«الوطن» تواصل نشر مذكرات الدكتور سعد الدين إبراهيم

كتب: السيد الحرانى

«الوطن» تواصل نشر مذكرات الدكتور سعد الدين إبراهيم

«الوطن» تواصل نشر مذكرات الدكتور سعد الدين إبراهيم

فى الحلقة السابقة، تحدث الدكتور سعد الدين إبراهيم عن اجتماعه مع الإخوان بالنادى السويسرى بعد خروجه من السجن، كاشفاً أنه تلقى اتصالاً من عصام العريان لتفعيل اتفاقه مع خيرت الشاطر بشأن إجراء حوارات بينهم وبين السفراء الأجانب. وأضاف أنه أبلغ سفراء الغرب بأنه من الخطأ فى السياسة الأمريكية النظر إلى الإسلاميين بنظرة شمولية غير دقيقة، وطالبهم بأن يضعوا تحفظاتهم تجاه الإسلاميين على مائدة الحوار، وكان الشاهد الوحيد على حوارات الإخوان مع الغرب هو الراحل جمال البنا، الذى رفض الإخوان بشدة حضوره ووافق الأجانب، وجرت اللقاءات فى النادى السويسرى بإمبابة، وكشفت حقيقة الخطاب المزدوج للإخوان، فهم يهاجمون الغرب علناً، لكنهم يتوددون إليه سراً.[FirstQuote] عرفت «جيمى كارتر» بعد أن ترك منصبه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية وكان قد رأى تعليقاً لى حول اغتيال الرئيس أنور السادات وكان فحوى تعليقى أن متطرفين إسلاميين هم فعلاً الذين أطلقوا النار على أنور السادات، ولكن الأمريكيين هم الذين وضعوه فى مرمى النيران، لقد كان ما قلته تشبيهاً بلاغياً قصدت به أن عدم وفاء الولايات المتحدة بواجباتها كراعٍ للسلام فى الضغط على إسرائيل من أجل استكمال تسوية كاملة شاملة هو الذى وضع الرئيس فى موقف حرج أمام شعبه المصرى وأمته العربية، ومع ذلك أخذ جيمى كارتر ما قلته ضمن مقابلة أطول وكأننى أوجه له اللوم شخصياً على مقتل الرئيس السادات، فقال لى معاتباً فى حضور زوجته روزالين: «إن الكلمات التى قلتها نزلت علىّ كالسكين، وأنت لا تدرك كم أحببت أنور السادات وكم أعجبت بشجاعته وكيف كنت أعتبره أخاً عزيزاً»، وشرحت بدورى أن ما قلته «كان تشبيهاً مجازياً يخص السياسة الخارجية الأمريكية عموماً وأن خليفته فى البيت الأبيض رونالد ريجان هو الذى يتحمل المسئولية الأكبر حيث إنه لم يفعل شيئاً على الإطلاق فى ملف الصراع العربى الإسرائيلى طيلة فترة رئاسته»، وابتسم كارتر مبدياً تفهمه للشرح والتبرير ومنذ ذلك الحين أصبحت أنا ضيفاً موسمياً على جيمى كارتر وأسرته فى مدينة أطلانطا بولاية جورجيا، فقد أنشأ فيها مركزاً يحمل اسمه ويقوم بالدراسات والبرامج التنموية التى تخدم قضايا الحرية والعدالة والسلام فى العالم، ورغم أن عدداً من رؤساء أمريكا السابقين لا يزالون على قيد الحياة، مثل «جيرالد فورد، ورونالد ريجان، وجورج بوش الأب، وبيل كلينتون، وجورج بوش الابن» إلا أن أياً منهم لم يترك نفس الأثر الذى أحدثه ولا يزال يحدثه جيمى كارتر على الساحتين الأمريكية والدولية كرئيس سابق، والآن كمواطن عادى بل ويجمع المراقبون على أنه الآن كمواطن خارج السلطة أقوى عشرات المرات مما كان وهو رئيس للولايات المتحدة من عام 1976 إلى عام 1980، ففى سنوات رئاسته الأربع كان لكارتر إنجاز ضخم واحد فى السياسة الخارجية تبعه بإخفاق فادح فى السياسة الخارجية أيضاً وكان الإنجاز هو «كامب ديفيد» واتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية التى صمدت رغم كل الانتقادات لها عربياً وإسرائيلياً، بل إن كل الأطراف العربية التى كانت قد رفضتها وقاطعت مصر الساداتية بسببها، لهثت بعدها لتوقيع مثلها، وفى مقدمتها سوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية، وعندما زرت مركز كارتر وجدت وثائق كامب ديفيد وصورها تملأ القاعة الرئيسية للمتحف الذى يضمه مركز كارتر فى مدينة أطلانطا، أما الإخفاق الأفدح فقد كان «أزمة الرهائن الأمريكيين فى العاصمة الإيرانية طهران» فى أعقاب الثورة الإسلامية التى قادها آية الله الخومينى فى عام 1979 حين أمر كارتر قوات المارينز الممولة جواً أن تحرر هؤلاء الرهائن من مبنى السفارة الأمريكية فى طهران، وفشلت العملية فشلاً ذريعاً جعل الأمريكيين يشعرون بالمهانة التى كانوا قد شعروا بها فى «خليج الخنازير على شواطئ كوبا فى عام 1961 فى ظل رئاسة جون كيندى، أو عند انسحاب قواتهم من سايجون فى الأيام الأخيرة لحرب تحرير فيتنام فى 1976» وقد أذهبت سيئات أزمة الرهائن كل حسنات كامب دافيد لدى الناخبين الأمريكيين، فخذلوا كارتر فى انتخابات الرئاسة التالية لصالح منافسه ريجان وطبعاً لا يجد الزائرون لمتحف كارتر نفس تفاصيل الإخفاق مثلما تفاصيل النجاح، ومن مفارقات القدر أن كلاً من إنجاز وإخفاق كارتر ارتبطا بالشرق الأوسط وليس بأى منطقة أخرى من العالم ولا حتى بالسلطة الداخلية فى أمريكا نفسها وربما يفسر ذلك استمرار تلك المنطقة فى بؤرة اهتمام كارتر إلى اليوم ومن ذلك أنه ألّف كتابين عن القضية الفلسطينية وكان قد أحدث آخرهما ضجة واسعة النطاق، وهو بعنوان: «فلسطين سلام وليس فصل عنصرى»، حيث هاجم بشدة سياسات إسرائيل وممارساتها متهماً إياها بممارسة الفصل العنصرى ببنائها للحائط العازل على أراضى فلسطينية فى الضفة الغربية وقد استأثرت المسألة الفلسطينية بالقدر الأعظم من اهتمامات جيمى كارتر والمؤسسة التى تحمل اسمه وقد قاد بنفسه فريق المراقبين الدوليين الذين تابعوا كل انتخابات فلسطينية منذ 1996 وقد زامله فى ذلك مركز ابن خلدون إيماناً منه ومنا بأن أى سلطة فلسطينية منتخبة ديمقراطياً هى الأقدر سياسياً وأخلاقياً على استخلاص الحقوق المشروعة لشعبها، حيث إن شرعيتها هى التى تبطل الحجج الإسرائيلية فى المماطلة بدعوى أنها الكيان الديمقراطى الوحيد فى محيط عربى من الاستبداد وأنها بهذه الصفة لا تجد شريكاً فلسطينياً يمكن التفاوض معه وتوقيع اتفاق يمكن الوثوق فى احترامه ويؤمن كارتر بأن الفلسطينيين بمستوياتهم العالية من التعليم والوعى السياسى والتصميم على حقوقهم هم أكثر الشعوب العربية جدارة بنظام حكم ديمقراطى يكون نداً حقيقياً لإسرائيل، ولكن اهتمام كارتر بالمسألة الفلسطينية لم يغفله عن بقية الشأن الإنسانى العالمى، وحين التقيت جيمى كارتر فى فترة من الفترات، وأخبرنى عن أحوال مصر وعن دقة التقارير الإعلامية عن تعرض بعض أفراد أسرة الرئيس السادات للاضطهاد والتنكيل فأخبرته بما أعرفه فى قضيتى النائبين طلعت عصمت السادات وأنور عصمت السادات وكنت بدورى أنقل عن أنور عصمت السادات نفسه الذى شارك معنا فى مؤتمر «الديمقراطية والإصلاح» بالدوحة مايو 2007 وظل على اتصاله الهاتفى معى حتى وأنا خارج البلاد وتساءل الرجل: «أليست هناك أوجه شبه بين الحالتين وقضية أيمن نور؟» التى كانت مثارة حينذاك، فأجبته أن كثيرين يعتقدون ذلك، فثلاثتهم فى نفس المرحلة العمرية مثل جمال مبارك، نجل الرئيس، مع فارق أنهم أكثر تمرساً بالعمل السياسى الشعبى فى الشارع وطلب الرجل أن أطلب من الأخوين طلعت وأنور أن يكتبا إليه مباشرة حتى يعرف من أصحاب الشأن وقد نقلت ذلك هاتفياً فى حينه إلى طلعت رحمة الله، وأنور أمد الله فى عمره، كما سأل الرجل إن كان مسموحاً لهما بالسفر حتى يدعوهما إلى أطلانطا فى الملتقى السنوى للمدافعين عن حقوق الإنسان، فأجبته: «إن الله وحده، وحسنى مبارك أعلم بذلك» وضحكنا لتلك المداعبة.[SecondImage] ثم جاءت بعد ذلك دعوة لى من «التشيك»، وكان الداعى هو زعيم الثورة الروائى التشيكى المعروف، ولقد كانت الثورة فى «تشيكوسلوفاكيا» إحدى الدعائم لانهيار الاتحاد السوفيتى وكان ذلك الزعيم رجلاً ديمقراطياً جداً، فعندما وجد البعض يرغبون بالانفصال، أجرى الاستفتاء وحدث انقسام تشيكوسلوفاكيا إلى دولتين «التشيك، وسلوفاكيا» وكان حالة نادرة جداً، حيث وجود أديب يقود ثورة ويتولى الحكم ولا يرغب فى التجديد له ويخرج من الرئاسة فكان رجلاً ديمقراطياً حقيقياً، ولذلك فبعد عشر سنوات من ثورته، أقام مؤتمر براغ وكان عن «الأمن والديمقراطية» واحتفالاً بثورات ربيع براغ «التى أخذت منها بعد ذلك جملة ثورات الربيع العربى» فأقام مؤتمراً فى الذكرى السنوية للثورة، وكان المؤتمر يضم حوالى مائة من المنشقين السياسيين السابقين من شرق ووسط وجنوب أوروبا مثل التشيكى «فكلاف هافل»، والإسبانى «هوزيه أزنار»، والسوفييتى السابق «ناثان شرانسكى»، أو المنشقين السياسيين اللاحقين من الصين وأمريكا اللاتينية والعالم العربى، وفى اليوم الثانى من المؤتمر ونحن نتناول وجبة الإفطار، فوجئنا بزعيم الثورة يقول هناك تغيير طفيف فى جدول المؤتمر، لأن هناك زائراً لم نستطع أن نرفض مشاركته معنا، وقدم لنا جورج بوش، الرئيس الأمريكى والذى كان يعتبر تشيكوسلوفاكيا ضمن نجاحاته، وعلمت أنه فى الأساس كان ذاهباً ليشارك فى مؤتمر قمة الثمانى فى برلين وعندما علم بأمر المؤتمر قرر التوقف لبعض الوقت ليشارك به ويخاطب المنشقين، وخاطبنا جورج بوش من على المنصة وبدأ حديثه بما أثار الحضور فى القاعة وجعلهم جميعاً ينفجرون ضحكاً عندما قال بوش: «زملائى المنشقين»، وكان على سبيل الدعابة حيث صاح واصفاً نفسه بالمنشق، وأيضاً فى جزء منه على سبيل الدعابة، وفى جزء منه على سبيل التواصل مع المشاركين بمعنى أننى معكم فى نفس القارب وفى جزء منه لتفسير أو تبرير ما أصاب سياسته المعلنة قبل ثلاث سنوات فى دعم الديمقراطية من تعثر فى الشرق الأوسط، بسبب تورطه فى العراق من ناحية وخوفه أن تؤدى الديمقراطية إلى وصول إسلاميين متشددين إلى السلطة مثلما حدث مع حماس فى فلسطين، وضحك هو أيضاً من الجملة التى صنفته منشقاً قائلاً «تتعجبون من جملتى فأنا منشق مثلكم، فرغم أننى الآن رئيس أمريكا إلا أن كل الناس فى أمريكا ضدى»، حيث كانت قد بدأت حملة كبرى ضده فى أمريكا وبدأ الجميع يصفه بالغباء وتنشر صحف المعارضة الأمريكية رسوماً كاريكاتيرية تتهمه بذلك، وكانت أيضاً بعض المؤسسات فى أمريكا تخالفه ولا تدعم سياساته وفى مقدمتها وزارة الخارجية، التى يفضل العاملون فيها الاستقرار حتى مع أنظمة مستبدة مثل نظام مبارك آنذاك، عن الديمقراطية التى تنطوى على تغيير قد يكون غير محمود العواقب. وضمن المستشارين المرافقين لبوش سيدة كانت تعمل بالسفارة الأمريكية بالقاهرة، وكانت مهتمة بقضيتى وعلى علاقة بزوجتى وابنتى وكانت مع سفيرة سويدية تداومان على حضور كل جلسات المحاكمة. وهنا أخبرت الرئيس الأمريكى بوجودى ضمن الحضور، وبناء على ذلك قالت لى إن الرئيس الأمريكى يود مقابلتك على انفراد بعد قليل، وهنا قلت لها «أنتى تعرفين أن زوجتى تكرهه كراهية التحريم، وأنا رغم تحررى وليبراليتى ما زلت أحتفظ بعادات شرقية ومصرية متأصلة وهى أننى أخاف من زوجتى»، فضحكت بشدة واستكملت حديثى قائلاً «سأتصل بها وإن استطعت أنت إقناعها والحصول على موافقتها فليس لدى مانع، وبالفعل اتصلت بزوجتى بربارا وأقنعتها وأعطتنى الهاتف لكى أتأكد وقالت لى زوجتى على مضض: وافقت ولكن لا تلتقط صوراً معه فقلت لها حاضر».[SecondQuote] والتقيت الرئيس بوش، وأهم ما دار فى ذلك اللقاء، حيث كان قد بدأ بالحديث عن وضع الرئيس السابق مبارك فى مصر خاصة أن العمر تقدم به، وكان رأى بوش أن مبارك غير قادر على إحداث تغييرات جوهرية ظاهرة ومؤثرة، ثم وجه لى سؤالاً وهو: هل تعتقد أنه قادر على التغيير؟ فقلت له إن مبارك أجرى بعض التعديلات فى الدستور المصرى، فرد بدهشة: هل هذا حقيقى؟ فقلت له: نعم. فى تلك الأثناء وجدت الرئيس بوش ينظر إلى شخص يقف بعيداً عنا بمسافة ويصيح عليه قائلاً «ستيف»، فأتى الرجل فقال لى بوش «أرجو أن تردد عليه ما حدثتنى به» فقلت وكان الرجل يدون بعض النقاط وبعد أن انتهيت، قال بوش للرجل «هل كنت تعلم ذلك؟»، فقال له: لا، فقال له: تأكد من هذا الحديث، وذهب ستيف إلى مكانه، وعاد بوش ليسألنى: ما قوة الإخوان المسلمين فى مصر؟ فقلت له إن لهم أنصاراً ولكن نسبتهم لا تتجاوز 20% من أى جماعة وتنظيم آخر، ومبارك يستخدمهم كفزاعة للغرب حتى يتوقفوا عن الضغط عليه لتطبيق الديمقراطية، ونفس ما حدث بالمرة الأولى تكرر باستدعاء ستيف وطلب منى التكرار، ودون ستيف، وهنا أيقنت أن بوش لم يكن يحمل ذاكرة قوية، وبدا لى أن صفات الغباء التى كان يوصف بها بعضها صحيح. وبعد ذلك سألنى بوش: ماذا توصى به خلال الفترة المقبلة؟ فحاولت أن أذكر الرئيس بوش بأن هناك قراراً كان قد وافق عليه مجلس النواب الأمريكى آنذاك بتعليق مائتى مليون دولار إلى أن ينفذ مبارك ونظامه وعوده التى حنث بها والتى كانت أنه «سيلتزم بدعم الديمقراطية وسيعمل على استقلال القضاء واحترام الشرطة لحقوق الإنسان والإصلاح السياسى عموماً»، وكان فى مقابل ذلك وعدت كونداليزا رايس مبارك بمنح مصر مساعدات عسكرية مقدارها 13 مليار دولار على مدار عشر سنوات أى بنفس معدل 1٫3 مليار دولار سنوياً، وطبقاً للنظام السياسى الأمريكى فإن من حق الإدارة أن تبادر ولكن الكونجرس بمجلسى النواب والشيوخ لا بد أن يعتمد أو يعترض، فهو فى النهاية الذى يتحكم فى تخصيص الاعتمادات اللازمة لتنفيذ أى سياسة أو قرار يبادر به الرئيس الأمريكى أو أى من وزرائه، وذكرته أيضاً بأنه بناء على ذلك فإن استمرار القهر والاستبداد فى مصر مع أنه مسئولية نظام مبارك فى المقام الأول، إلا أن أمريكا الرسمية تصبح شريكاً صامتاً فيه إذا استمرت فى دعمه، وكنت قد علمت أن نظام مبارك لا يعبأ بالجزء المدنى من المساعدات حتى لو تضور الشعب المصرى جوعاً ولكنه يعمل ألف حساب لاحتياجات القوات المسلحة، وبناء على كل ما سبق قلت له إن المساعدات الأمريكية «المعونة» تكون مشروطة بنزاهة أى انتخابات مقبلة، وتطالبون بمراقبة أول انتخابات مقبلة، وأن تطبيق الديمقراطية والتغييرات السياسية يجب أن تكون حقيقية، وكنت مقتنعاً تماماً بأن هذا النوع من الضغوط هو لتنفيذ الصالح العام السياسى للمصريين، وكرر بوش ما حدث من قبل باستدعاء استيف، وكررت الحديث ودون استيف، وأشاد بوش بآرائى وبمواقفى الداعمة للديمقراطية والدفاع عن حقوق الأقليات.[ThirdImage] الحقيقة أن الرئيس بوش كان رجلاً مرحاً جداً، والتقطت لنا بعض الصور على عكس وصية زوجتى لى، وجمعتنى به بعد ذلك علاقة طيبة وبعد خروجه من الرئاسة وانتهاء مدته كون مؤسسة شبيهة لمؤسسة كارتر، وهكذا جرت العادة لمعظم رؤساء أمريكا وحملت اسم «مؤسسة بوش للديمقراطية ودعم الحريات» ودعانى فى افتتاحها واحتفى بى وكأننا أصدقاء قدامى.[ThirdQuote] ما جرى بينى وبين بوش أثار النظام المصرى وعلى رأسه مبارك ضدى تماماً وتسبب فى عدولى عن عزمى العودة إلى مصر بعد سنوات من غربتى فى المنفى، وقد بدأت تبعات اللقاء بداية من اليوم الثانى حيث طلب السفير الأمريكى فى القاهرة وكان اسمه «فرانسيس ريتشاردونى»، الذى اشتهر بحبه الشديد لمصر ومداومته على حضور مولد السيد البدوى، مقابلة عاجلة لزوجتى بعد أن تحدث إليها هاتفياً فرحبت به، ووصفت لى زوجتى حينما قابلتها بعد ذلك أنه جاءها فى حالة لم تشهدها من قبل فكان مضطرباً بشدة، واستقبلته وهى مندهشة من حالته، فقال لها إنه تم استدعاؤه للرئاسة المصرية صباح اليوم، ولم يتلق فى حياته شتائم وسباباً كالتى تلقاها من الرئيس مبارك، ووصف لها المقابلة على أنها أصعب مقابلة مرت عليه فى تاريخه الدبلوماسى، وكان سبب ذلك أن مبارك مصرّ على أن السفير الأمريكى هو من رتبت مقابلتى مع جورج بوش فى براغ، وحاول السفير أن يوضح لمبارك حقيقة الأمر وأنه لم يكن يعلم بوجودى فى براغ من الأساس، ولكن مبارك لم يقتنع بحديثه وكان يقول له «هل تتصورون أننى غبى؟ أنا لست غبياً، وأعلم جيداً الأجندة التى تحاولون تطبيقها فى مصر». كان على أولوية أجندة بوش الرئاسية تغيير الأنظمة العربية المتهالكة، ولذلك كانت العلاقة بين بوش ومبارك دائماً مضطربة، وأيضاً فى تلك الفترة كنت قد زرت قطر وشاركت فى تأسيس «المؤسسة العربية للديمقراطية» فأشار مبارك للسفير بهذا الأمر أيضاً، وكأن عناصر المؤامرة قد اكتملت وكان مبارك يؤمن بنظرية المؤامرة، وانتهى لقاء السفير بزوجتى بعد أن طلب منها أن تحذرنى من العودة إلى مصر «التى سبق وأشرت أنها خطوة كنت مقبلاً عليها»، بالفعل تحدثت إلى زوجتى هاتفياً وطلبت منى عدم الحضور وحاولت أن أعرف ما حدث ولماذا تطلب منى ذلك، فقالت لى إنها ستخبرنى عندما نلتقى فى لندن، حيث كان ابننا يعمل ويقيم هناك، وبالفعل قالت لى كل هذه الرواية عندما تقابلنا فيما بعد. وعندما أعلنت فى مؤتمر صحفى استعدادى لترشيح نفسى لرئاسة مصر كان هدفى الأول هو كسر جدار خوف بين المصريين من الحديث العلنى حول مسألة الرئاسة وتداول السلطة، خاصة أن مسألة التوريث كانت ملحة وتفرض نفسها على الساحة المصرية فى ظل وجوه كانت جاثمة مثل كمال الشاذلى وصفوت الشريف وتنكيل بصحفيين مثل عبدالحليم قنديل، وبهذه الخلفية وضدها خاطرت بإعلان استعدادى للترشيح للرئاسة رغم يقينى أن ذلك الأمر بالتأكيد سيعرضنى لغضب نظام الرئيس مبارك وحزبه ووسائل إعلامية حكومية وأمنية، هذا فضلاً عن تجديد حملات الاتهام بالعمالة أو التخوين والتكفير، ومع ذلك كانت الرسالة التى انطوى عليها إعلان الترشح ليست فقط كسر جدار الخوف ولكن الإصرار أيضاً على أن بمصر ألف بديل وبديل لحسنى مبارك ونجله، وأن من حق الشعب المصرى شأن كل الشعوب الأخرى فى القرن الحادى والعشرين أن يكون لديه أكثر من بديل لكى يختار هو بإرادته الحرة، وكنت أدرك منذ البداية أن هذا الاستعداد للترشح فعل رمزى فى المقام الأول، حيث أن الدستور القائم لا يسمح لا بالترشح ولا بالانتخاب الحر المباشر، ولذلك كان الهدف الثانى هو الإسهام بالمواجهة فى معركة تغيير الدستور، وبالفعل تحقق حينها بعض ما قصدته من إعلان الترشح فبالنسبة لكسر جدار الخوف وإبراز البدائل اتصلت بى الطبيبة الكاتبة والناشطة النسائية المعروفة د. نوال السعداوى لتتأكد من صحة ما قرأته عن نية ترشحى، ولما أكدت لها صحة ما نشر والدوافع من ورائه سارعت بدورها بإعلان نيتها للترشح ثم سرعان ما لحق بنا المهندس ورجل الأعمال والنائب السابق محمد فريد حسنين، الذى كان عضو مجلس أمناء مركز ابن خلدون، ثم قرأت حينها أن مواطنين آخرين أحدهما مستشار قضاء متقاعد والآخر مهندس من الإسكندرية، أعلنا الترشح لرئاسة الجمهورية، وهكذا فى غضون شهرين أصبح هناك خمسة مرشحين وعقدت أنا ونوال سعداوى وفريد حسنين اجتماعات لتنسيق حملاتنا الرمزية طالبنا فيها بتعديل الدستور وإلغاء قوانين الطوارئ حتى تتحول حملاتنا الرمزية إلى ترشح فعلى وأعلنا أننا نتحدى حسنى مبارك أن ينضم إلينا وإلى قوى المعارضة لتغيير الدستور، كما طالبناه حينها أن يفتح وسائل الإعلام المملوكة للدولة أمامنا وأن يساجلنا إذا كان فعلاً ينوى ترشيح نفسه لفترة خامسة.