقينًا: أن بعض هؤلاء الأئمة الشاهدين له بالعلم والإمامة والفهم كانت لهم معه مواقفُ قطيعةٍ وخصومةٍ أدت إلى خروجه من بلده؛ كالحافظ محمد بن يحيى الذُّهْلي، والإمامين الحافظين أبي زرعة وأبي حاتم، ولم يمنعهم ذلك من قول الحق والشهادة له بالتفرد والأهلية.

فإذا انضاف إلى ذلك: أن الأئمة قديمًا وحديثًا نقلوا الإجماع على إمامته، فإن ذلك يقطع كل شبهة ويرد كل تشغيب.

وشدد مفتي الجمهورية أنه بذلك يكون الطعن في الإمام البخاري رحمه الله تعالى خروجًا عن المسلك العلمي وشذوذًا عن المنهج الإسلامي، وذلك من وجوه عدة: ففيه إهدارٌ لشهادة أهل التخصص على اختلاف أزمانهم وبلدانهم وطبقاتهم؛ فقد ثبتت إمامته وأهليته وإتقانه، وإهدار شهادتهم مخالف لِمَا اتفق عليه العقلاء مِن الرجوع في كل علمٍ وفنٍّ إلى قول أهله، وقد قال الله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43].والطاعنون في الإمام البخاري لا هُمْ من أهل التخصص، ولا هم أحالوا في طعنهم هذا على منهج علمي معياري بديلٍ يمكن الرجوع إليه، ولا يخفى أن في الطعن في الناقل طعنًا في المنقول.

أعداء الإسلام يطعنون رواة السنة

وتابع «علام» قائلا: كثف أعداء الإسلام عبر القرون محاولاتهم اليائسة للطعن في نقلَةِ الحديث النبوي ورواة السنة النبوية الشريفة، يريدون التوصل بذلك إلى الطعن في السنة وإسقاط المصدر الثاني للشريعة، وفي الطعن في الإمام البخاري إمامِ أهل الصنعة الحديثية: طعنٌ في المعيار الذي انطلق منه أئمة أهل الحديث واعتمدوه، وبَنَوْا عليه هذه الشهادة في بيان علم الإمام البخاري وإمامته، وعلو شأنه ومكانته، وهذا طعنٌ في المنظومة العلمية الحديثية التي صرح الأئمة بتقدمه فيها؛ فإن الطاعنين في علمه وأهليته لا يعنيهم شخصه وإنما يريدون وصفه، ويقصدون إلى القدح في إمامته وأهليته الحديثية التي صرح الأئمة بتقدمه فيها، وهذا يئول إلى الطعن في المصدر الثاني للشريعة الإسلامية بعد القرآن الكريم وهو السنة النبوية الشريفة، ثم هو خروج عن إجماع المسلمين عبر القرون على تقديم الإمام البخاري وإمامته،.

وواصل المفتي قائلا: وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الأمة لا تجتمع على ضلالة، وحذر القرآن الكريم من مخالفة الإجماع أيَّما تحذير، وجعل في هذه المخالفة مشاقة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، واتباعًا لغير سبيل المؤمنين، وذلك في قوله تعالى: «وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا» [النساء: 115].

المفتي: البخاري من أكابر أئمة المسلمين

وبناءً على ذلك: فالإمام محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله تعالى، إمام مجتهد من أكابر أئمة المسلمين في الفقه، ولا يخفى أن الطعن في علمه وإمامته نوع من الفسق المسقط لعدالة صاحبه وشهادته؛ لأن فيه مخالفة لما عليه إجماع المسلمين في قديم الدهر وحديثه، بل فيه اتهام للأمة كلها بالجهل والضلالة، وتسفيه لعلماء المسلمين عبر القرون حيث اتفقت كلمتهم على إمامته وتفوقه.

ولا يعدو هذا الكلام السيئ والطعن الأثيم في الإمام البخاري أن يكون جهلًا وسفاهةً وقلة حياء وضعف دين، فضلًا عن كونه مخالفًا للمنهج العلمي الذي اتفق عليه عقلاء البشر؛ مِن إرجاع الكلام في كل علم إلى أهله، واعتماد قول أهل التخصص فيه دون غيرهم.

وهذا الكلام الخارج عن سبُل التوفيق وسَنَن الهدى إنما يتوصل به أصحابُه إلى الطعن في المصدر الثاني للإسلام، ألا وهو السنة النبوية المشرفة التي يُعَدُّ الإمام البخاري علمًا من أعلامها ومنارة مِن منارات هداها، وهذا شأن المُضلِّين الساعين لإفساد العقول، الداعين إلى الطعن في تراث الأمة وعلومها ومعارفها، المشككين للناس في دينهم وعقائدهم، حتى يعود شباب الأمة لا يرون سلفهم وعلماءهم من أئمة الهدى إلا شُذَّاذ آفاق مُضِلِّين. فحسبنا الله ونعم الوكيل في كل جاهل سفيه يطعن في أئمة المسلمين وعلومهم ودينهم.

وأكد «علام» أنه على المسلمين أن يتكاتفوا للدفاع عن أئمتهم وعلمائهم ضد هؤلاء المفسدين، وأن يأخذوا على أيدي المغرضين، الذين يتكلمون فيما لا يحسنون، ويهرفون بما لا يعرفون، والله تعالى كفيل بهم، مبطلٌ لكيدهم، وسيذهبون كما ذهب غيرهم، وسيبقى الإمام البخاري رحمه الله تعالى ورضي عنه جبلًا شامخًا ومنار هدًى وعلامة فارقة في تاريخ الأمة وعلومها وتراثها؛ مصداقًا لقول الحق جل شأنه وتبارك اسمه: «فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ» [الرعد: 17].


مواضيع متعلقة