استيراد الدواجن.. مزيد من تكسير العظام
لا يخفى على مستهلك أو تاجر أو مسئول حكومى فى مصر، حجم خسائر قطاع تربية دواجن التسمين وإنتاج البيض، والصناعات المغذية لها، منذ أكثر من عامين، وهى خسائر لم تمنع وزير التموين من الإعلان عن مناقصة لاستيراد 5 آلاف طن مجزآت دواجن من الخارج.
الكمية على ضآلتها، لم تطرف عين صناعة الدواجن فى مصر، كونها لا تمثل سوى إنتاج 36 ساعة فقط من دوران ماكيناتها العملاقة، التى يسهر تحت عجلاتها وبين تروسها نحو 3 ملايين عامل، هم سبب مباشر فى إعالة ضعف عددهم من الأسر الفقيرة الريفية المهمشة، ومثلهم من الأسر التى تخدم الصناعة من الخارج.
ومع ضآلة الكمية التى تمخضت عنها مناقصة وزير التموين، يظل أهل هذه الصناعة تحت مقصلة الخسائر بفعل آليات سوق غامضة، ومعادلات مرتبكة غير منطقية، وحواجز قانونية يتم التطاول عليها من الجهة الحكومية التى يجب أن تكون داعماً وطنياً للمنتِج المحلى، فى ظل عدم وجود مبررات أو دواعٍ مجتمعية طارئة للاستيراد. شهر رمضان لم يطرق أبواب السوق بعد، وليست مصر فى مجاعة تستدعى استنفار همم المستوردين، لكن على العكس، لا يزال إنتاجنا من الدواجن الحية يومياً يزيد على حاجاتنا الاستهلاكية، بدليل أن سعر البيع المعلن على صفحة اتحاد منتجى الدواجن 25.5 جنيه للكيلو الحى، فيما يتم تنفيذ البيع فى العنابر للتجار بسعر 24 جنيهاً للكيلو، وهو سعر يقل عن التكلفة الفعلية بنحو 6 جنيهات للكيلو.
ولتصوير حجم الكارثة، نذكر أن المضارين من لكمات وزارة التموين يمثلون 70٪ من حجم الصناعة، وهم المنتجون الذين يعملون فى تربية كميات من 3 آلاف إلى 20 ألف طائر فقط، وتكسيرهم وإخراجهم من السوق يُفقِد مصر نحو 2.5 مليون دجاجة طازجة كل طلعة شمس، لا يمكن أن يغطيها كبار المنتجين (30٪).
وللتنويه: يجب ألا يخفى على المسئولين فى اتحاد منتجى الدواجن أن إعلان هذه المناقصة لا يعنى أكثر من اختبار للجهاز العصبى لكتيبة المربين، أى لعبة «جس النبض»، لصالح ماكينة الاستيراد «النائمة نوم الثعالب فى الذرة»، وهى على ضآلتها تخصم من الرصيد الوطنى: 5 ملايين كيلوجرام دواجن (نحو 6.5 مليون كيلو حى)، تُنفِق نحو 200 مليون جنيه مصرى، منها: سعر الكتكوت (4 جنيهات للكيلو)، (2.5 جنيه تدفئة)، (14.8 جنيه علف)، (1.5 جنيه عمالة)، (1.5 جنيه إيجار عنبر وكهرباء)، (2.7 جنيه تكلفة النافق)، و(3 جنيهات لقاحات وأدوية بيطرية).
قد يتصوّر مسئول حكومى أو أهلى أن كمية المجزآت هذه ليست مؤثرة فى السوق، لكن القضية ليست فى طرفة عين الصناعة الوطنية بمكحل (وزارة الأمن الغذائى)، لكن الكارثة فى تجاوز قرارات اللجنة 222 المشكلة بتوجيهات رئاسية، ووظيفتها فحص ما يُعرَض عليها من طلبات استيراد دواجن، وبحسابات اقتصادية وسياسية ومجتمعية، لا يُعقَل أن تكون المناقصة الأخيرة قد عُرِضَت عليها، لأنها «لجنة وطنية 100٪».
نهاية: استيراد الدواجن (مجزآت بلا جمارك)، تناهض جهود الدولة وعلى رأسها رئيس الجمهورية، الذى يعزف على عدة أوتار متناغمة لتقوية أواصر الأمن الغذائى المصرى، وهذا لا يحدث إلا بتدعيم ظهور المنتجين، وليس بكسرها.