الجمهورية الجديدة في عيون العالم

عمرو حسن

عمرو حسن

كاتب صحفي

كَان حلماً فخاطراً فاحتمـــــــاًلا

ثُمّ أَضْحَى حَقِيقَةً لَا خيــــــالا

عَمَلٌ مِنْ رَوَائِع الْعَقْل جئنــــــاه بِعِلْم

وَلَم نجئه ارتجـــــــــالا

كانت هذه الأبيات هى ما دار فى خلدى عندما قرأت مقالاً عن العاصمة الإدارية الجديدة فى واحد من أكبر المواقع الإسبانية «Magnet». فقد كان حلم إنشاء العاصمة الجديدة لمصر يبدو أمام العالم وكأنها المدينة الفاضلة، أى حلم صعب المنال ولكن نجد اليوم أن الحلم قد تجسد على أرض الواقع وصار حقيقة ملموسة.

وما يدعو إلى الفخر أن نجد إشادة بمصر وسياستها وإنجازاتها الرائعة على مواقع عالمية مثل «ماجنت» الإسبانى، والمقال يتناول مشكلة زيادة السكان فى حوالى اثنتى عشرة من العواصم العالمية مثل (إسبانيا، فرنسا، المكسيك، ...) وذكر الموقع أن الإجابة المميزة لهذه المعضلة أصبحت فى مصر وهى بناء العاصمة الإدارية الجديدة والتى تعد أكبر مخطط عمرانى ضخم على الشاطئ الآخر للبحر الأبيض المتوسط.

وأشار موقع «Magnet» إلى أن الأمر بدأ وكأنه وهم لكن التقدم الذى حدث يبين عزيمة الرئيس السيسى القوية وتصميمه، وكما أشاد التقرير بسياسة الرئيس السيسى أشاد كذلك بالحكومة المصرية، متمثلة فى رئيس الوزراء حيث ذكر التقرير أنه يشرف بنفسه على الشق الإدارى فى تنفيذ العاصمة الإدارية والذى وصف بأنه متقدم جداً، حيث يشرف رئيس الوزراء على تأثيث المؤسسات العامة التى تجرى بالفعل، أيضاً ذكر التقرير الدور المحورى الذى لعبه الجيش المصرى منذ عام ٢٠١١ سواء كان دوراً سياسياً أو اقتصادياً.

كل هذه العناصر ساهمت فى نجاح هذا المشروع العملاق وخروجه إلى النور والإشادة به فى المواقع العالمية.

ولعل إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة هو أحد أبرز الحلول التى نادى بها الخبراء للخروج بمصر من مشكلة الزيادة السكانية التى تعوق تقدمها وانطلاقها، وبالفعل بدأت مصر منذ فترة فى إنشاء المدن الجديدة لتقليل كثافة السكان فى العديد من محافظات مصر، وكانت درة التاج هى العاصمة الإدارية لتقليل الكثافة السكانية فى العاصمة القديمة، فالقاهرة مدينة ضخمة يبلغ عدد سكانها ما يقرب من 20 مليون نسمة ومن المتوقع أن يصل عدد سكانها إلى 40 مليوناً بحلول عام 2050، ونجد أن اثنين من كل ثلاثة أفراد تقل أعمارهم عن 30 عاماً، لذا ولمنع انهيار البنية التحتية فإن مصر اتخذت هذه الخطوة العملاقة وهى العاصمة الإدارية الجديدة، ومن المتوقع فى آخر عام 2022 أن 54000 موظف مدنى سيبدأون العمل هناك مع تزويد بعضهم بالسكن، وللبعض الآخر ممن لن يتسنى لهم السكن فيها يتم إنشاء خط سكة حديد متطور (تم توقيعه بالفعل مع شركات مثل سيمنز) وسيكون هؤلاء هم رواد العاصمة الجديدة والتى تخطط لجذب ما لا يقل عن خمسة ملايين نسمة.

واستعرض التقرير الأماكن الهامة التى تضمها العاصمة الجديدة، مثل البرلمان وما يقرب من 18 وزارة وسفارة، كل هذا فى الجناح الشرقى فى الحى المالى، وأيضاً ستضم العاصمة 20 برجاً كبيراً قبل نهاية عام 2022، وسيكون تصميم المدينة على شكل دعامات ودوائر يتم توسيعها فى المستقبل مع انتقال الناس، بالإضافة إلى 200 كيلومتر من الطرق التى ستكون «ذكية»، وكذلك تم التخطيط لإضافة حوالى 12 متراً مربعاً من المساحات الخضراء لكل ساكن، على عكس الواقع الخانق للقاهرة. أيضاً من أهم معالم العاصمة مسلة طولها 1000 متر ستكون الأطول فى العالم، والبرج الأيقونى، «أطول برج فى أفريقيا». والبحيرات الاصطناعية، وألفا نقطة تعليم وتدريب، وحديقة التكنولوجيا، والمدارس، والمستشفيات، والمساجد، ومدينة الملاهى التى ستكون أكبر أربع مرات من ديزنى لاند باريس، والتى سيتم تشغيلها بواسطة طاقة الرياح، لذا بدا الأمر جيداً لدرجة يصعب تصديقها. وأكثر الجمل التى أثارت إعجابى فى هذا التقرير أن الموقع أشاد بالعاصمة الجديدة قائلاً إنها عمل يستحق أن يراه أسلافهم الفراعنة، إذا نجح فى إثارة نفس المستوى من الذهول، وكما أن العاصمة الإدارية هى بوابة المرور إلى الجمهورية الجديدة ليس فقط فى التحول فى البنيان، بل سيكون تحولاً فى الأفكار والسلوكيات ونظم الإدارة لمواجهة مشكلات وتحديات واقعنا المعاصر، لذا فإن ضبط الإطار المؤسسى المسئول عن ملف السكان يجب أن يكون باكورة العمل الجاد فى الجمهورية الجديدة، التى يجب أن تحمل رؤية جديدة لملف الزيادة السكانية فى مصر تحمل الأمل والإلهام بمولد مصر قوية رائدة ترفع راية التنمية والرخاء لكل أبنائها المخلصين فى كل مجالات الحياة. مصر الآن أمام فرصة ذهبية لمواجهة حاسمة لمشكلة الزيادة السكانية، فمصر لديها تجربة بارزة فى مواجهة مشكلة الزيادة السكانية، هذه التجربة التى لم تكتمل كما بدأت، ونأمل أن تستعيد مصر هذه التجربة الناجحة فى عهد فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسى، فالرئيس السيسى منذ توليه فى عام ٢٠١٤ وهو يضع قضية الزيادة السكانية فى مصر نصب عينيه، وقد ألقى الضوء مراراً وتكراراً على ضرورة حلها، وعنده طموح كبير وهدف واضح وهو خفض معدل الزيادة السنوية إلى ٤٠٠ ألف سنوياً، وهو حلم كبير لو تحقق سيساهم فى حل الكثير من مشكلات مصر.

ولكن فى النهاية نؤكد ونكرر أن مصر لن تنطلق وتحقق شخصيتها الكامنة بوجهها الحقيقى، إلا إذا تحررت من عبء الزيادة السكانية التى تشل حركتها وتثقل خطاها، وتضغط على أخلاقيات الشعب ونفسيته وشخصيته، بما يهدد جوهر معدنه فى الصميم، لذا فإن ضبط النمو السكانى يجب أن يكون هو كلمة المستقبل، وأن يكون شعارنا الاجتماعى «الحياة الجيدة قبل الجديدة»، وأن يكون التخطيط السكانى، وتخطيط الأرض يعملان فى تناغم وفى طريق واحد؛ لأن كليهما من أهم فصول التخطيط القومى وبداية الانطلاق إلى التنمية الشاملة.

مقرر المجلس القومى للسكان السابق

أستاذ مساعد النساء والتوليد والعقم بقصر العينى