110 أعوام على ميلاد نجيب محفوظ أديب نوبل عابر للأزمنة

110 أعوام على ميلاد نجيب محفوظ أديب نوبل عابر للأزمنة
«أى واحد منا تستقبله الدنيا كملك من الملوك، ثم يصير بعد ذلك ما يشاء له نحسه، وهذا خداع حكيم من الحياة، وإلا فلو أنها أفصحت لنا عما فى ضميرها منذ اللحظة الأولى لأبينا أن نفارق الأرحام». كلمات للأديب الكبير نجيب محفوظ من رواية «زقاق المدق»، حيث استقبلته القاهرة العريقة قبل 110 أعوام من اليوم، استقبلته كملك وبقى أميراً للرواية العربية حتى بعد رحيله. إذ أعطى «محفوظ» للكتابة من نفسه، لا يبتغى من وراء ذلك سوى وجه الكتابة لينتخبه القراء رمزاً مصرياً شعبياً أصيلاً ينحاز له القارئ. ما يدفع دور النشر وصُناع الدراما إلى التسابق لإبرام التعاقدات مع أسرته لإعادة تقديم أعماله عبر وسائل ووسائط متنوعة تلبية لرغبة الجمهور المحب لإبداع صاحب نوبل.
بدأ نجيب محفوظ، المولود فى 1911، الكتابة فى ثلاثينات القرن الماضى، وأصدر عشرات الأعمال الروائية بجانب القصة والسيناريو والمسرحية، من أشهرها «الثلاثية» و«الكرنك» و«قشتمر» و«الحرافيش» و«السراب» و«الشحاذ» و«أولاد حارتنا». وترجمت أعماله إلى لغات أجنبية من بينها الإنجليزية والفرنسية، كما تحولت نصوصه إلى السينما والدراما، والمسرح. واستطاعت أعماله أن تكون علامة بارزة نال عليها أرفع الجوائز والأوسمة، داخل مصر وخارجها، من بينها جائزة الدولة التقديرية فى 1968، قلادة النيل، وجائزة كفافيس، وتُوجت مسيرته بالتكريم الأعلى بحصوله على جائزة نوبل فى الآداب فى 1988.
«القمحاوى»: لم يُقرأ بشكل كافٍ قبل موته لكنه موجود بين الأجيال الجديدة.. و«حمودة»: أعماله متواصلة مع جيل الشباب
مع مرور 110 أعوام على ميلاد «نجيب محفوظ»، وعشرات السنوات على صدور أغلب أعماله، تتسابق دور النشر للحصول على حقوقها لتقديمها للقراء ورقياً وإلكترونياً وصوتياً، ولأن النشر صناعة واقتصاد، فلن تقدم أى دار نشر على دفع عدة ملايين من الجنيهات لتخسر، كما أن هذا التسابق استمر حتى بعد إعلان مؤسسة «هنداوى» إتاحتها مجاناً، وهو ما يعكس قراءة منظمة ستتوسع فى المستقبل.
وأكد الكاتب عزت القمحاوى أن «كتابة محفوظ ستعيش طويلاً، لأن الأدب يمكن أن يُقرأ فى وقت صدوره بسبب موضوعه، أو أن الكتاب جديد، لكنه لا يعبر ولا يقاوم الزمن إلا بالمخفى داخله، وبأن يكون للرواية باطن، ورواياته حتى المنظور إليها على أنها بسيطة ليست بسيطة، إنما لديها عمق فلسفى لا يتوفر للكثير من الكُتاب»، موضحاً أن «النظر إلى الكتابة باعتبارها عملاً مستقلاً ليس نظرة سليمة، لأن القراءة والكتابة عمل واحد يكمل بعضه، فالكتاب لا يوجد إلا إذا قُرئ، لأنه لو لم يحظَ بقارئ فهو لم يوجد، من هنا فالمسألة شراكة، والكتابة التى لها باطن ككتابة محفوظ تترك مساحة للقارئ الشريك فى العمل». وأشار «القمحاوى»، فى تصريحات لـ«الوطن»، إلى أنه «ليس الأمر فى أن فلسفته وجودية تحديداً، أو غير ذلك، أو أن لديه تساؤلات، لكن محفوظ جرّب فى كتاباته اختبار الكثير من التيارات الفلسفية، وهو فى هذا الأمر لا يشبه من الكلاسيكيين السابقين عليه إلا دوستوفيسكى، وهناك مقولة شائعة أن نجيب محفوظ هو (بلزاك) العرب، اعتماداً على السطح الواقعى، لكن الواقعية وكون نجيب واصفاً جيداً للحياة الاجتماعية ليسا سوى سطح، إنما العمق هو اختبار الأفكار الفلسفية».
وأوضح أن البعض يرى أن عدداً من الروايات عادية، لكنها غير ذلك، فمثلاً رواية «حضرة المحترم» تتحدث عن موظف يتسلق ويعيش طوال حياته وينتظر الوصول إلى درجة المدير العام التى يسميها «كرسى العرش»، لكنه ليس مجرد متسلق عادى، بل سلّح وبنى نفسه، وهنا نجيب محفوظ يختبر الثقافة «الإنسانوية»، وهى التى جاءت كرد على الكنيسة فى الغرب، بتحقيق ألوهية الإنسان على الأرض. وهو يقول ذلك بوضوح فى حوارات داخل الرواية، كما يختبر «البراجماتية» التى هى فى أبسط معانيها «الغاية تبرر الوسيلة»، منوهاً بأنه «يختلف بطل هذه الرواية عن منافق القاهرة الجديدة محجوب عبدالدايم».
ولفت إلى أن «نجيب محفوظ لم يُقرأ بشكل كافٍ قبل موته، لكنه مقروء فى أوساط الأجيال الجديدة، لأنه فى حياته عانى من غيرة الآخرين، ومن اتهامات سياسية، وحتى من الاتهام بعدم الجدارة بنوبل، لكنه يثبت بالقراءة المكثفة أن نوبل نجيب محفوظ هى من السنوات الدقيقة والموفقة جداً فى اختيارها»، منوهاً بأن تسابُق دور النشر والاحتفاء به يؤكدان لنا أن الجهد الذى يبذله دائماً لا بد أن يكون داخل النص - كما فعل - وليس بحثاً عن أى شىء سواء شهرة أو وجود، وأنه تحول إلى رمز مصرى بتوافق شعبى، لا وراءه سلطة نقد ولا سلطة سياسية، والإقبال على قراءته يؤكد تحوله إلى رمز محبوب من جموع القراء المصريين، لأنه لا جوائز ولا إعلام يمكنها السيطرة على توجه القارئ، فالقراءة عمل حر تماماً.
ويرى الدكتور حسين حمودة، الناقد الأدبى، أن «أعمال نجيب محفوظ كبيرة القيمة، ومتعددة الإمكانات للقراءات المتنوعة والتفسيرات والتأويلات، وقد كُتب الكثير جداً عن أعماله، سواء فى اللغة العربية أو غيرها من اللغات، وهناك مقاربات نقدية اجتماعية ونفسية وأسلوبية وتاريخية، لكن هذه القراءات النقدية على كثرتها لا يمكن أن تغلق الأبواب أمام قراءات أخرى جديدة لأعماله، ومن هنا كل يوم تقريباً نجد قراءات نقدية أخرى لهذه الأعمال».
وأكد «حمودة» أن تعدد طبقات المعنى سمة مهمة فى أعمال «محفوظ» تسمح بأن تتحقق قراءة العمل الواحد على مستويات متعددة، لأنها تخوض مغامرات على سبيل استكشاف أشكال أدبية جديدة، تسمح بأن يتأملها النقاد من زوايا مختلفة وأن ينظروا إليها وأن يعيدوا النظر، منوهاً بأهمية أن يكون هناك اهتمام بتدريس أعماله فى مراحل التعليم، فمثلاً يتم تدريس روايته «اللص والكلاب» خلال المرحلة الثانوية، ويجب أن يكون هناك نوع من تعميم التجربة فى البلدان العربية، وأن تكون هناك جهود من قبَل المسئولين عن التعليم بمراحله المختلفة لتقديم قراءات بسيطة وغير سطحية للأعمال التى يتم اختيارها للتدريس.
وأشار إلى أن الأعمال قادرة على التواصل مع جيل الشباب، خصوصاً النصوص التى تتناسب مع إيقاع هذا العصر، موضحاً أن الروايات القصيرة بشكل عام ومنها «اللص والكلاب»، و«الطريق»، ثم المجموعات القصصية وبعض النصوص القصيرة جداً والمكثفة فى نصه «أصداء السيرة الذاتية» مناسبة للتدريس للطلاب، مؤكداً أنه يجب أن تدرس الأعمال كما هى احتفاءً به، وتوصيل أعماله بدرجة أكبر للقراء من خلال بعض الندوات عنه، والمؤتمرات التى تدور حول أعماله، وأن يكون هناك قدر واضح من الاهتمام بتطوير متحف نجيب محفوظ بحيث يتحول إلى مركز علمى يهتم بأعماله وبالدراسات عنه، وأن تقام أنشطة متعددة، وأن يكون قبلة للمهتمين بعالم نجيب محفوظ.
13 أكتوبر 1988
إعلان فوزه بجائزة نوبل للأدب، ليصبح أول أديب عربى يفوز بالجائزة فى الأدب، حيث حصد الجائزة عن مجمل أعماله الأدبية، وكتب محفوظ منذ الثلاثينات، واستمر حتى 2004، من أشهر أعماله «الثلاثية»، ويُعد أكثر أديب عربى نُقلت أعماله إلى السينما والتليفزيون.
14 أكتوبر 1994
تعرض قبل وفاته بـ12 عاماً، لمحاولة اغتيال شهيرة، ونجا «محفوظ» الذى كان يستقل سيارة صديقه الطبيب البيطرى محمد فتحى أمام منزله أثناء طعنه عدة طعنات فى رقبته أصابت إحداها شرياناً رئيسياً، إذ توجه به فتحى إلى مستشفى الشرطة بالعجوزة على الفور، وأمضى محفوظ عدة أسابيع بالمستشفى متجاوزاً مرحلة الخطر، غير أنه لم يتمكن من الكتابة بيده اليمنى أو السير لمدة ساعة يومياً كما اعتاد قبل الحادث.