آيات فسرها المتطرفون زورا وبهتانا.. أستاذ بجامعة الأزهر يوضحها

آيات فسرها المتطرفون زورا وبهتانا.. أستاذ بجامعة الأزهر يوضحها
قال الدكتور عبدالفتاح العواري، أستاذ التفسير عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر سابقًا، إنَّ الأمة ابتليت بشرذمة في القديم والحديث، بفهم الإسلام فهمًا خاطئًا، وحملت آيات القرآن الكريم ما لا تحتمل، وأولتها تأويلًا فاسدًا لا يدل عليه السياق القرآني، ولا يستند إلى قاعدة شرعية صحيحة، فتقولت على الله تعالى زورًا وبهتانًا.
وأضاف «العواري»، خلال مقال نشره موقع المنظمة العالمية لخريجي الأزهر، أنهم يزعمون أن جميع آيات الصفح والعفو والأمن والسلام منسوخةٌ بآية السيف، وهذا زعم باطل ودعوة لا برهان عليها، بل الذي أجمع عليه العلماء سلفًا وخلفًا من لدن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا أن آيات العفو والصفح والسلام محكمة لا نسخ فيها، وأن السلام هو القاعدة الكلية، وأما الحرب فهو استثناء شرعه الله لعباده من أجل دفع عدوان المعتدي وحماية الأوطان والمواطنين وتأمين طريق الدعوة إلى الله، كي يكون الداعي والمدعو في أمن وسلام .
حق الدفاع عن النفس في القوانين الدولية
وأوضح أستاذ التفسير أن حق الدفاع عن النفس والأوطان أقرته جميع القوانين الدولية، فهؤلاء بسبب جهلهم لا يفرقون بين آيات القتال وآيات الجهاد بل يخلطون المفاهيم، إنَّما التأويل الصحيح أن آيات الجهاد أعم من آيات القتال، لأن الجهاد يكون بالقول والحجة والبرهان لا بالسلاح، كما يفهم هؤلاء.
قال تعالى: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الكُفّارَ وَالمُنافِقينَ وَاغلُظ عَلَيهِم وَمَأواهُم جَهَنَّمُ وَبِئسَ المَصيرُ» (التوبة: ٧٣)، إنما هو أمر بمجاهدة من كفر برسالته من مشركي مكة والمنافين الذين أظهروا الإيمان به وأبطنوا الكفر في قلوبهم من منافقي المدينة، ولم ينقل التاريخ أن النبي صلى الله عليه وسلم حارب أو قاتل منافقا قط.
وعن آيات القتال التي يحملونها على إطلاقها دون مراعاة للقيود التي اعتبرها الشرع فقد ركبوا متن الشطط وأخروجها من سياقها وجعلوها مطلقة في قتال كل من خالف فكرهم، ولو تدبروا حق التدبر لوجدوا أن الأمر بالقتال في آيات القتال هو تشريع لمن أراد أن يقاتلنا أو يعاون من يقاتلنا أو يريد أن يخرجنا من ديارنا أو يظاهر على إخراجنا.
قال تعالى: «وَقاتِلوا في سَبيلِ اللَّهِ الَّذينَ يُقاتِلونَكُم وَلا تَعتَدوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ المُعتَدينَ» (البقرة: ١٩٠).
وأشار إلى قوله تعالى: «فَمَنِ اعتَدى عَلَيكُم فَاعتَدوا عَلَيهِ بِمِثلِ مَا اعتَدى عَلَيكُم وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعلَموا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقينَ» (البقرة: ١٩٤)، وهكذا سائر الآيات في تشريع القتال إنما أتت من أجل الدفاع عن النفس وحماية الوطن وحفظ الدين.
ولفت إلى أن الإطلاق في الآية مقيد بمثل قوله تعالى: «لا يَنهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذينَ لَم يُقاتِلوكُم فِي الدّينِ وَلَم يُخرِجوكُم مِن دِيارِكُم أَن تَبَرّوهُم وَتُقسِطوا إِلَيهِم إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقسِطينَ» (الممتحنة: ٨).
وأكد أنه بمثل قوله تعالى في حق مشركي مكة: «إِلَّا الَّذينَ عاهَدتُم عِندَ المَسجِدِ الحَرامِ فَمَا استَقاموا لَكُم فَاستَقيموا لَهُم إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَّقينَ» (التوبة: ٧)، وبمثل قوله تعالى: «وَإِمّا تَخافَنَّ مِن قَومٍ خِيانَةً فَانبِذ إِلَيهِم عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الخائِنينَ» (الأنفال: ٥٨).
وتطرق إلى قوله: «وَإِن جَنَحوا لِلسَّلمِ فَاجنَح لَها وَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ» (الأنفال: ٦١)، وبمثل قوله: «يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا ادخُلوا فِي السِّلمِ كافَّةً» (البقرة: ٢٠٨).
آيات القرآن لا تدعو إلى قتال المخالفين في العقيدة
وذكر أنه ليس هناك آية في القرآن تدعو المسلمين إلى قتال أو قتل الإنسان لمجرد مخالفته لهم في العقيدة، لأن الإسلام يؤمن بأن سنة الله في الخلق إنما هي التنوع والتعدد في العرق والجنس واللون والعقيدة.
قال تعالى: «وَلَو شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الأَرضِ كُلُّهُم جَميعًا أَفَأَنتَ تُكرِهُ النّاسَ حَتّى يَكونوا مُؤمِنينَ» (يونس: ٩٩)، وقوله تعالى: «وَلَو شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالونَ مُختَلِفينَ إِلّا مَن رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُم» (هود: ١١٨- ١١٩)، وما كانت علة القتال في الشرع هي كفر الكافر، لأن الكافر الأصلي معصوم الدم لا يجوز قتله، إنَّما علة القتال هي الاعتداء علينا ودفع عدوان المعتدي.
تحذير الشباب من الأفكار المتطرفة
وحذَّر الشباب المسلم في شتى بقاع الأرض من تأويل المتطرفين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، وليعلم أن العفو والصفح في الإسلام حكم باقٍ إلى يوم القيامة وأن تشريع القتال حكم باقٍ إلى يوم القيامة شرعه الله، لحماية الأوطان والدفاع عن النفس وحماية المقدسات الإسلامية وغير الإسلامية.
قال تعالى: «وَلَولا دَفعُ اللَّهِ النّاسَ بَعضَهُم بِبَعضٍ لَهُدِّمَت صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذكَرُ فيهَا اسمُ اللَّهِ كَثيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزيزٌ» (الحج: ٤٠).
وناشد الشباب بالتمسك بصحيح الإٍسلام وسماحة تشريعاته، وليأخذوا علومهم ومعارفهم من علماء الأمة الثقات الذين انزوت أعينهم في التعلم والتعليم والتمحيص والتدقيق، وليبتعدوا عن فكر هذه الجماعات التي تريد بفكرها تدمير الأوطان، وتفتيت وحدة الوطن، وخدمة أجندات الأعداء.