التجديد القانوني للخطاب الدينى.. زراعة أعضاء الخنزير

انشغل العالم مؤخراً بتفاصيل عملية جراحية جرت فى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث قام أطباء بزراعة كُلى خنزير فى مريضة متوفاة دماغياً. وجدير بالذكر أن الطبيب الذى أجرى العملية هو نفسه زرع قلباً، حيث حكى هذا الطبيب عن تجربته الشخصية، قائلاً إنه عندما كان ينتظر هذا القلب لزراعته فى جسمه، لم يجد سوى قلب واحد فقط لمريض مصاب بفيروس «سى»، ومع ذلك وافق على عملية الزرع، رغبة منه فى الحياة بأى ثمن، حيث كان على شفا الموت قبل إنقاذه بهذا القلب. وقد لجأ الأطباء الأمريكان إلى إجراء هذه التجربة، رغم أن القانون الأمريكى يُتيح التبرع بالأعضاء ممن توفى دماغياً، حيث تبين أن نقل الأعضاء البشرية من المتوفين حديثاً ومن الموتى دماغياً غير كافٍ للتغلب على مشكلة نقص الأعضاء البشرية. إذ يوجد فى الولايات المتحدة الأمريكية عشرات الآلاف من مرضى الكلى على قائمة الانتظار لتوفير كلية لهم، وقائمة الانتظار هذه قد تطول لأربع سنوات. ومن هنا، بدأ التفكير فى بدائل أخرى، ومنها أعضاء الخنازير.

وتجدر الإشارة فى هذا الصدد إلى أن إحدى الشركات ساعدت الطبيب الجراح فى العملية بطريقة غير مباشرة، حيث كانت هذه الشركة تعمل على تصميم تعديل وراثى للخنزير لسبب آخر، وهو أن ثمة أشخاصاً يعانون من الحساسية من أكل اللحوم بسبب الجين «ألفا كان»، الذى يُسبب لهم حساسية للجلد، وتصل لدرجة ضيق التنفس وتؤدى إلى الاختناق، وقد تتسبب فى دخول مريض الحساسية إلى المستشفى. ولتفادى كل ذلك، كانت الشركة تعمل على تعديل الجين المسبب للحساسية أو تعطيله، وبالفعل نجحت فى ذلك. وقد أسهم ذلك فى نجاح زراعة أعضاء الخنزير، إذ كان جسم الإنسان يرفض أعضاء الخنزير عند زراعتها فيه، وذلك بسبب جين «ألفا كان»، وبالتالى فإن تعطيل هذا الجين من خلال التعديل الوراثى أدى إلى أن تصبح عملية نقل الكلى من الخنزير إلى الإنسان مأمونة إلى حد كبير. ورغم احتفاء العالم أجمع بهذا الكشف العلمى والطبى المهم، فإن ثمة تخوفات وتساؤلات قد تثور فى عالمنا العربى والإسلامى، وذلك بالنظر لما هو معروف فى الشريعتين الإسلامية واليهودية من تحريم لحم الخنزير. ولم يقتصر الأمر على حد التحريم، وإنما يذهب جمهور الفقه الإسلامى إلى أن الخنزير نجس نجاسة عينية فى جميع أجزائه، حتى ما انفصل عنه، كعرقه أو لعابه. بل إن البعض قد حكى فيه الإجماع. ويستدل هؤلاء على ذلك بقوله تعالى فى الآية 145 من سورة الأنعام: «قُل لَّا أَجِدُ فِى مَا أُوحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ». ووجه الاستدلال بهذا النص من وجهة نظرهم أن الشارع الحكيم ينص على أن لحم الخنزير رجس، والرجس بمعنى النجس. وإذا كان ما سبق عاماً، فإن جمهور الفقه الإسلامى يذهب إلى تحريم التداوى بالخنزير وبأجزائه. ويستدل هؤلاء على ذلك بما روى عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث». وفى الآثار، عن أبى وائل أن رجلاً أصابه الصفر، فنعت له السّكَر، فسأل عبدالله عن ذلك، فقال: «إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم».

والواقع أن القول بنجاسة الخنزير والكلب ليس حكماً متفقاً عليه، وإنما هو قول أكثر الفقهاء. ومن الفقهاء من يرى طهارتهما، وهذا هو رأى الإمام مالك وهو الرأى الراجح عند ابن تيمية. وفرق بعض الفقهاء بين الكلب والخنزير، فقالوا بنجاسة الكلب دون الخنزير، وهو قول لبعض الشافعية. وعكسه آخرون، فقالوا بطهارة الكلب دون الخنزير، وهو قول لبعض الحنفية. بقى أن نشير إلى أن بعض التشريعات العربية تحظر «نقل أى عضو أو أنسجة أو خلايا من إنسان حى لإنسان آخر، إلا لضرورة تقتضيها المحافظة على حياة المتلقى، أو لتحقيق ضرورة علاجية، وبشرط أن يكون النقل هو الوسيلة الوحيدة لمواجهة هذه الضرورة، وألا يكون من شأن النقل تعريض المتبرع لخطر جسيم على حياته أو صحته». وإزاء ظهور عمليات زراعة أعضاء الخنازير، فإن ذلك يجعل نقل أعضاء بشرية من إنسان حى خياراً بعيد الحدوث، منظوراً فى ذلك إلى أن هذا النقل لن يعود الوسيلة الوحيدة لمواجهة ضرورة الحفاظ على حياة المتلقى. وفى النهاية، لا أجد أفضل من ذكر قوله تعالى: «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً».