مرصد الأزهر يحذّر من الفراغ الفكري لدى الشباب: يجعلهم صيدا للإرهابيين

مرصد الأزهر يحذّر من الفراغ الفكري لدى الشباب: يجعلهم صيدا للإرهابيين
أكد مرصد الأزهر، أنّه لا يمكن مُدَاواة أي ظاهرة سيئة في المجتمع بعيدًا عن البحث والتحليل في جذورها التي انبثقت منها، ومنها الإرهاب الذي ضرب المنطقة العربية في الأعوام الأخيرة، فمحاربة تلك الظاهرة ومواجهتها لا تكون بالآلة العسكرية فحسب، لأن الإرهاب من حيث النشأة «فكرة»، وبالتالي تكون مواجهته في المقام الأول فكرية، إذ هي أنكى وأمرُّ من المواجهة العسكرية، وإذا كانت المنطقة العربية حققت بفضل الله عبر جيوشها النظامية الوطنية انتصارًا على التنظيمات الإرهابية، لا يمكن القضاء بشكل نهائي على الإرهاب بعيدًا عن اجتثاث الفكرة التي أنشأته، وقطع الطريق على الإرهابيين لاستقطاب مزيد من الشباب.
الفراغ الفكري قنبلة موقوتة
وأضاف المرصد، في تقرير عنه، أنّه ما من شيء يجذب الشباب وغيرهم إلى تلك التنظيمات الإرهابية إلا الفراغ الفكري الذي أصبحنا نعاني منه في هذا العصر، فهو القنبلة الموقوتة التي قد تنفجر في أي وقت، وإذا دققنا النظر في أسباب هذا الفراغ وأردنا أن نعددها نجد أنّها كثيرة، بحيث لا يتسع المقام لذكرها جميعًا، فمنها انعدام الهدف، فالشخص الذي يعيش بلا هدف يكون صيدًا ثمينًا للإرهابيين؛ إذ يستدرجونه ويستقطبونه من خلال صناعة الأهداف التي لم يكن يحلم بها، ففي الدين نجد أنّ لسان حال الإرهابي يقول لمنعدم الهدف ستكون أداة لرفع الظلم ونشر العدالة في الأرض، وإذا مت فأنت شهيد تنعم في الجنة، وبهذا الطريق يدخل الإرهابي لهؤلاء بما يضمن لهم حسن العاقبة في الدنيا والآخرة.
وتابع المرصد، أنّ قلة القراءة وإن شئت فقل: انعدام القراءة -التي هي مستشفى العقول، سبب من الأسباب الرئيسية في انتشار الفراغ الفكري، ومن ثم انتشار أفكار التطرف والإرهاب مع فراغ الساحة التي يقيم فيها الشباب، وامتلاك الإرهابيين أدوات تؤهلهم للدخول والسيطرة على عقول الشباب وإقناعهم أنّ ما يفعلونه هو ما أمر به صحيح الدين، ولو أنّ كل واحد من الشباب المستقطَب قرأ كتابًا يناقش أفكار هؤلاء لاتضح له زيف ادعاءاتهم، إلا أنّ الواقع يحكي لنا مدى الجهل الذي يستغله الدواعش وأمثالهم في استقطاب الشباب.
فيس بوك هو المرجع الفكري لدى كثير من الشباب
ويُرجع بعض المتخصصين السبب في هذا الفراغ، بحسب تقرير المرصد، إلى الثورة التكنولوجية المتسارعة ومواقع التواصل الاجتماعي، خاصة فيس بوك، إذ أصبح هو المرجع الفكري لدى كثير من الشباب الذين يستقون منه مصادر معلوماتهم، دون وجود إمكانية للتثبت من صحة هذه المعلومات.
وتابع المرصد: كشفت دراسة أجرتها جامعة نيويورك في الفترة من أغسطس 2020م إلى يناير 2021م، عن أنّ الأخبار الزائفة على فيس بوك حصدت متابعات أكبر 6 مرات من الأخبار الحقيقية، كما أنّ عدم قيام الأسرة بواجبها كما ينبغي من احتواء للصغار وتربيتهم وتنشئتهم تنشئة صحيحة، تفتقر إلى الضوابط الواجبة في ذلك، واعتمادهم على أساليب غير تربوية كالقسوة، والتسلط، والتمييز في المعاملة بين الأبناء، والصد في المناقشة والتحاور أو منعهما بالأساس، سبب في تفشي آفة الفراغ الفكري.
وزاد: لا شك أنّه مما يترتب على حالة الفراغ الفكري بناء على ما ذُكر، عدم القدرة على المشاركة الإيجابية في صنع القرارات، وحل المشكلات التي قد تواجه من يعاني من هذا الفراغ، وبالتالي ينتج عن ذلك كله فشل وانعدام التطوير والابتكار.
على الجهات التي تشارك الأسرة في التربية التنبه لتلك المشكلة وعلاجها
ويرى المرصد أنّ سبيل العلاج والخروج من هذا يبدأ بالأسرة؛ إذ هي المؤثر في النشأة في المقام الأول، وذلك بتربية أبنائها على وضع الأهداف، والحضّ على القراءة والتثقف بمختلف الجوانب العلوم، وليتعلموا من النماذج التي حصلت على جائزة «تحدي القراءة العربي»، كما أنّ عليهم أن يناقشوا الأبناء بطريقة راقية فيما يُستشكل عليهم من أمور، خاصة ما يثيره أهل التطرف والإرهاب من شبهات، كما يجب على الأسرة مراقبة جوال الأبناء ونصحهم بعدم المكوث عليه طَوال الوقت، لا سيما إذا كان الأبناء صغارًا في السن، وعلى الجهات التي تشارك الأسرة في التربية التنبه لتلك المشكلة وعلاجها؛ فعلى الخطيب أن يراعي تكوين الفكر عند مستمعيه وإيصاله بالشكل المناسب لجميع الفئات الكبار والصغار، ولا يثير شبهة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلا ويرد عليها إن كان أهلًا لذلك، لا سيما شبهات المتطرفين والإرهابيين.
وأتمّ التقرير: «نرى زيادة على هذا أن يقوم الأئمة والوعاظ في المساجد وكذا المدرسة والجامعة بعقد جلسة أسبوعية لمحو الفراغ الفكري لدى الصغار أو الشباب، ويجب أن يكونوا مؤهلين لذلك، وأن يستعان في هذا بالنخبة التي تتهم بمثل هذا لا سيما المشهور منهم، وفيما يخص الإعلام فمن واجب العصر عليه الآن سواء في البرامج أو الأعمال الدرامية (الأفلام أو المسلسلات) أن يتنبه لمشكلة الفراغ الفكري ومعالجتها، مستعينًا في هذا برُوَّاد الفكر في شتى التخصصات، وبالكُتَّاب والروائيين المنشغلين بهموم المجتمع وعلاجها».