برنامج الحق المبين يفكك التطرف

ماهر فرغلى

ماهر فرغلى

كاتب صحفي

لم يتفق الخبراء على أبعاد أساسية لتحوّل الأسوياء إلى أعضاء متطرفين، فكثيرون منهم يحيلون الظاهرة إلى التنشئة الاجتماعية والعوامل الذاتية، والأخرى المحفّزة، أو الإفراط فى التدين.. إلخ، إلا أنه فى النهاية تقع أفكار محدّدة فى قلب الظاهرة، وهى قديمة حديثة فى الوقت ذاته، منذ ظهور الخوارج حتى حسن البنا وسيد قطب وشروحاتهما لتلك المسائل، التى انشطرت لتولد فصائل متعدّدة فى عالمنا الإسلامى.

هنا تبلغ أهمية برنامج الحق المبين الذى يقدّمه الكاتب والإعلامى أحمد الدرينى، ويتحدث فيه بشكل رئيسى، مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية الدكتور أسامة الأزهرى، وهى نابعة من كونه من البرامج القليلة التى تشتبك فكرياً مع المتطرفين، وتكذّب ادعاءاتهم وفساد استدلالهم من نصوص الشريعة، حيث يشتبك فقهياً وعلمياً مع الاستنادات الفكرية والشُبهات الفقهية التى تروّجها تيارات الإسلام السياسى، وتشرعن من خلالها القتل والإرهاب.

فكرة البرنامج خرجت من رحم كتاب «الحق المبين»، الذى ألّفه الدكتور أسامة الأزهرى، قبل نحو 6 سنوات، ويُجرى خلاله اشتباكاً فقهياً مع الأفكار المتطرّفة للإسلام السياسى، مثل الـ«حاكمية» والـ«تكفير» وغيرهما من الأفكار التى ظلت هذه التيارات والتنظيمات من الإخوان إلى «داعش» الإرهابى، يمارسونها على مدار عقود، دون أن تلقى رادعاً فقهياً وعلمياً ودينياً. يعرض البرنامج بعض الأسئلة التى يُردّدها المتطرفون، والتى يتجمّع أغلبها فى مسائل فكرية وفقهية تتعلق بأحكام الشريعة وتطبيقها، إلى مفهوم الحاكمية وتكفير الحكام والخروج عليهم، والهجرة من الدول التى يحكم عليها الإرهابيون بالكفر إلى دار الإسلام، الذين يريدون تحقيقها بالقوة المسلحة، ثم استخدام القوة للوصول إلى الهدف المنشود من إقامة الدولة الدينية وفق مقاس المتطرفين، ثم يجيب عنها الدكتور أسامة الأزهرى بهدوء وروية.

الأهم فى هذا البرنامج أنه أثبت أن جماعة الإخوان يتأصل فى فكر مؤسسها حسن البنا التكفير، وهو ما جعل قنوات الجماعة الإعلامية تنشغل بذلك، وتحاول أن ترد وتبرّئ مؤسس الجماعة، لكنها فشلت فشلاً كبيراً.

إن هذا البرنامج يأتى فى سياقين، الأول وقائى: يستهدف العناصر الشبابية والفئات العمرية الدنيا (أقل من عشرين عاماً)، وذلك للحيلولة دون تأثرهم بالأفكار المتشدّدة والوقوع فى براثن التنظيمات الإرهابية وانخراطهم بصفوفها وتورّطهم فى ارتكاب أعمال عدائية وإرهابية، من خلال الرد على المسائل الخلافية (الجهاد، التكفير، التفجيرات العشوائية، الصدام مع أجهزة الأمن، ضرب السياحة)، والسياق الثانى علاجى معنى بعمليات علاج العناصر، التى وقعت فى براثن بعض الخلايا، وتحصين المجتمع بالكامل من التطرّف.

أشير هنا إلى أن الحوارات وتجربة مصر فى علاج التطرّف فكرياً وفقهياً كانت تنقصها مراجعة قضايا مهمة مثل الحاكمية، والعذر بالجهل والتترس وقتال الطائفة الممتنعة، وحتمية المواجهة وغيرها من القضايا التى طرحتها جماعات الإسلام السياسى. إن المرجع الحقيقى للإرهاب هو أيديولوجية دينية، وأغلب أعمالها تستند فى مقوماتها إلى أيديولوجية دينية.. ولا بد فى مواجهة جماعات التطرّف العنيف من الاهتمام بالبُعد الأيديولوجى كأولوية، وإغلاق الطريق أمام الأسباب التى تغذى هذه التيارات.

إن تجربة مصر فى مكافحة التطرف تتسم بالتنوُّع والغنى فى وسائلها المتنوعة، إلا أن الفكر ومواجهته كان يأخذ موقعاً متأخراً، وهو ما يصمها أحياناً بالقصور رغم تحقيقها نتائج إيجابية متعدّدة ومتنوعة، لذا فإن برنامج «الحق المبين» خطوة مهمة فى هذا السبيل.