دينا عبدالفتاح تكتب: .. «المركزي» ينهى حصار «التضخم العالمي» لمصر!

دينا عبدالفتاح تكتب: .. «المركزي» ينهى حصار «التضخم العالمي» لمصر!
امتداداً لما تناولته العدد السابق من ملحق «الوطن الاقتصادى» من المتغيرات العالمية الكبرى التى يشهدها اقتصاد العالم حالياً، التى يتصدرها تفاقم التضخم فى مختلف الدول، سواء الاقتصاديات المتقدمة أو الاقتصاديات الناشئة.
نسلط الضوء اليوم حول وضع التضخم فى مصر، ونتائج عمل السياسة النقدية على مدار الفترة الماضية، التى أظهرت نجاحاً كبيراً فى التصدى لموجة التضخم العالمية، على الرغم من عدم اللجوء لرفع أسعار الفائدة حتى الآن، وظل معدل التضخم فى مصر عند مستويات منخفضة مقارنة بالمستويات العالمية الكارثية التى تعانى منها مختلف الدول حول العالم.
الاستخدام الكفء لأدوات السياسة النقدية يقيد نمو المعروض النقدي والتضخم العام يتراجع 1.5% في الربع الأخير من 2021 بالرغم من ارتفاعه في مختلف دول العالم
حيث سجل معدل التضخم العام فى مصر 6.5% فى نهاية ديسمبر 2021، مقابل 8% فى نهاية سبتمبر من العام نفسه، وهو ما يشير إلى تراجع التضخم فى مصر بـ1.5% خلال الربع الأخير من 2021، وهى تلك الفترة التى شهدت تفاقم معدلات التضخم حول العالم، فعلى سبيل المثال قفز معدل التضخم فى الولايات المتحدة ليسجل 7% فى نهاية 2021، وهو أعلى معدل للتضخم فى الولايات المتحدة على مدار 39 عاماً، وعلى نفس السياق معدلات التضخم بأسعار المنتجين فى منطقة اليورو أو الاتحاد الأوروبى التى ارتفعت لتسجل 22%، وغيرها من الدول فى جنوب شرق آسيا وأوروبا الشرقية.
نجاح «المركزي» في معركة التضخم يحمي المستوى المعيشي للأسر المصرية.. ويعظِّم أثر برنامج زيادة الأجور الذي وجهت به القيادة السياسية
ونجاح البنك المركزى المصرى، بقيادة المحافظ طارق عامر، يعد امتداداً لما أنجزه «المركزى» من قبل فى مواجهة التضخم، حيث نجح «المركزى» فى إبقاء السوق المصرية بعيدة عن أزمات الأسعار العالمية على مدار فترات طويلة مضت، كما ساهمت جهود «المركزى» ولجنة السياسة النقدية، التابعة له، فى المحافظة على القوة الشرائية للجنيه المصرى، والسيطرة على موجات ارتفاع الأسعار التى تبعت قرارات الإصلاح الاقتصادى اعتباراً من نهاية 2016، التى تصدَّرها تحرير أسعار الصرف، فرض ضريبة القيمة المضافة، ترشيد الدعم، تحريك أسعار الوقود والكهرباء والمياه، وغيرها من القرارات التى ساهمت فى تحقيق الضبط الهيكلى للموازنة العامة للدولة، وبنى عليها الاقتصاد مكاسبه فى المرحلة التالية، بينما قام «المركزى» بدوره باحترافية ونجح فى تقييد تطور ونمو التضخم، والسيطرة على ارتفاعات الأسعار.
وتمكن البنك المركزى، خلال الشهور الماضية، من استخدام أدوات السياسة النقدية الأخرى، بخلاف أسعار الفائدة، وحقق الهدف المرجو منها فى تقييد نمو المعروض النقدى، الذى يعتبر هو المتحكم الأول فى حجم الطلب الكلى، وبالتبعية فى معدلات التضخم، حيث سجل المعروض النقدى أبطأ معدل نمو له على أساس شهرى فى نوفمبر الماضى عند 1.17%، مقابل 1.25% فى أكتوبر السابق عليه، و1.6% فى سبتمبر، و1.75% فى أغسطس، وقبلها 2.4% فى يوليو 2021.
ويوضح تسلسل الأرقام السابق نجاح السياسة النقدية فى تقييد نمو المعروض النقدى، وتوجيهه للنمو التنازلى اعتباراً من مطلع العام المالى الحالى 2021/2022 وهو التوقيت الذى انطلقت فيه معدلات التضخم للصعود عالمياً، وبدأت المؤسسات الدولية تدق جرس إنذار اقتراب خطر موجات تضخم قد تستمر لسنوات وليس لشهور فقط، وهو ما يشير إلى القراءة الجيدة لصناع السياسة النقدية فى مصر للمشهد العالمى، ومبادرتهم للمواجهة، دون انتظار وقوع الخطر. وهذا بالفعل هو ما جنى الاقتصاد المصرى أرباحه فى المرحلة الحالية، سواء على صعيد استقرار الأسعار، وحماية القوة الشرائية للجنيه، وتحقيق استقرار الدخل الحقيقى لمحدودى الدخل، حتى لا يتدهور نتيجة لصعود الأسعار بمعدلات تفوق نمو دخلهم النقدى.
ويعبِّر الدخل الحقيقى اقتصادياً عن الدخل النقدى منسوباً إلى المستوى العام للأسعار، وبالتالى فى الفترات التى تتسم بزيادات كبيرة فى الأسعار يتراجع الدخل الحقيقى للمواطن، بينما فى حالة استقرار الأسعار يستقر الدخل الحقيقى له وتتحسن قوته الشرائية، ومستواه المعيشى.
وامتصاص السياسة النقدية لموجة ارتفاع الأسعار العالمية، ونجاحها فى المواجهة مع التضخم، يدعم بشكل كبير تطور وتحسن المستوى المعيشى للمواطنين خلال الفترة المقبلة، خاصة مع توقع تحسن الدخول النقدية لمختلف الفئات، فى إطار توجه القيادة السياسية لتحسين دخول المواطنين، ودعمهم، وظهر ذلك بوضوح فى القرارات التى وجَّه بها الرئيس عبدالفتاح السيسى وبدأت الحكومة فى تنفيذها، والتى يتصدرها تحريك الحد الأدنى للأجور ليصل إلى 2700 جنيه مع مطلع يوليو 2022، فضلاً عن إقرار علاوات لموظفى الدولة والقطاع العام المخاطبين وغير المخاطبين بقانون الخدمة المدنية، بما تصل تكلفته إلى 45 مليار جنيه فى العام المالى المقبل 2022/ 2023.
وبهذه الزيادة المنتظرة للحد الأدنى للأجور تكون الحكومة قد طبقت زيادة بنحو 125% فى الحد الأدنى للأجور خلال فترة حكم الرئيس عبدالفتاح السيسى، بعد أن تحرك الحد الأدنى للأجور من 1200 جنيه فى مقتبل حكمه ليصل حالياً إلى 2700 جنيه، من خلال تطبيق 4 زيادات بين عامى 2014 و2022، وهو ما يشير إلى اصطفاف القيادة السياسية إلى جانب المواطن، ونجاح السياسة النقدية فى تعظيم أثر هذه الزيادات على المستوى المعيشى للأسر المصرية، وتحديداً محدودى الدخل، دون أن تلتهم ارتفاعات الأسعار الزيادات فى أجور العاملين.
وبالعودة لخط المواجهة المتكررة بين التضخم والبنك المركزى المصرى الذى اعتاد «المركزى» أن ينتصر فيه دائماً، يستهدف البنك معدل تضخم 7% بزيادة أو نقصان 2% حتى الربع الأخير من 2022، وتقع المعدلات الحالية للتضخم تحت السيطرة الكاملة من البنك المركزى وفى نطاق أقل كثيراً من مستهدفه.
ومن هنا خرجت توقعات المحللين وبنوك الاستثمار لترجح إقبال البنك المركزى المصرى على تثبيت أسعار الفائدة فى اجتماع لجنة السياسة النقدية المقبل المقرر 3 فبراير 2022، وهو أول اجتماع ضمن 8 اجتماعات ستعقدها لجنة السياسة النقدية للبنك المركزى فى 2022. وكانت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزى قد ثبتت أسعار الفائدة فى آخر 9 اجتماعات لها لتصل إلى مستوى 8.25% للإيداع و9.25% للإقراض.
وتحافظ معدلات الفائدة الحالية على التوازن بين قدرة الاقتصاد على مواجهة التضخم، وتوفير مستويات عائد تنافسية جاذبة لقروض الاستثمار، بهدف دعم التنمية الاقتصادية، وتحقيق استدامتها، من خلال الاستثمار المباشر.
ويتفق هذا التوجه بشكل تام مع أهداف الدولة فى المرحلة الحالية، التى تستهدف خلالها الإصلاح الهيكلى، ويعنى إصلاح هيكل النمو الاقتصادى، لتزيد فيه مساهمة الاستثمار وصافى الصادرات على حساب الاستهلاك العائلى والحكومى، حيث تحقق هذه المعادلة أفضل معدل ممكن لاستدامة التنمية لأطول فترة، وضمان توفير مستوى معيشى ملائم للأجيال الحالية والقادمة.
كما تستهدف الحكومة فى خطتها للإصلاح الهيكلى زيادة النصيب النسبى للصناعة والتكنولوجيا والزراعة فى الناتج المحلى الإجمالى، ويعمل القطاع المصرفى فى إطار هذه الاستراتيجية على توفير قروض وتمويلات بعوائد منخفضة للغاية للمشروعات الصناعية والزراعية، فضلاً عن إطلاقه العديد من المبادرات لدعم المشروعات التكنولوجية والريادية، مثل مبادرة رواد النيل التى حققت نجاحاً ملحوظاً على مدار السنوات الماضية، وساهمت فى خروج قصص نجاح متعددة لأفكار مصرية وتنفيذها على أرض الواقع.
وينبغى الإشارة إلى أن التضخم العالمى مستمر حتى منتصف 2022، فى أكثر التقديرات تفاؤلاً، وبالتالى علينا أن نتوقع ونتقبل أى زيادات قد تعلن عنها الجهات الرسمية لمعدلات التضخم فى مصر، وأنا أثق أنه بعد نجاح السياسة النقدية فى استخدام أدواتها، كما هو واضح حالياً، أنه لو طرأت أى زيادات فى التضخم ستكون فى حدود بسيطة، ولن تلحق ضرراً ملحوظاً بالمستوى المعيشى للمواطنين، وحينها قد يلجأ صناع السياسة النقدية إلى رفع أسعار الفائدة لمواجهة هذه الارتفاعات، ولكن علينا أن ننتظر ونترقب ونرى.