حمدي السيد: قيادات الإخوان قالوا لى «عايزين نمشى مع الحكومة والحزب الوطنى».. وأشعر بندم لأننى قدمتهم للنظام فى 2004

حمدي السيد: قيادات الإخوان قالوا لى «عايزين نمشى مع الحكومة والحزب الوطنى».. وأشعر بندم لأننى قدمتهم للنظام فى 2004
- نقيب الأطباء الأسبق
- مبارك
- العمل السياسى
- حمدى السيد
- مجلس الشعب
- وزير الصحة
- جمال عبدالناصر
- نقيب الأطباء الأسبق
- مبارك
- العمل السياسى
- حمدى السيد
- مجلس الشعب
- وزير الصحة
- جمال عبدالناصر
بعد رحلة طويلة عاصر فيها أكثر من رئيس، وكان فيها شاهداً على الأحداث، يجلس الآن فى منزله بعيداً عن العمل السياسى والنقابى وقد تجاوز عمره 92 عاماً، هو الدكتور حمدى السيد، الذى تقلّد منصب نقيب الأطباء لمدة 28 عاماً، وشغل عضوية مجلس الشعب لمدة 31 عاماً، وعمل مع 18 وزيراً للصحة، وشهد على مراحل 3 رؤساء، بداية من جمال عبدالناصر عندما كان طبيباً شاباً، وأنور السادات الذى خاض فى نهاية عهده أول انتخابات نيابية، وحسنى مبارك أكثر الرؤساء الذين اقترب منهم وأصبح فى عهده أحد كوادر الحزب الوطنى الحاكم فى هذه الحقبة.
يقول د. حمدى السيد، فى حواره لـ«الوطن»، إنه قرر الاعتزال عن الحياة العامة بسبب كبر سنه، لكنه رغم بلوغه الـ92 عاماً يحرص على قراءة 4 صحف يومياً، ومطالعة بعض الكتب فى مكتبة منزله، ويتمتع بذاكرة قوية، ويبرر ذلك بمحافظته على صحته والتزامه بممارسة الرياضة وامتناعه عن التدخين طوال شبابه. قضينا معه أكثر من ساعتين للاستماع إلى شهادته على أكثر من عصر، وكشف كواليس تتعلق بمحطات مهمة كان مشاركاً فيها وشاهداً عليها ويرويها الآن بكل أمانة «وهو بينه وبين القبر خطوة»، حسب قوله.. وإلى نص الحوار:
نبدأ من محطة الشباب أثناء فترة حكم عبدالناصر.. ما شهادتك على هذه الحقبة؟
- لولا جمال عبدالناصر كنت طفشت من البلد، لأنه بعد عودتى من الخارج كنت أحمل أفكاراً جديدة كشاب درس وتعلم فى أوروبا، لكننى واجهت مقاومة شديدة ومحاولة تسفيه وحط من كرامتى وأفكارى، «لاقيت الدنيا مقفلة» وكنت على وشك أن «أطفش» للخارج مرة أخرى، خاصة أنه عُرضت علىّ فرص للعمل فى الخارج، ورفضت من أجل العودة إلى مصر، لأننى كنت أستبشر خيراً فى الرئيس جمال مثل كل المصريين بعد أن حقق الاستقلال للبلد ويسعى لتحقيق الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة.
عرضت فكرة دخول الجماعة «تحت جناح الدولة» على «مبارك» فقال لى: «اقعد معاهم انت»
بعد تخرجى فى كلية الطب بجامعة عين شمس، طلبت التكليف فى الجيش كطبيب فى حرب 56، ثم سافرت 4 سنوات وعُدت إلى مصر، لكننى واجهت مقاومة شديدة، لكن الرئيس عبدالناصر أنقذنى من كل هذه الضغوط الكبيرة وأعطانى أملاً ومنحنى وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى كأحد الأطباء الشباب الذين نجحوا فى الخارج وعادوا لخدمة بلدهم. تسلمت هذا الوسام فى عيد العلم 62، وكنت وسط نخبة مثقفى وفنانى مصر، الذين تم تكريمهم فى المناسبة نفسها، وهم: أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وطه حسين وعباس العقاد وتوفيق الحكيم، وآخرون.
هل حدث أى اتصال بينك وبين الرئيس عبدالناصر؟
- نعم، كتبت له جوابين، وهذا الرجل الذى يصفونه بأنه ديكتاتور قرأ الجواب من طبيب شاب، واهتم بمشكلتى ورد علىّ. الجواب الأول كنت أشكو له أن الجامعة قررت نقلى إلى الصحة وعدم إتمام عملى بالجامعة خلال فترة تكليفى بالجيش التى أعتز بها اعتزازاً كبيراً لأنها أجمل فترات حياتى. وعندما طلبت عودتى للجامعة رفضوا، فقلت له: أشكو إليك سيدى الرئيس، أريد العودة لجامعتى، ولكنهم قالوا لى أنت منقول. فوجئت بخطاب موجه من عبدالناصر إلى وزير الصحة والجامعة يقول لهم: يعود إلى الجامعة فوراً لأن هذا حقه. ثم كتبت له جواباً آخر أشكو من بعض التعسّف الإدارى الذى يريدون أن يعاملونى به كأنهم يعاقبوننى ودون تحقيق، فوجّه شخصياً رئيس الوزراء حينذاك عزيز صدقى للتدخل والتحقيق، وحصلت على حقى كاملاً.
«عبدالناصر» كان هدية من هدايا ربنا للبلد ولولاه «كنت طفشت من البلد».. كتبت له جوابين ورد عليا «وبيقولوا عليه ديكتاتور!»
بعيداً عن المواقف الشخصية.. ما رأيك سياسياً فى «عبدالناصر» كرئيس للبلاد؟
- أنا ناصرى متعصب، «عبدالناصر» كان هدية من هدايا ربنا للبلد والمنطقة، أنجز الكثير، وخلق فترة جديدة مجيدة فى عهده، وأعاد الكرامة الوطنية للمصريين، وخلصنا من الاستعمار الإنجليزى، لكن للأسف جاءت كارثة 67 فى نهاية عهده، وتحمل هو المسئولية، علماً بأن المسئول الحقيقى هو عبدالحكيم عامر. بعض الناقدين والحاقدين واللى بينهم وبين عبدالناصر «ما صنع الحداد»، ونوع من الثأر، لأنه أمّم بعض الأملاك وعطل الأحزاب، وبعضهم كانوا «عايزين عبدالناصر يغور فى ستين داهية»، حاولوا يسيئوا إليه إساءات شديدة. البلد تحركت فى 9 و10 يونيو وقالت لعبدالناصر «لا تستقيل واستمر».
هل لمست تغييراً فى صورة «عبدالناصر» بعد 67؟
- فى رأيى الشخصى أن أعظم فترة لعبدالناصر هى بعد 67، رئيس تلقى هزيمة كبيرة واستطاع أن يعود ويبنى البلاد من الصفر ويجعلها فى ظرف سنوات قليلة قادرة على مواجهة العدو من جديد والانتصار فى 73، عملية إعادة بناء البلد والجيش يعود الفضل فيها إلى «عبدالناصر»، كان بيشتغل 24 ساعة فى اليوم، هذه الفترة قتلت «عبدالناصر» من الإجهاد، كان مسكيناً يعمل طوال اليوم ويدخن بشراهة والسكر ارتفع بشكل كبير، وكان هذا سبباً فى النوبة القلبية التى أصابته، فى رأيى الشخصى كطبيب أن «عبدالناصر» استُشهد فى سبيل البلد دى، صحته اتدمرت علشان يبنى البلد ويثأر من الهزيمة وتجاهل كل نصائح الأطباء.
أين كنت وقت خطاب التنحى لعبدالناصر بعد 67؟
- كنت أمارس عملى فى المستشفى، أنا وكل الأطباء لم نصدّق ما حدث، كنا نظن أن الهزيمة محدودة ونستطيع أن نحارب بعد كام شهر، شعرنا بصعقة كبيرة، لكن كنا نثق فى عبدالناصر الذى لولا دوره بعد النكسة ما استطاع السادات أن يأخذ قرار الحرب فى أكتوبر 73.
البعض يصفه بالديكتاتور.. ما رأيك؟
- «عبدالناصر» لم يكن ديكتاتوراً، هناك فرق بين الديكتاتور وبين الزعيم الذى يتمتع بشعبية وعنده كاريزما ويحب بلده ولديه مشروع وطنى للاستقلال. صحيح «عبدالناصر» لم يكن يسير على نهج الديمقراطية الأمريكية، لكن البلاد النامية فى فترات البناء تحتاج إلى نموذج «عبدالناصر» الوطنى أكثر من احتياجها إلى ديمقراطية أمريكا. مصر اتبنت فى أيام «عبدالناصر» من الصفر.
وماذا عن «السادات».. كيف كانت علاقتك به وشهادتك على فترته؟
- فى البداية كنت أرفض «السادات»، شعرت أنه جاى يمشى على خط معارض لـ«عبدالناصر»، وكتبت له جواباً قلت له: يا سيادة الرئيس حضرتك كنت زميلاً لـ«عبدالناصر» وقريباً منه وعيّنك نائباً له، فلماذا تتخذ طريقاً مخالفاً لـ«عبدالناصر»؟.. وطبعاً لم يأتِ لى رد، ولا أعرف أين ذهب الجواب الذى أرسلته إلى الرئاسة وقتها.
هل التقيت بـ«السادات»؟
- كنت بعيداً عن «السادات» حتى عام 1979، عندما قررنا نحتفل بعيد الطبيب فى 18 مارس وقدّمت دعوة لأنور السادات بصفتى نقيب الأطباء فى هذا التوقيت، وحضر بالفعل واستقبلناه استقبالاً عظيماً، وقال لى: ابنى النقيب، أشكرك على الاستقبال، وأدعوك لتحضر معى توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل فى واشنطن، وستأتى معى أثناء تسلم العريش، فقلت فى بالى «يا نهار أسود»، لم أكن أرحب بالسلام مع إسرائيل، لكن زملائى فى النقابة نصحونى بقبول الدعوة، وسافرت بالفعل وحضرت توقيع السلام داخل البيت الأبيض، وسمعت خطبة «السادات»، وكانت خطبة عظيمة أكد فيها حق الشعب الفلسطينى ومفهوم السلام العادل الشامل، وأعجبت جداً به وأدركت أن «السادات» رجل وطنى ولا يريد بالفعل إلا استعادة أرضه ويؤمن بالقضية الفلسطينية.
لكنك كنت قريباً من «مبارك» أكثر من «السادات».. ما أول لقاء جمعك به حين كان نائباً؟
- أول لقاء جمعنى بـ«مبارك» كنائب للرئيس كان بخصوص مستشفى عين شمس، قدّمت تصوراً للرئاسة عن بناء مستشفى عين شمس، والتقى بى «مبارك» واستمع إلى رأيى ووافق عليه، وكان نائباً للسادات حينذاك، لكنه لم يعجب بى، قال لى انت راجل صعب فى نهاية الاجتماع، تقريباً شخصيتى لم تعجبه، أو طريقة جلستى وأنا أضع قدماً على قدم، وزوجتى قالت لى بعد ذلك يجب ألا تجلس هكذا مع المسئولين الكبار، لكنه فى النهاية وافق على التصور الذى قدمته.
وما تفاصيل أول جلسة جمعتك بـ«مبارك» بعد توليه الرئاسة؟
- جمعنى مع عدد من الشخصيات، منهم ماهر مهران ويوسف إدريس وكمال الجنزورى، وقال لنا: انصحونى، تحمّلت مسئولية ولم أكن جاهزاً لها. تكلمنا معه عن كل القضايا المهمة، مثل الصحة والتعليم والتخطيط. يوسف إدريس «قعد يهلل» بعد هذا الاجتماع ويقول أول رئيس فى التاريخ يقول للمثقفين والسياسيين انصحونى. بعد عدة سنوات التقيت الرئيس مبارك فى دائرة مصر الجديدة خلال انتخابات مجلس الشعب، فقلت له: يا ريس، اعمل معروف وافرج عن مجموعة 15 مايو زى ما أفرجت عن متهمى سبتمبر. فقال لى: لا تنصحنى، أنا كل حاجة فى دماغى. وبعدها جاءنى تليفون من الرئاسة، مبارك قال لى فى التليفون، عايزنى أفرج عن بتوع 15 مايو علشان يقولوا عليا فى الخارج إنى ناصرى ويعملوا لى قلق.. نام يا حمدى أنا عارف الكبيرة والصغيرة. ساعة مبارك اختلفت بعد كام سنة فى الحكم، من «انصحونى» إلى «كل حاجة فى دماغى، وخليهم يتسلوا»، وبقى يرفض يسمع النصيحة.
فى رأيك، ما أهم نصيحة لم يستمع إليها «مبارك»؟
- تحذيره فى بداية حكمه من صعود الجماعات الإسلامية وتوغلهم وسيطرتهم على الجامعات والنقابات والشارع السياسى. ناس كتير نصحوه، وأنا منهم وكان يقول «مفيش حاجة تخوف.. أنا فاهم كويس». وفى أحد اجتماعات قيادات الحزب الوطنى بشرق القاهرة فى قصر القبة بحضور «مبارك» وبجواره كمال الشاذلى، أخذت الكلمة، فقلت إن المتطرفين سيطروا على المساجد والجامعات وزى ما أفتوا باغتيال الرئيس «السادات» هيفتوا بالأمر نفسه على حضرتك يا ريس، لأن ما ينطبق على «السادات» ينطبق عليك، وقلت له إن الإرهابى عمر عبدالرحمن زعيم الجماعة الإسلامية، حدّد 27 سبباً شرعياً لاغتيال «السادات»، وأغلبها تنطبق على حضرتك يا ريس.
الدنيا «ضلمت» ومحدش اتكلم، وبعد دقائق أشار «الشاذلى» لنائب الشرابية وقال له: اقف اتكلم. وقف نائب المطرية وقال شبابنا بخير يا ريس.. وكله تمام.. ومحدش بيقرا الكلام ده. «مبارك» زعل منى جداً وقاطعنى لمدة 6 أشهر، حتى محاولة اغتيال صفوت الشريف، ثم عملية رفعت المحجوب، وقتل سياح الأقصر، فقال لى: أنا صدقت كلامك.
وما المرة الثانية التى قاطعك فيها «مبارك»؟
- المرة الثانية حين طالبونى بالتنازل عن منصب نقيب الأطباء، وعدم خوض الانتخابات لصالح إبراهيم بدران، وزير الصحة السابق، فحدث أن محمود شريف وزير الحكم المحلى السابق وأمين الحزب الوطنى فى ذلك الوقت، قال لى: يا حمدى سيب نقابة الأطباء لبدران، قلت له: لا، هانزل الانتخابات وينزل قصادى. وبعدها كلمنى إبراهيم بدران بنفسه وطلب يقابلنى، قلت له: ماشى، بس لوحدنا. ثم وجدت محمود شريف يحضر معنا المقابلة، قلت له يا دكتور إبراهيم عرضت عليك مرتين التعاون وأنت رفضت، وأنا لن أترك نقابة الأطباء، وإذا كنت تريد أن تكون نقيباً نافسنى فى الانتخابات، وبالفعل نزل ضدى ومسحته تماماً. أحد الأشخاص الكبار قال لى: «مبارك» زعلان منك.. قالوا له حمدى رفض يتنازل عن منصب نقيب الأطباء، اعتقاداً منه أنها رغبة الرئيس، كان يتحداك. وطبعاً هذا خطأ تماماً، لا أنا ولا غيرى كنا نستطيع أن نتحدى «مبارك».
ما أغرب واقعة جمعتك بالإخوان وما زلت تتذكرها عندما كنت نقيباً؟
- فى إحدى المرات، ألقى القبض على عصام العريان، ثم طلب «العريان» أن أحضر معه شاهداً بصفتى النقيب العام. وعندما حضرت التحقيق سأله المحقق: أنت متهم بالانضمام وقيادة جماعة تهدف لقلب نظام الحكم.. ما ردك؟.. فقال «العريان»: لا نهدف لقلب نظام الحكم، لكن أنا كنت ناوى أترشح قصاد هذا الرجل، وأشار إلى صورة حسنى مبارك فى المكتب. قلت: «يا نهار أسود.. انت اتجننت يلا». ثم ألححت على المحقق ألا يضع هذه العبارة فى التحقيق، وتراجع «العريان» بالفعل، وقال إنه ليس فى حالة طبيعية.
هل قُدت مبادرة لتقديم الإخوان إلى النظام فى نهايات عصر «مبارك»؟
- نعم.
هل أنت نادم الآن؟
- طبعاً.. اكتشفت أننى «كنت مغفل»، وحبيب العادلى، وزير الداخلية الأسبق، كان عنده حق.
كيف حدث ذلك؟
- فى 2004 جاءنى عصام العريان، وهذا الرجل كان ناعماً «نعومة الثعبان». وعلاقته بالجميع كانت جيدة، حتى الشيوعيين والسفارات الأجنبية، وكان يتحدث الإنجليزية «زى اللبلب»، وكنت أقول له: أنت وزير خارجية الإخوان. جاءنى ذات مرة فى هذا العام، وقال لى: عايزين نتصالح مع الحكومة والحزب، إحنا مش بتوع إرهاب وندين العنف كما تدينه الدولة، ونقبل الأقباط كشركاء لنا فى الوطن، فمن فضلك عايزين نقعد مع حد ونتفق. قلت له: يعنى انتو عايزين تمشوا مع الدولة. قال لى: آه. فقلت فى بالى: ليه لأ تكون الجماعة تحت جناح الدولة.
«العادلى» قال لى «بلاش الإخوان يغشوك.. دول مقسمين اللعبة مع الجماعات الإرهابية».. مفيش حد كبير من الجماعة وافق يقابلنى بعد 25 يناير
رُحت قابلت يوسف والى وعرضت عليه المسألة، فقال لى: لا.. لا.. قابلت كمال الشاذلى فقال لى: أبعدنى عن الكلام ده. قابلت زكريا عزمى قال لى: مفيش الكلام ده. فقلت فى عقلى إن هذا ملف أمنى، وبالتالى من الأفضل عرض المسألة على وزير الداخلية، لكن حبيب العادلى كان لا يقابل أحداً، فجبت واسطة وقابلته واستقبلنى بشكل طيب، ثم عرضت عليه الفكرة، فقال لى: يا دكتور حمدى بلاش الإخوان يغشوك، الإخوان مقسمين اللعبة مع الجماعات الإرهابية، واحد يلعب سياسة وواحد يمسك سلاح، ووقت اللزوم هيبقوا واحد وتنضم الصفوف.
لكن إذا كان قيادات النظام فى هذا الوقت لا يرحبون بما يمكن وصفه «صفقة» مع الإخوان.. فماذا حدث؟
- لم أتخلّ عن الفكرة، رغم عدم الترحيب فى بداية الأمر، قلت فى بالى يمكن مش فاهمين كويس، عصام العريان كان مفهمنى إن الجماعة مستعدة تبوس رجل الحزب الوطنى. ذهبت إلى الرئيس مبارك شخصياً عندما سنحت إحدى الفرص باللقاء معه، وعرضت عليه الأمر كله، وقلت له يا ريس لا تقابل الإخوان، لكن هناك شخصيات محترمة وقريبة من الإخوان يمكن التفاهم معها، مثل كمال أبوالمجد ومحمد سليم العوا ومحمد الغزالى. قال لى: قابلهم انت واتكلم معاهم. وبالفعل كنت أنا أحد قيادات الحزب الوطنى، وأعضاء مجلس الشعب الذين يتحدثون باستمرار مع الإخوان.
عصام العريان كان ناعماً مثل الثعبان وعلاقته جيدة بالشيوعيين والسفارات.. وقال أمامى «أنا ناوى أترشح قدام مبارك» قلت له «يا نهار أسود أنت اتجننت يالا»
هل تغير الإخوان تجاهك بعد 25 يناير؟
- تغيروا مين؟!.. الإخوان بقوا ناس تانية، ولا كأنى كنت أعرفهم. بعد ثورة يناير ذهبت إلى مقرهم فى المقطم، وقلت لنفسى: انت ليك دلال عند الناس دى، وهيسمعوك. لم يجلس معى أحد، حتى عصام العريان لم يجلس معى، وقابلت ناس صغيرة فى الجماعة، ووقتها عرفت الرد، وقلت سبحان الله.
هل حدثت أى اتصالات بينك وبين الإخوان مع بداية 25 يناير؟
- فى ثانى يوم بعد 25 يناير، قابلت عصام العريان فى أحد فنادق منطقة التحرير، وقلت له ماذا يحدث؟.. قال لى: مش عارفين. قلت له: مظاهرات إمبارح لم يظهر فيها إخوان. قال لى: ده عيد الشرطة وإحنا مش مشاركين. ثم مع نهاية اليوم التالى 27 و28 يناير ركبوا الثورة وظهر المولوتوف والسلاح والتخريب والتدمير فى كل مكان واعتدوا على المنشآت العامة والسجون وغيرها.
بمَ شعرت وأنت تشاهد هذه الأحداث فى التليفزيون؟
- شعرت بأننى انضحك علىّ، وأن حبيب العادلى كان محقاً 100%، وأنا كنت مخدوعاً 100%. عرفت أن الإخوان كانوا يمارسون التقيّة، وهى أن تُظهر غير ما تبطن، كل إخوانى قابلته كان عامل نفسه راجل محترم ثم اكتشفت أنه مجرم وإرهابى وسافل 100%. لكن الجانب المشرق الوحيد أنه لولا أحداث يناير ما عرفنا الإخوان أبداً. هذه السنوات بعد 2011 كشفت الإخوان للمخدوعين من أمثالى وأنا طبيب كبير وسياسى له تاريخ، فما بالك بالعوام والناس الغلابة الذين صوّتوا لهم لأنهم «بتوع ربنا»، ثم اكتشفوا أنهم مجموعة من الخونة والمتآمرين والإرهابيين. هذا ترتيب ربنا حتى يظهر الإخوان على حقيقتهم.
«عبدالناصر والسيسى» أكثر رئيسين خدما مصر.. «أنا استفدت من السادات ومبارك لكن دى شهادة أمام الله.. وأنا بينى وبين القبر خطوة ومش هاجامل»
هل تعتقد الآن وأنت تتجاوز التسعين من عمرك أن كل ما حدث فى العقد الأخير الصعب كان بالفعل «ترتيباً ربانياً»؟
- طبعاً، كلى يقين أن الله سبحانه وتعالى هو من رتب وقدّر كل هذا. أن يذهب نظام «مبارك»، ثم يأتى الإخوان، ثم يكتشف المصريون الحقيقة ويطردون الإخوان للأبد، ثم يأتى هذا الرجل عبدالفتاح السيسى الذى لم يكن يملك حزباً ولا قوى سياسية ولا حكومة.. كان واقف بطوله، واستطاع أن يقوم بكل ما قام به. من أعطاه اليقين والثبات والثقة فى 3 يوليو، أكيد ربنا عز وجل. البلد دى ربنا بعت لها السيسى. أنا لو كنت مكانه كنت هاقول لنفسى لا يمكن أقف فى وش جماعة بتحكم البلد.
أخيراً.. أنت كشاهد على حقب لـ4 رؤساء، مَن أفضلهم فى خدمة البلد برأيك؟
- أقول ما يُرضى ضميرى ويُرضى ربنا، وأنا بينى وبين القبر خطوة ومش هجامل.
لو أكثر ما يهمنى المصلحة الشخصية ستكون إجابتى الرئيس مبارك والرئيس السادات، استفدت من الرئيسين، وأصحاب فضل كبير علىّ. لكن لأنك تسأل عن خدمة البلد بحق، فتكون الإجابة الرئيس عبدالناصر والرئيس السيسى، فهما أكثر رئيسين عملا لخدمة البلد وخدمة المصريين دون مجاملة ولا خوف ولا حسابات سياسية للداخل أو الخارج.
وإذا كنت سأضعهم فى ترتيب، فسوف أضع «عبدالناصر والسيسى» فى المرتبة الأولى، ثم «السادات»، ثم «مبارك»، رغم أننى استفدت من «السادات ومبارك»، لكن هذه شهادة أمام الله.
هل زُرت الرئيس الأسبق «مبارك» قبل وفاته؟
- للأسف لم أزُره نهائياً، ونادم جداً أننى لم أزُره، قصّرت فى حقه بعد خروجه من الحكم.
لكننى كنت مكتئباً وقررت الاعتزال.
لكن كان يجب علىّ أن أزوره فى مرضه، وأنا أدعو له بالرحمة فى أوقات كثيرة.