مصر و«المناخ».. وقائع تجربة ملهمة!

أحمد رفعت

أحمد رفعت

كاتب صحفي

الأرض فى خطر.. هذا ملخص صرخات عقلاء الكوكب منذ ثلاثين عاماً تقريباً لإنقاذ البشرية بعد أن تعدت سلوكيات البشر حدود المعقول من تلوث بلغ مداه، لم يتوقف عند حدود استخدام مواد ملوثة للبيئة فى نهضته السابقة التى انتهت قبل قرن تقريباً من فحم وخلافه، إنما استمرت بصناعات ملوثة أخرى وخطرة وبعضها غير مفيد للإنسان أصلاً كالسلاح، ومعها طبعاً تجارب نووية لا تتوقف، ونفاياتها التى انتقلت إلى الدول الفقيرة فى جريمة إضافية، واستخدام سيئ للطاقة غير النظيفة، واستهلاك كبير جداً للوقود ضمن سلوك مجتمعات -غربية- لا تعرف إلا الاستهلاك!!!

أدى ذلك إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض بمعدل درجتين ونصف!! وهو ما لم يحدث على كوكبنا منذ مائة وخمسة وعشرين ألف عام!!! وكان المعدل المسموح به من درجة إلى درجة ونصف لتبقى الحياة على سطح الأرض كما هى، إلا أن ذلك لم يحدث، وارتفعت درجة حرارة الأرض وبدأت جبال الثلج فى القارة القطبية الشمالية فى الذوبان، ما أدى إلى ارتفاع مياه المحيطات ومنها إلى البحار، وباتت السواحل الشمالية بمدنها فى عديد من الدول مهددة بالغرق ثم الاختفاء تماماً بمعدل منسوب مياه قد يصل -وفقاً لبعض التقديرات- من ثلاثة إلى ستة أمتار!!! بما يعنى اختفاء دورين إلى ثلاثة، مع اختفاء الشوارع والطرقات تماماً!! وفى أماكن أخرى أدى ارتفاع الحرارة إلى تبخر مياه عذبة وتصحرت المناطق المحيطة، ما أوقف حياة الناس من الزراعة والرى والصيد إلى لا شىء، فاضطروا إلى الرحيل والبحث عن حياة بديلة ولما لم يتوافر ذلك كان الحل فى الهجرات غير الشرعية!!! فلا يبحث عن الحياة فى الموت إلا من لم يجدوا الحياة فى أى مكان آخر!! وفى مواجهة ذلك كانت دعوات البحث عن حلول لأزمة المناخ التى بدأت فعلياً من عام ١٩٩٢ فى البرازيل بمؤتمر «كيوتو» وكللت بمعاهدة ١٩٩٤ ثم مؤتمر باريس للمناخ ٢٠٠٥ إلى اليوم! لم تقف مصر مكتوفة الأيدى وقدمت رؤية لإنقاذ البشرية ظلت ورقية حتى صارت واقعاً حياً على الأرض خلال السنوات القليلة الماضية وتحولت إلى تجربة ملهمة.. فماذا فعلت مصر؟! اختارت مصر أن تسير فى طريق الاقتصاد الأخضر بمساراته الستة كلها؛ أولها الحد من الفقر والبطالة، وهذا يحتاج إلى بيئة نظيفة تمنع التلوث الجوى، وبالتالى أثره السلبى على المواطن، وبالتالى لا تزيد تكلفة الرعاية الصحية وارتفاع تكاليف المستشفيات‏! وثانيها الاعتماد على الطاقة المتجددة ومنها الرياح والطاقة الشمسية، كما فعلنا فى محطتى «جبل الزيت» بالبحر الأحمر بطاقة من الرياح تتعدى الآن حاجز الـ٥٠٠ ميجا، و«بنبان» لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية بطاقة تتخطى الـ١٦٠٠ ميجا!! وغيرهما من مصادر الطاقة النظيفة، بجانب المساعدة فى توفير الطاقة بالمبانى الخضراء لكى تصل إلى أعلى كفاءة ممكنة! وثالثاً ورابعاً وخامساً فى إدارة ملفات المياه، ومصر لها رؤية شاملة يتم تنفيذها عبر استراتيجية ممتدة لـ٢٠٣٧ بتكلفة كبيرة جداً تستهدف الاستغلال الرشيد لكل مصادر المياه فى بلادنا من النيل الذى أزيلت من طريقه أكثر من ٣٠٠ ألف مخالفة فى ٦ سنوات منذ تولى المهندس حسام المغازى مسئولية وزارة الرى إلى اليوم. ومعها مياه الصرف الزراعى والصحى والصناعى، ومعهما مياه الأمطار، ومعها مياه المخزون الجوفى فى كل من الصحراء الشرقية والغربية وسيناء، وأخيراً مياه البحر وتحليتها وتحويلها إلى مياه شرب تقلل الاعتماد على مياه النيل ولا تستهلك منها، ومقرر أن تصل فى ٢٠٣٠ إلى تسعين محطة! وكذلك إدارة الأراضى والتوسع فى المساحات الخضراء لتعويض النقص الحاصل فيها، حيث إن مصر تحتاج إلى ما يقرب من ٤٠ مليون متر مربع مساحات خضراء للرؤية السليمة وخلق بيئة صحية لم يتوافر منها حتى وقت قريب إلا ٦ ملايين!!! ومن هنا جاء منهج التخطيط ورسم مدن الجيل الرابع والبناء على عشرين فى المائة فقط وتوزيع باقى المساحة على الجراجات والمساحات الخضراء والطرق.. وأخيراً إدارة النفايات وما تم فيها من توفير مدافن ونقلها من أماكنها القريبة من الكتل السكنية وإنشاء مصانع التدوير! وكانت خطة تحويل السيارات من العمل بالبنزين والسولار إلى الغاز الطبيعى، رغم أى تكلفة، لكنها نقلة كبيرة ومهمة من شأنها التأثير الإيجابى على البيئة، والحمد لله تجاوزت طلبات الاستفادة من المبادرة حتى يوليو الماضى 74 ألف طلب على موقع المبادرة، وتقديم 43.3 ألف طلب آخر مستوفى الشروط.. وسلمت بالفعل أول دفعة من السيارات الجديدة للمستفيدين من المبادرة فى أبريل الماضى! هذه التجربة المصرية باتت ملهمة لآخرين.. لكن تبقى عدة ملاحظات.. أولها أن التكلفة لهذه الرؤية مرتفعة جداً تقترب من نصف تريليون جنيه لمئات المشروعات من شأنها إصلاح حال البيئة وجودة الحياة فى مصر.. وثانى الملاحظات أنه إن لم تتكامل جهود باقى دول العالم فى ذات الاتجاه بلا أنانية من أى نوع.. ستبقى معاناة كوكبنا!!