عودة الدولة للإنتاج تثير الجدل فى القطاع الصناعى

عودة الدولة للإنتاج تثير الجدل فى القطاع الصناعى
«إذا عمل السلطان بالتجارة، فسد السلطان وفسدت التجارة».. هكذا يرى ابن خلدون فى مقدمته اعتقادا منه بأن الدولة تاجر فاشل، غير أن التغيرات الاقتصادية فرضت على الحكومات فى عصرنا الحالى التدخل فى القطاعات الإنتاجية لحمايتها من الاحتكار، وهو ما قررت حكومة الجنزورى تطبيقه خلال الفترة المقبلة، حيث أعلن المهندس إسماعيل النجدى رئيس هيئة التنمية الصناعية عن اتجاه الحكومة للعودة إلى المشروعات الإنتاجية وعلى رأسها السكر والأسمنت والحديد من خلال مشاركة القطاع الخاص بنسب مختلفة أو الدخول كمساهم رئيسى فى تلك المشروعات.
ردود أفعال المجتمع الصناعى تباينت بشأن هذه الخطوة، فمنهم من رحب بالفكرة ومنهم من رأى فيها عودة للخلف وتهديداً لمناخ المنافسة الحرة مع القطاع الخاص.
وبحسب النجدى فإن الحكومة قررت الاستثمار فى مشروعات إنتاجية غلب عليها فى ظل النظام السابق الطابع الاحتكارى، موضحا أن الحكومة قررت الدخول فى شراكة مع مستثمرين لإنشاء مصنع للسكر فى بورسعيد باستثمارات 680 مليون جنيه على مساحة 80 فدانا ويهدف إلى إنتاج 400 ألف طن لسد الفجوة القائمة بين الإنتاج والاستهلاك المحلى والتى تتراوح بين 800 ألف طن ومليون طن.
وقال النجدى إنه يتمنى عودة الدولة بقوة إلى معظم الصناعات الإنتاجية الاستراتيجية التى يمكن من خلالها إعادة دور الدولة الغائب خلال العقود الماضية، موضحا أنه لا يعقل أن يسيطر مستثمرون أجانب على 85% من صناعة الأسمنت فى مصر.
وأشار إلى أن عودة الحكومة للدخول كشريك فى الصناعات الاستراتيجية لا يعنى بالضرورة أن تمارس احتكارا بقدر ما يعنى إعادة التوازن إلى الأسواق المحلية.
وأيد المهندس محمد حنفى مدير غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات فكرة عودة الدولة إلى الإنتاج مرة أخرى، لكنه يرفض دخولها كشريك للقطاع الخاص فى أية مشروعات، نظرا لما قد تؤدى إليه هذه الشراكة من مشكلات عديدة، خاصة أن الشراكة ستتطلب فرض رقابة الجهاز المركزى للمحاسبات والرقابة الإدارية على المشروع وهو ما لا يتوافق مع القطاع الخاص، فضلا عن «البيروقراطية» الشديدة التى تتعامل الشركات الحكومية وفقا لآلياتها، قائلا «لو أرادت شركة حكومية أن تشترى مسمارا فعليها القيام بعمل مناقصة وهذه الآليات لا تتسق مع طبيعة القطاع الخاص».
وأضاف أن مشروعات مثل «سنتامين- منجم السكرى»، و«الدخيلة» وغيرهما تعد نماذج صارخة للمشكلات التى تواجه أى مشروع بالمشاركة بين القطاعين العام والخاص، مرحبا فى الوقت ذاته بامتلاك الحكومة لمشروعات بنسبة 100%، مستبعدا أن تؤدى تلك الخطوة إلى عودة الاحتكار الحكومى نظرا لوجود الآليات التى تحول دون ذلك ومن بينها جهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار.
ورحب حسن الفندى، رئيس شعبة السكر بغرفة الصناعات الغذائية، باستثمار الحكومة فى قطاعات حيوية مثل صناعة السكر قائلا: «إن الأمر فى النهاية يتوقف على الإدارة سواء كان رأس المال حكوميا أو خاصا».
وأكد أنه لا توجد مشكلات فى قيام شركات حكومية بإنتاج سلعة معينة خاصة فى ظل وجود شركات حكومية بالفعل فى عدة قطاعات من بينها السكر، لافتا إلى أن العملية يحكمها آليات العرض والطلب.
وعلى النقيض من الآراء السابقة اعترض المهندس خليل قنديل رئيس غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات على دخول الدولة كمساهم رئيسى أو مستثمر فى أى قطاع من القطاعات الإنتاجية، وقال إن الإنتاج ليس هو الدور الأساسى للحكومة، وأن دورها يقتصر على تنظيم السوق وتحسين المناخ للقطاع الخاص للعمل بشكل أفضل.
وتساءل قنديل: «كيف تسعى الحكومة لضخ استثمارات فى مشروعات إنتاجية فى الوقت الذى لا تجد فيه المصانع البنية التحتية المناسبة للعمل»، مضيفا أن الحكومة عليها الاهتمام بالمشروعات الخدمية بدلا من أن تفكر فى ذلك فعليها أولا أن تهتم بشبكة الطرق والصرف الصحى والكهرباء وغيرها من البنية الأساسية التى تفتقدها مصر.
وأكد أن معظم المشروعات الإنتاجية التى دخلتها الحكومة اتسمت بالفشل وعلى رأسها شركة الحديد والصلب التى تحقق خسائر سنوية بلغت 340 مليون جنيه، وهى الحال ذاتها التى وصل إليها قطاع الغزل والنسيج الحكومى بأكمله.
واعتبر مدحت إسطفانوس، نائب رئيس شعبة الأسمنت بغرفة مواد البناء، أن إعلان هيئة التنمية الصناعية عن الاستثمار فى مشروعات إنتاجية مثل الأسمنت «كلام هلامى»، مؤكدا أن هذه التوجهات لا يجوز أن تعلن فى تصريحات لرئيس هيئة أو حتى وزير صناعة، لكنها لا بد أن تكون ضمن خطة الدولة الخمسية المعلنة بحيث يعلم المستثمر توجه الدولة بشكل واضح ليقرر بعدها الاستمرار أو الخروج من السوق المصرية.
وقال إسطفانوس إن عودة الدولة للإنتاج مرة أخرى قد لا تكون «نقمة» إذا كانت هناك معايير واضحة تضمن المساواة بين الشركات الحكومية والخاصة وتحول دون تمييز الجانب الحكومى على الخاص.