متى تمتنع الحكومة عن بيع الوهم للناس؟

على السلمى

على السلمى

كاتب صحفي

المصريون كانوا ولا يزالون يأملون فى حل كثير من المشكلات التى تراكمت عبر سنوات الاستبداد والإهمال والفساد التى عاشوها طيلة ثلاثين عاماً استأثر خلالها مبارك بالحكم، ثم كانت ثورة الشعب فى 25 يناير نهاية حلم التوريث الذى ينكره مبارك الآن! وبعدها نجح المصريون فى التخلص من حكم الجماعة الإرهابية بثورة 30 يونيو، بعد أن اتضحت طبيعة النظام الإخوانى الفاشية وبعد تفاقم مشكلات المصريين الحياتية وتدنى مستوى الخدمات العامة وفشل الحكم الإخوانى فيما ردده عن مشروع «النهضة»! واليوم لا يزال المصريون فى انتظار تحقيق رؤية الرئيس السيسى للمستقبل، آملين فى عهد جديد يشهد انطلاقة تنموية وديمقراطية يشارك فيه الشعب بكل طاقاته على الصبر والعمل. وبرغم البدء الجدى فى تنفيذ مشروع ازدواج قناة السويس وإقبال المصريين على شراء شهادات الاستثمار لتمويل القناة الجديدة، ورغم تقبل المصريين رفع أسعار استهلاك التيار الكهربائى وصبرهم على انقطاعات التيار وتقبلهم زيادة أسعار الوقود، وتعايشهم مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية، فإن الأوضاع فى المحروسة لم تتحسن ولم تعلن الحكومة حتى الآن برنامجاً تلتزم به أمام الشعب لتحقيق ما يمكنها إنجازه من رؤية الرئيس السيسى التى اختفى موقعها من على شبكة الإنترنت. ويعيش المصريون الآن فى ظل المشكلات المتراكمة وأسبابها الرئيسة كما هى، واستمرت الحكومة على ذات النهج الذى يحاول تجميل الصورة والنفخ فى إنجازات هامشية، تتمثل فى زيارات مكوكية لرئيس الوزراء ونفر من وزرائه، ومزيد من الوعود بقرب انفراج الحال. وفى الجانب الآخر من أداء الحكومة نرى محاولات تهميش المشكلات والتهوين من متاعب المواطنين، بل إلقاء اللوم عليهم فى أحيان كثيرة بدعاوى عدم التعاون مع الدولة فى مجهوداتها لإصلاح الأحوال. وهناك مواقف تؤكد أن أموراً كثيرة يعانى منها الوطن والمواطنون لا تزال بعيدة عن العلاج الحاسم وأن التغيير الذى يأمله الناس فى المحروسة غير وارد مع أسلوب عمل الحكومة الحالى الذى لم يختلف عن أداء حكومة الببلاوى! وأبدأ من استمرار الجماعة الإرهابية فى أعمال البلطجة والعنف والتدمير وقتل الأبرياء وإشاعة الفوضى فى أنحاء البلاد. وقد أسهبت الصحف ووسائل الإعلام فى بيان ما يقوم به طلبة الجماعة الإرهابية من إشاعة الفوضى فى الجامعات المصرية، وكان محل التركيز فى الأسبوع الماضى حول ما حاول الإرهابيون إثباته من فشل تجربة استعانة الجامعات الحكومية بشركة أمن خاصة وإعلانهم عن «هزيمة فالكون». وقد سبق تلك الهجمة الإرهابية بمناسبة بدء العام الجامعى الجديد تصريحات عنترية وتهديدات حاسمة من رئيس الوزراء ووزيرى التعليم العالى والداخلية من نوع «لن نسمح بتكرار أحداث العام الماضى»، و«كل من يمارس العنف سيطبق عليه القانون بكل حزم» حتى وصلت تصريحات وزير التعليم العالى عقب أحداث الأحد 12 أكتوبر إلى التصريح لقناة «صدى البلد» بأنه «صدرت قرارات نهائية بفصل عدد من طلاب الجامعات فى بعض المحافظات، لأنهم خالفوا الأوامر وقاموا بأعمال شغب داخل الحرم الجامعى»، لافتاً إلى أن «هؤلاء المشاغبين سيغادرون المدينة الجامعية ولا مكان لهم بعد الآن»، ولم يحدث شىء من ذلك التهديد. وفى أنباء الأحد 19 أكتوبر أن طلاب الإخوان يرشقون المارة بالمولوتوف والأهالى يقتحمون قصر العينى للاشتباك مع الإخوان ومدرعات الأمن المركزى تتدخل للسيطرة على الموقف، كما هو الحال أيضاً فى جامعة المنصورة! كما أُعلن فى ذات اليوم أنه استشهد أربعة جنود وأصيب ستة آخرون فى مدرعتين للشرطة تم استهدافهما بعبوتين ناسفتين ثم تفجيرهما عن بعد غرب العريش. ومع الإرهاب فى الجامعات تزايد معدل الهجمات الإرهابية على القطارات والتجمعات مثل تفجيرات مولد السيد البدوى والتفجيرات فى مدرعات الشرطة وتفجيرات شارع 26 يوليو بالقرب من دار القضاء العالى واكتشاف سيارة مفخخة قرب ضريح سعد زغلول وإبطال مفعولها. إن الإرهاب الأسود يخيم بظلاله الكئيبة على أنحاء مصر جميعاً. كل ذلك والحكومة لا تتوقف عن تصريحاتها العنترية بالقضاء على الإرهاب وعدم السماح للجماعات الإرهابية بتكرار أفعالهم الإجرامية، ولم نسمع عن استقالة الحكومة أو إقالتها وقد عجزت عن إثبات قدرتها على «القضاء على الإرهاب» كما تعلن صباح مساء!! وإلى جانب الإرهاب لا تزال الدولة عاجزة عن مواجهة خطر كبير لا يقل عن الإرهاب فى تأثيراته السلبية على جهود التنمية ومحاولات بناء الديمقراطية وتحسن الأحوال الحياتية للناس الذين طال صبرهم إلى حين. وقد كنت تناولت أخطار الفساد فى عدة مقالات، ولكن الجديد فى ابتكارات الفاسدين هو فضيحة افتتاح مستشفى سموحة الجامعى التابع لجامعة الإسكندرية ثم اكتشاف أنه افتتاح وهمى لمستشفى تم تمويله من معونة أجنبية، فقد تم استعارة المرضى والأطباء الذين كانوا فى استقبال رئيس الوزراء عند افتتاحه المستشفى من مستشفى آخر ثم أغلق المستشفى بعد انتهاء مراسم الافتتاح!! هذا فى الوقت الذى أعلن فيه مجلس الوزراء عقب اجتماعه الأخير يوم الأربعاء الماضى، 15 أكتوبر، بعد أسبوع من الكشف عن فضيحة مستشفى سموحة «أن رئيس الوزراء كلف وزيرى الصحة والتعليم العالى بوضع خطة لرفع كفاءة الأداء فى المستشفيات الحكومية والجامعية»، مؤكداً أنه سيتم توفير التمويل اللازم لذلك! وفى حديث على إحدى القنوات الفضائية، صرح محافظ الإسكندرية بأنه أبٌلغ بأن فضيحة سموحة ليست الوحيدة!! لقد قال الرئيس السيسى يوم الاحتفال بتدشين مشروع قناة السويس الجديدة «معندناش وقت.. إحنا بنسابق الزمن ومتأخرين أوى.. عايزين نبنى بلدنا ومش هنبيع وهم للناس». فمتى تلتزم الحكومة، أى حكومة، بنهج الرئيس وتمتنع عن بيع «الوهم» للناس؟