إحنا البطولة 2 .. مصر تستحق
ملحمة كبرى عاشتها مصر على وقع مباراة المنتخب المصري ونظيره الكاميروني في الدور قبل النهائي من أمم أفريقيا 2022.
أطاحت مصر بعد مباراة صعبة بصاحب الأرض والجمهور، وأبعدته عن حلم التتويج، وخطت آخر خطوة لها إلى النهائي.
عمت الفرحة شوارع مصر ووصل صداها إلى الوطن العربي، خصوصا في المغرب وتونس والجزائر.
السوشيال ميديا كانت الميدان الأوسع لقياس تأثير الانتصار المصري في محيطه العربي.
لا يتعلق الأمر فحسب بأننا المنتخب العربي الوحيد الذى واصل مشوار البطولة حتى نهايته.. للقصة جذور أخرى.
مصر، وتحديدا في لحظات الانتصار، تبدو كشمس يغمر نورها الوجود.. هى الأمل ـ في زمن الخيبات ـ يداعب كل عربي بأن يرفع رأسه منتصراً ولو في بطولة كرة قدم.
بنظرة أدق.. هذا الفرح العربي الكبير يعكس حقيقة تاريخية راسخة مفادها أن الامتداد الطبيعي لدور مصر هو الدوائر الثلاث الاستراتيجية «العربية والأفريقية والإسلامية».
جاء الانتصار المدوي على الكاميرون بعد مخاض عسير وتحديات صعبة.. كان أشبه بمواجهة مع ثلاثي الفشل «أمراض نفسية وتحكيم سيئ وعنف بدني مفرط».
العوامل الثلاث تضافرت لتثبيط المنتخب المصري، لكن دون جدوى.. هذا الفريق ـ عندما تتوفر له إدارة حكيمة ومنضبطة ـ لا تُجدي معه المعارك الجانبية.
قبل مباراة مصر والكاميرون، تابع العالم تصريحات صادمة لصمويل إيتو وصف فيها لقاء المنتخبين بأنها «حرب»!
دلالة اللفظ واستخدامه في غير موضعه، أثار استفزاز الملايين.. داخل الملعب وبلغة كرة القدم رد لاعبو مصر على «إيتو» الذي لم يجد مفرا من الإقرار بالهزيمة.
حديث فينسينت أبو بكر قائد منتخب الكاميرون، لم يقل سذاجة عن تصريحات «إيتو».
قال: «محمد صلاح لا يثير إعجابي.. يسجل أهدافا كثيرة لكنه لا ينتج الكثير داخل الملعب».
يحق لـ«فينسينت» التعبير عن رأيه كما شاء، لكن عندما يخالف الحقائق فإنه يضلل نفسه وجمهوره معا.
الضلع الثالث للكوميديا السوداء في مباراة الكاميرون، اكتمل باختيار بكاري جاساما «المختلف على نزاهته» حكما للقاء الحاسم.
أدار «جاساما» المباراة بوجه متجهم وأغمض عينيه عن تجاوزات كثيرة للاعبي الكاميرون.
ظهور الكارت الأحمر للمدير الفني لمنتخب مصر، في هذه المباراة الحساسة، كان كفيلا بتحويل المنافسة الكروية إلى فوضى عارمة لولا ضبط النفس.
وكان المشهد الأكثر فجاجة لـ«جاساما» وهو يحتد على محمد صلاح بغضب قاصدا إرعابه!
ماذا أيضا في جعبتك من أمراض نفسية يا رجُل!
الأخطر هو تعامي الحكم عن العنف البدني المفرط من لاعبي الكاميرون، هنا أدرك لاعبو مصر ببداهة أنه لا جدوى من الاعتراض على قراراته الخاطئة، واتفقوا ضمنيا أن تسير المباراة لنهايتها على أى نحو..
لنرى ما تخبئه الأقدار للجميع.
الـ 120 دقيقة التي خاضها الفريقان، كانت الأصعب في البطولة بأكملها..
كانت مصر الأفضل، لكن الحلم يقترب حد التحقق ويبتعد لدرجة الاستحالة من الفريقين.
مضت الأشواط الأربعة بطيئة وثقيلة داخل الملعب وخارجه، حتى وصلت المباراة لركلات القدر الترجيحية.
قبلها فعل لاعبو مصر ما بوسعهم.. وبات الأمل معلقا بأقدام من سيتصدى للتسديد، وأيدي الحارس المصري محمد أبو جبل..
سجل منتخب مصر لنفسه مبكراً رقما خاصا في البطولة، 3 مباريات متتالية وفاصلة، لعب خلالها 6 أشواط إضافية، دون تأثير على تماسك الفريق وصلابته.
التقييم المنصف لأداء منتخب مصر في ظل هذه الظروف الصعبة لا يسعه إلا احترام أى محطة يصل إليها في البطولة.
الروح المصرية قبل إمكانات اللاعبين هى صاحبة الكلمة.. كان ينتظرها تجل جديد في لحظة حاسمة، عنوانه هذه المرة «محمد أبو جبل».
التصدي البطولي لحارس مرمى مصر، وإبعاده ضربتي جزاء كان بمثابة بطولة مطلقة له.
حيلة ذكية لجأ لها أثارت إعجاب الملايين، عندما سجل الزوايا المفضلة للاعبي الفريق المنافس على زجاجة مياه لتكون حاضرة أمام عينيه وفي ذهنه.
لم تكن الحيلة وحدها سر تألقه.. نظرة على مشواره في البطولة تكشف عن مفارقة مذهلة تتشابه تفاصيلها مع ما حدث عام 2017 لعصام الحضري، مدربه الحالي، وحارس مرمى مصر السابق.
ذهب «أبو جبل» إلى الكاميرون كحارس «احتياطي»، ولم يكن في الحسبان أن تدفعه الأقدار لصدارة الفريق والبطولة ككل، بعد إصابة الحارس محمد الشناوي.
«الحضري» في بطولة الجابون 2017 شارك كحارس رابع «احتياطي» أيضا، وهو ابن الـ 44 عاما.. لم يمتعض أو يغضب وكانت له جملة آسرة وقتها: «لو هشيل الكرة لزملائي، نفسي أكون في المنتخب».
وفي مباراة مصر وبوركينا فاسو بدور الثمانية، تفوق «الحضري»، وتصدى لركلات الجزاء ببراعة، ووصلت مصر بفضل تألقه إلى النهائي في مواجهة الكاميرون.
ورغم أن البطولة كانت من نصيب الكاميرون إلا أن منتخب مصر عاد من الجابون مرفوع الرأس، وحصد «الحضري» نفسه لقب «أفضل حارس مرمى في البطولة».
هذه الملاحم التي يفرضها القدر، وتجلى الروح المصرية في مواجهتها، أحد أسرار شخصية مصر.
ومن المؤكد أن منتخب مصر بعد النسخة الـ 33 من أمم أفريقيا الحالية، وبعد مباراة الكاميرون المؤهلة للنهائي تحديدا، في موضع جدير باحترام الجميع.
باختصار وبالتعبير البلدي المصري «إحنا البطولة».. وأى فريق سيقّدّر له مواجهة مصر في «أمم أفريقيا» تحديداً، عليه أن يتعامل مع هذه المواجهة على أنها بطولة بالنسبة له.
هذه رسالة قوية وصلت إلى الجميع، قبيل الساعات الفاصلة من نهائي أمم أفريقيا 2022 بين مصر والسنغال.. ويا له من لقاء.