بريد الوطن .. الرَّجل والبَغل (قصة قصيرة)

كتب: الوطن

بريد الوطن .. الرَّجل والبَغل (قصة قصيرة)

بريد الوطن .. الرَّجل والبَغل (قصة قصيرة)

سَألتُ عمّى وهو يَرمقُ أذرعَ الشّمس الذّهبية تُلمَلم نفسها؛ كى تختبئ خَلفَ سِتار المساء المنسَدل: «ألا يتعبَ عبدالشّافى، أو يَتمرّد بغله عن الخدمةِ؟!»، ألقى بحزمةِ البرسيم الطَّرية، مرّر يدهُ فوقَ ظهر خروفه الصّغير، وبصوتٍ أبوى جعلَ يُهدهده كصبى يرضيه، طَفحَ الحَنان فى نبرتهِ، قائلاً: «إنّها لقمة العيش يا صغيرى، جميعنا يدورُ فى هذه الرحى»، «عبدالشافى» صديق عمّى وخله، لا تُعرف لهُ عائلة، لكنّه يعتبر جميع الفلاحين أهله وذويه، ما زالت كلمات «صابر أبوحرارة» تتَهادى فى مسامعى، يوم قالها فى مأتمِ «مدكور» فراش مسجد «الست خديجة»، تراقصت على وجههِ ابتسامة ماكرة: «عبدالشافى هربت به أمه من ثأرٍ، جاءت بهِ تحمله لحمة حمراء فوق كتفها»، أمثال «عبدالشافى» ملح الأرض وزاده، لا يعرف من أمرِ دُنياه غيرَ بغلهِ والكرته، وباب الجمعية الزراعية، لا يُرى عادةً إلّا فى ذهولٍ عميق، تلتمعُ فى عَينيهِ ذكريات مجهولة، ونظرة قلقة تمسح الأفقِ من أمامهِ، لا ينتزعه منها إلّا نداءات أصحاب الحَاجات، مُنذ زَمنٍ وهو يعمل فى نقلِ الأسمدة، وتحميل المحاصيل إلى «الشّونة» حَباهُ ربّه فوقَ احتمالهِ وصبره، صَلابة فى بدنهِ، تستفز عافيته المفرِطة أبناء العائلات المترفين، وشبابها العاطلين، كثيراً ما تَدبّ المناوشات والسّبب معلوم، الغيرة من الغريب المتعافى، مُبكِراً آثرَ السّلامة، تتردّد توسلات أمه، تثير ألمه وتُهيّجُ شجنه، فلا يجد من مَنزعٍ، إلّا كظمَ غيظه والتّحلى بالصّبرِ: «أمثالنا من الفقراء، خلقوا للكدِّ، والسّعى خَلفَ رغيفِ العيش».

                                                                         محمد فيض خالد

يتشرف باب «نبض الشارع» باستقبال مشاركاتكم المتميزة للنشر، دون أي محاذير رقابية أو سياسية، آملين أن يجد فيه كل صاحب رأي أو موهبة متنفساً له تحمل صوته للملايين.. "الوطن" تتلقى مقالاتكم ومشاركاتكم على عنوان البريد التالي bareed.elwatan@elwatannews.com


مواضيع متعلقة