نص خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف اليوم: لغة القرآن والحفاظ على الهوية

كتب: إسراء سليمان

نص خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف اليوم: لغة القرآن والحفاظ على الهوية

نص خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف اليوم: لغة القرآن والحفاظ على الهوية

تحتشد منابر وزارة الأوقاف اليوم، للحديث عن لغة القرآن والحفاظ على الهوية، ونصت خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف اليوم، كما وردت على الموقع الرسمي للوزارة على التالي:

خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف اليوم

وجاء نص خطبة الجمعة اليوم:

الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه الكريم: {كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون}، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد فإن اللغة هي الوعاء الحامل للمعاني والثقافات، وهي أحد أهم عوامل تشكيل الهوية، والتأثير في بناء الشخصية، فمن يتكلم لغتين يجمع ثقافتين، ومن يتحدث ثلاث لغات يجمع ثلاث ثقافات، ويقرأ نتاج عقول كثيرة، غير أن لغة الإنسان الأم تظل أحد أهم العوامل في تشكيل ثقافته، فالذي لا يدرك أسرار لغته لا يمكن أن يدرك كنه ثقافة قوم ولا أن يسبر أغوارها.

وللغة العربية خصوصية بالغة، فهي لغة القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة، وكانت المعجزة الكبرى لنبينا (صلى الله عليه وسلم) هي القرآن الكريم ببيانه وأسراره اللغوية والبيانية، حيث يقول الحق سبحانه: {إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون)، ويقول سبحانه: {وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا}، ويقول (عز وجل): {قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون}، ويقول تعالى: {وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيها}، ويقول سبحانه: {بلسان عربي مبين}، ويقول سبحانه: {لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون).

اللسان العربي واعمال العقل

وقد ربط القرآن الكريم بين اللسان العربي وإعمال العقل، فقال تعالى: (إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون)، فتفاعل المسلمون مع القرآن، فأعملوا عقولهم، وأنتجوا حضارة لا تنكر، كما ربط الله بين اللغة العربية والدعوة إلى العلم، فقال تعالى: {کتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون}، حاثا بذلك على طلب العلم داعيا إلى تحقيق التقوى، حيث يقول سبحانه: {ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون * قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون}.

وحسب نص خطبة الجمعة، فإنه لا ينكر أحد أنه لا يمكن أن نفهم ديننا فهما صحيحا، ولا أن نستقي أحكامه من کتاب ربنا (عز وجل) وسنة نبينا (صلى الله عليه وسلم ) إلا بفهم لغتنا العربية فهما دقيقا، فاللغة هي مفتاح التفقه في الدين، حيث يقول سیدنا عبدالله بن عباس (رضي الله عنهما): كنت لا أدري ما معنى {فاطر السماوات والأرض حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقـال أحدهما: أنـا فطرتها، أي: أنـا ابتدأتها، بل إن الأصوليين والفقهاء وغيرهم عدوا التمكن في اللغة العربية وأدواتها أحد أهم شروط الاجتهاد، ولله در حافظ إبراهيم حين يتحدث بلسان لغتنا العربية قائلا:

(وسعت كتاب الله لفظا وغاية * وما ضقت عـن آيٍ بـه وعظات

فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة * وتنسيق أسـماء لمخترعات

أنا البحر في أحشائه الدر كامن * فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي)

كما لا ينكر أحد أن عدم المعرفة باللغة العربية ودلالتها، وعدم التعمق في فهم النص ومعرفة ما يتعلق به، والاقتصار في العمل على الأخذ بظاهره دون معرفة دقائقه وأسراره يوقع في خطأ جسيم، وقد يصل الحال بصاحبه إلى الفهم الخاطئ الذي يؤدي إلى استباحة الدماء؛ ولذلك فإن فهم الكتاب والسنة فرض واجب، وهو لا يتم إلا بتعلم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا بـه فهـو واجب، وكان سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يقول: تعلموا العربية فإنها من دينكم، ومر (رضي الله عنه).

ومر على قوم يتعلمون الرمي فيخطئون، فلامهم على ذلك، فقالوا: «إنا قـوم متعلمين» بنصب ما حقه الرفع، فقال (رضي الله عنه): لخطؤكم في لسانكم أشد عليّ من خطئكم في رميكم، ويقول عبد الملك بن مروان (رحمه الله): أصلحوا ألسنتكم، فإن المرء تنوبه النائبة فيستعير الثـوب والدابة، ولا يمكنه أن يستعير اللسان، وجمال الرجل فصاحته".

أنه لا شك أن لغة القرآن تجمع تراث الأمة وتحفظه، وتستوعب مقومات الفكر والثقافة على مر التاريخ، وتضمن لفكر الأمة البقاء والخلود؛ وأن وجود الأمم مرتبط بوجود لغتها؛ فالأمم التي انقرضت لغتها زالت من الوجود وتماهت في ثقافة غيرها من الأمم، لذلك فإن الاهتمام باللغة يعد مؤشرا من مؤشرات الاهتمام بالهوية والمحافظة عليها، فاللغة هي المعبرة عن وحدة الصف، ووحدة الهدف، ووحـدة الفكر، كما أن اللغة هي الوعاء الثقافي الأهم لأي أمة أو ثقافة.

فما أحوجنا إلى اليقظة والمقاومة لكل محاولات تذويب الهوية، والعمل الجاد على تقوية مناعتنا الحضارية في مواجهة موجات التجريـف العاتيـة، مـن خـلال الاحتفاء بلغة القرآن والعناية بها، فهي مفتاح هويتنا، والاعتزاز بها اعتزاز بالهوية، وخدمتها خدمة للدين وللوطن.


مواضيع متعلقة