محمد فايق.. والتكريم المستحق!

أحمد رفعت

أحمد رفعت

كاتب صحفي

ربما يكون بلا منازع أكبر وأهم وأنبل اسم فى مجال حقوق الإنسان.. ليس فقط لأنه تقريباً قد نذر نفسه لخدمة حركة حقوق الإنسان بكل قيمها النبيلة وليس فقط لأنه فعل ذلك مستنداً على أسس وطنية خالصة لا تضع أى تعارض بين حقوق الوطن وحقوق الناس ولكن لأنه أيضاً فعل ذلك كله ومستقبله خلفه بعد أن قدم لوطنه خلاصة جهده وشبابه وكهولته وشيخوخته مقرباً من الزعيم جمال عبدالناصر يدير إلى جواره أصعب وأخطر وأعقد الملفات وأكثرها سرية وأكثرها ارتباطاً بأوضاع إقليمية ودولية ثم وزيراً مسئولاً عن ملف الإعلام والتوجيه السياسى فى ظل نظام سياسى له توجهات فى المنطقة والعالم وله حلفاء وأصدقاء.. كما له أعداء يقاومون كل ما يفعل ويحرضون ويتآمرون دون توقف.. وقد تولى المنصب الوزارى المهم بعد الوزير المؤسس لبنية الإعلام المصرى الأساسية وواضع شكل وصورة الإعلام المصرى الحديث الدكتور محمد عبدالقادر حاتم.. فسار على الدرب يكمل المسيرة ويبنى أيضاً ويؤسس ليكون صوت الدولة المصرية فى أصعب ظروفها من ٦٧ إلى التنحى ومظاهرات رفض النكسة إلى إعادة بناء الدولة من جديد.. الجيش العظيم والمؤسسات ثم اشتعال حرب الاستنزاف!!

إنه محمد فايق، صاحب الاثنين والتسعين عاماً فى حب الوطن، قضاها فى خدمة مصرنا وشعبنا، ضابطاً فى مؤسسة الوطنية والانضباط.. وفى الصفوف الأخيرة من تنظيم الضباط الأحرار كان ممن ثاروا لتحرير وطنهم من الاحتلال الأجنبى غير عابئ بأى نتيجة إن فشلت الحركة. ثم تبدأ المهام الكبرى.. إلى عالم آخر يحق أن نسميه الدور المصرى العربى والأفريقى الذى ميز تلك الفترة.. وكل واحدة مما سبق عاليه وأشرنا إليه فى السطرين السابقين تستحق التوقف عندها.

فكثيراً ما نتحدث عن دور مصر فى دعم حركات التحرر وتحرير البلاد العربية الشقيقة وتحرير الدول الأفريقية الصديقة والوقوف إلى جانب شعوبها ومَن يمثلهم من حركات التحرر الوطنى، لكن فى أحاديث عامة بغير تفصيل ودون الحديث عن الأبطال الحقيقيين وراء ذلك الدور المصرى العظيم.. فجمال عبدالناصر لم يفعل كل شىء بنفسه ولم يفعل ما فعل إلا بالاعتماد على رجال أدوا دورهم كما طُلب منهم وكما كُلفوا به على أروع ما يكون.. وقد كان محمد فايق -مع حفظ كل الألقاب- فى صدارتهم.

حتى إنه فى مجاله، كان ذراع مصر الحقيقية فى أفريقيا وعقلها المفكر.. وهو -بالمناسبة- المسئول المصرى الذى كان على موعد مع المناضل الأفريقى الأبرز نيلسون مانديلا قبل القبض عليه مباشرة، ليكون صاحب أطول موعد مؤجل إذ كان أن التقى «مانديلا» عقب الإفراج عنه ومازحه الأخير قائلاً: «هذا موعد قد تأخر سبعة وعشرين عاماً كاملة»!

ورغم المزاح السابق، فإننا توقفنا عنده ونسينا أصل الحكاية وجوهر المهمة.. إذ كانت مصر تدعم -من بين من تدعم- ثوار جنوب أفريقيا.. وبالتالى تواجه الفصل العنصرى الذى كان المحتلون والأجانب البيض يمارسونه ضد السكان الجنوب أفريقيين أصحاب البلاد الأصليين وبالتالى كانت مصر فى مواجهة مباشرة مع الغرب كله الداعم لهذا الفصل المخالف لكافة قواعد حقوق الإنسان وفق أى مرجع لذلك.. دينياً أو بشرياً!

وليس مانديلا وحده الذى كان على صلة قوية بالرجل.. بل زعماء نجحوا وقتها بالفعل فى تحرير شعوبهم وبلادهم.. ستجده صديقاً لأغلبهم ممن خلدوا أنفسهم وخلدهم التاريخ كأحمد سيكتورى وسنجور ونيريرى ونكروما ولوممبا، حتى من يؤدون لبلادهم أدواراً مهمة لليوم مثل الرئيس الأوغندى يورى موسيفينى.. وهم يحترمونه ويقدرونه.. ويعرفون أنه رجل مصر الذى واجه الاستعمار البريطانى والفرنسى والبلجيكى والهولندى والإيطالى لأفريقيا.. قارتنا السمراء!!

وعانى محمد فايق من ظلم السجن بغير ذنب ارتكبه.. وقضى من عمره عشر سنوات داخله.. بقضية سيحكم التاريخ عليها كلها فى المستقبل.. ليخرج إلى الحياة وإلى بلده الذى أحبه ليؤسس داراً للنشر ربما تحولت إلى الدار السياسية الأهم عربياً إذ تحولت من خلال كتابها إلى مركز لبحث قضايا الأمة العربية كلها.. وقبيل منتصف الثمانينات ينخرط «فايق» فى حركة حقوق الإنسان العربيه كمدافع أول عن الحريات وحق التعبير والاعتقاد والاختبار إلى كافة الحقوق الأساسية دون أن يترك المجال لأحد أو لجهة لاستغلاله وتوجيهه أو تمويله وهو ابن الدولة المصرية العظيمة!

ما سبق لم يكن مصادفة.. فمن يسهم فى رفع الظلم عن شعوب بأكملها لتنال حريتها.. ويرفع الظلم عنها ويتوقف نهب خيراتها والتمييز ضد أبنائها بسبب اللون يكون منطقياً أن يتحول إلى أكبر داعية عربى لحقوق الإنسان!

وكان طبيعياً، والحال كذلك، أن تكلفه بلاده وقد تجاوز الثمانين عقب ثورة ٣٠ يونيو أن يترأس المجلس القومى لحقوق الإنسان ليؤدى واجبه فيه ومعه وبه على أروع وأفضل وأشرف ما يكون حتى حصل أخيراً على الراحة التى انتظرها بتغيير تشكيل المجلس قبل أيام!

كل ما سبق حيثيات تبدو طويلة لتكريم الرجل.. الذى منع الرحيل المفاجئ لـ«عبدالناصر» أن يكرمه.. ومنع الخلاف السياسى مع الرئيس السادات أن يكرمه.. ومنع التباين مع دور وأهمية حركة حقوق الإنسان فى عهد الرئيس مبارك أن يكرمه.. وقد آن الأوان أن يكرَّم الآن.. فى عهد الرئيس السيسى، الذى يكرّم بالفعل كل من يستحق ذلك.