في مهرجان البحر الأحمر السينمائي.. النساء قادمات

علا الشافعى

علا الشافعى

كاتب صحفي

لم أنس يومًا اللقاء الأول الذي جمعني بها منذ أكثر من عشرين عامًا، حيث كانت في البدايات تتحسس خطاها مع الأفلام الروائية القصيرة، ثم التسجيلية، ذهبت إليها لإجراء حوار صحفي معها بوصفها أول امرأة سعودية شابة تمتهن الإخراج السينمائي، كان ظهورها في هذا التوقيت مدهشًا ومثيرًا للتساؤلات، خصوصًا أنَّ هناك انطباعات وصور ذهنية راسخة تتعلق بالمملكة العربية السعودية عمومًا، والمرأة على وجه الخصوص.

في مقر إقامتها بأحد فنادق القاهرة كضيفة للمهرجان التقيتها، تلك الشابة السعودية الواعدة «هيفاء المنصور» جلسنا وتحدثنا كثيرًا وألقيت عليها العديد من التساؤلات وكانت هي تجيب ببساطة، وطوال وقت الحوار كانت تتحدث بشغف وتحدي وترى أن الأمل قادم وأن كل شيء قابل للتغير، لا يوجد ثبات، وأقاطعها: ولكن الواقع صعب، وهي ترد: «نعم أعرف وأدرك ذلك، وأراهن على الجيل الجديد وأن هناك حراك سيحدث في المملكة، ولن أفقد الأمل».

وتوالت لقاءاتنا في مهرجانات عربية متنوعة منها القاهرة والإسماعلية، ودبي وأبوظبي، تعمل هيفاء المنصور ولا تتوقف، وفي الحقيقة أنَّ بداياتها شهدت الكثير من الدعم من قبل النقاد العرب الكبار والمخضرمين وقتها خصوصًا بعد عرض فيلمها «نساء بلا ظلال» في مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة، ثم انطلقت بعدها في رحلتها السينمائية والدرامية، نعم غيرت مكان إقامتها، ولكنها أصبحت اسمًا مهمًا وفاعلًا في تاريخ السينما السعودية، وباتت أول امرأة تدخل هذا المجال بشغف، وهذا ليس غريب فهي ابنة شاعر، ودارسة للآداب في الجامعة الأمريكية في القاهرة، إضافة إلى دراستها السينمائية. 

اليوم وأنا أزور المملكة العربية السعودية لأول مرة للمشاركة في تغطية الدورة الأولى لمهرجان البحر الأحمر السينمائي، أدركت أنَّ «هيفاء» كان لديها كل الحق، وأن رهانها كان صحيحا، منذ اللحظة الأولى لدخول مطار جدة تفاجأت أنَّ كل العاملين في الجوازات من النساء مختلفات الأعمار، وأدهشني حضور المرأة في الكثير من الفعاليات والأنشطة سواء تلك المتعلقة بالمهرجان أو غيرها، يقفن جنبًا إلى جنب بجوار الرجال، ويملكن تلك النظرة التي امتلكتها هيفاء المنصور يومًا، وهي الرغبة في التغيير والشغف في إثبات النفس، كما يعرفنّ أنَّ القادم لهنّ أجمل وأنهنّ لن يتراجعنّ يومًا عن أي مكتسبات أخذوها.

وهذا طبيعي فالعجلة لن تدور للخلف مرة ثانية، وأعتقد أنَّ وقوف المخرجة السيدة السعودية الأولى على خشبة المسرح في حفل افتتاح الدورة الأولى من مهرجان البحر الأحمر السينمائي واستلامها تكريمًا من رئيس المهرجان المنتج السعودي محمد التركي، برهانًا كافيًا للكثير من فتيات ونساء المملكة اللائي يرغبنّ في اقتحام الكثير من مجالات العمل وإثبات أنفسهنّ، عليهن أنَّ يرتاح بالهنّ فالمستقبل لهنّ.

انطلاقًا من هذا الأمر، أصبحت أدرك تمامًا أنَّ وجود نشاط سينمائي أو ثقافي في جدة أو المملكة هو شيء جدير بالرعاية والاهتمام، مهما كانت التحفظات على بعض التفاصيل التنظيمية، في الأيام الأولى من دورة المهرجان ولكن تلك الخطوة أو انطلاقة البداية هي الأساس لما هو قادم، خصوصًا أنَّ ما يحدث في شوارع جدة التاريخية هو مؤشر على رغبة كبيرة في الانفتاح والتغيير هذا الشارع الممتد الذي يضم كثير من أنشطة المهرجان من شاشات عرض، وبيوت تراثية تُقام فيها بعض اللقاءات الصحفية لصناع الأفلام، ويتحول ليلًا إلى كرنفال احتفالي بكل الفنون والتراث السعودي من غناء وعزف على الآلات الشرقية، ورسم، وبيع للأكلات والمشروبات السعودية وهو الأمر الجاذب ليس فقط لضيوف المهرجان الذين يتوقفون في طريقهم إلى شاشات العرض لرؤية بعضا من تلك العروض، ولكن أيضًا للكثير من العائلات السعودية التي يزدحم بها الشارع ليلًا، وهو ما يعكس ولعهم بتلك الحالة.

مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الأولى هو خطوة في مشوار طويل من أجل التغيير.