أسير مصرى فى «67»: «الإسرائيليين كانوا بيقتلونا بالآلاف.. وقواتنا زرعت الرعب فى قلوبهم وأخذنا بالثأر منهم فى حرب الاستنزاف وأكتوبر»

كتب: محمد مجدى

أسير مصرى فى «67»: «الإسرائيليين كانوا بيقتلونا بالآلاف.. وقواتنا زرعت الرعب فى قلوبهم وأخذنا بالثأر منهم فى حرب الاستنزاف وأكتوبر»

أسير مصرى فى «67»: «الإسرائيليين كانوا بيقتلونا بالآلاف.. وقواتنا زرعت الرعب فى قلوبهم وأخذنا بالثأر منهم فى حرب الاستنزاف وأكتوبر»

قال العقيد رجائى رشاد توفيق، أحد أبطال قوات الدفاع الجوى وأحد الأسرى المصريين فى أعقاب «هزيمة 67»، إن حرب أكتوبر المجيدة أخذت بثأر الآلاف من الأسرى المصريين ممن قتلتهم القوات الإسرائيلية بدم بارد عقب إلقاء القبض عليهم بعد «النكسة»، مضيفاً: «كانوا بيقتلونا بالرشاشات، ويحطوا راسنا تحت أسلاك شائكة، ويضربون النار فوق رؤوسنا»، لكن جيشنا العظيم «شفى غليلنا منهم»، عبر زرع الرعب فى قلوبهم أثناء حرب الاستنزاف، واسترداد أراضينا فى حرب أكتوبر المجيدة.. وإلى نص الحوار:

علمنا أنك تعرضت للأسر فى أعقاب «هزيمة 67».. كيف حدث ذلك؟

- تخرجت فى الكلية الحربية عام 1966، وكان لدى 17 عاماً وقتها، وكنا نتمنى الخدمة فى سيناء، وكانت خدمتى فى منطقة تُسمى «أم بسيس الأمامية»، فى أقصى شمال شرق سيناء، وفوجئنا بوجود أوامر بالانسحاب دون خطة، ولكنه انسحاب من أجل الانسحاب، وفوجئنا بالعدو يدخل إلى مواقعنا وغيرها، فلم تكن مواجهة بين مقاتل وآخر، أو جيش وآخر، لأن عملية الانسحاب لم تكن «محسوبة صح»، فى مقابل استعداد العدو للمعركة، وهو الأمر المُخطط لكسر شوكة جمال عبدالناصر، والجيش المصرى، وهو ما لم يحدث، وذلك لمواجهة المبادئ التى كان يُنادى بها «عبدالناصر»، من وجوب حدوث وحدة عربية، وتوحيد الجيوش العربية، وأنه يجب أن ترحل إسرائيل من الأراضى المحتلة بالقوة.

عقيد رجائى رشاد: ضباط المخابرات الإسرائيلية أغرونا بالمال والسيدات لـ«تجنيدنا»

وكيف تم الأسر؟

- بالنسبة لى، ولأى ضابط، أهم شىء سلاحى؛ فلا نتركه قط حتى نذوق الموت، ومن هنا كان كل تفكيرى كيف أنسحب بأفرادى ومدافعى دون خسائر، وحينما بدأنا ننسحب كان الإسرائيليون قد دخلوا مواقعنا، لكننا نجحنا فى الانسحاب دون غطاء جوى، وظللت يومين تحركت خلالهما من أقصى شمال شرق سيناء إلى وسط سيناء، حتى ألقى القبض علىَّ فى «طريق الحسنة»، بعدما شاهدنا العدو يقتل بشكل عشوائى قواتنا أثناء عودتها، ونظموا لنا كمائن لإلقاء القبض على عدد كبير منا.

وما الذى حدث وقتها؟

- وقفونا، وقالوا: «فين الضباط؟»، وألقوا القبض علىَّ أنا ومعى ضابط آخر.

وهل كانوا يتحدثون اللغة العربية؟

- هناك ضباط إسرائيليون يتحدثون اللغة العربية، وكل كتيبة استطلاع أو مشاة إسرائيلية يجب أن يكون فيها شخص يتحدث اللغة العربية.

أجهزتنا طلعوهم من وسطنا فور عودتنا

وما الذى حدث عقب إلقاء القبض عليكما؟

- قالوا للجنود امشوا، ثم ضربوهم بالرشاشات أمامنا ليسقطوا شهداء، وهناك جزء آخر سمحوا لهم بالرحيل، وقالوا لهم: «روحوا لعبدالناصر عشان يشوف عمل إيه فى جيش مصر».

وهل كان عدد الأسرى من رجال الجيش المصرى كبيراً؟

- كان كبيراً بالفعل، من كل الرتب والأسلحة، وكانت المعاملة درجات؛ فقبل تسجيلنا فى «الصليب الأحمر»، كانوا «بيقتلوا فينا واحد ورا التانى كل يوم»، وأتذكر أنه كان معنا واعظ دينى و«كانوا كل شوية يقولوا ليه تعالى صلى على الناس اللى ماتت»، و«كنا نسمع صوت الرصاص وهمّا بيقتلوا إخواتنا وأصدقاءنا».

ماذا عمن عاش؟

- قبل انتقالنا إلى «معسكر الأسر»، كانوا يضعوننا تحت سلك شائك، ليجبرونا أن نظل «موطيين راسنا»، ثم يتم إطلاق نار فوق رؤوسنا حتى لا نرفع رأسنا بأى شكل، لنعرف أماكن أبراج الحراسة أو غيرها، لكى لا نقوم بأى عمل عدائى، أو نهرب، ثم نقلونا إلى «منطقة عكريت»، بالقرب من يافا وحيفا، وحالياً يتم سجن الأسرى الفلسطينيين فيه، لكن الحقيقة أن هناك ضباطاً وعساكر مصريين قاموا بـ«أعمال بطولية داخل معسكرات الأسر».

مثل ماذا؟

- هناك من هرب من الأسلاك الشائكة والأبراج فى توقيتات تغيير الورديات، وهناك من حفر للهروب ونجح، وهناك من هرب فى «عربة القمامة»، ولكن للأسف كان يتم إلقاء القبض عليهم خلال أيام، باستخدام طائرات الاستطلاع أو تتبع آثار الأقدام، أو باستخدام «جواسيس» فى البلدان المحيطة بالمعسكر، وعقب عودتهم «كانوا بياخدوا وصلة تعذيب ما بعده تعذيب».

وكيف تغيّر هذا الأمر؟

- حينما تم تسجيلنا فى الصليب الأحمر، توقفت عمليات القتل المستمرة لأنهم أصبحوا مسئولين عنا أمام المجتمع الدولى، وأصبحنا «محسوبين عليهم»؛ فمثلاً كنا ننام على الأرض، أصبحنا ننام على مخدة ومرتبة ثم سراير، والطعام تحسّن جداً، لكن ظلت معاملتهم سيئة، وبها نوع من الشراسة، ولا توجد آدمية فى تعاملهم.

القوات المسلحة أعدت «نوتة معلومات» لكل فرد بدوره عقب «العبور» وتدربنا عليها.. وكانت أحد أسباب النصر الأساسية.

وهل كانوا مهتمين بالحصول على معلومات معينة من الضباط؟

- لديهم فئتان كانوا مهتمين بهما جداً؛ ضباط الصاعقة والمظلات، والضباط صغار السن، وكنت من الفئة الثانية، وكانوا يريدون الغرس فى رؤوسنا أنهم «قوة عظمى»، وأننا «مش هيقوم لينا قومة تانى»، وأن ما يقوله الرئيس عبدالناصر وما يتم تعليمه لنا فى مصر «خيال»، وكان هدفهم نقل تلك الصورة للآخرين، وهو نفس أسلوب تنظيم الإخوان الإرهابى والتنظيمات المتطرفة، ممن يحاولون «هدم مصر».

وهل تتذكر جلسات التحقيق معك من ضباط المخابرات الإسرائيلية؟

- لم تكن جلسات تحقيق للحصول على معلومات، لكنهم كانوا يقولون مثلاً: «شفت عبدالناصر وداك فين؟»؛ فأرد: «أنا شفت اللى انتم عملتوه فى الإسماعيلية وبورسعيد وغيرهما، لكن هو مضربش تل أبيب.. هو عايز يبعد الشر عنا، لكن انتم اللى ضربتونا»، وكان ردهم: «هو قال هيرمينا فى البحر، ووقف مرور السفن لينا من البحر الأحمر عايز يخنقنا».

وهل نجحت المخابرات الإسرائيلية فى تجنيد ضباط وجنود مصريين؟

- الحقيقة أن الأجهزة الأمنية المصرية «محترفة من يومها»؛ فحينما عدنا وعبرنا قناة السويس، كانوا «بيتنقوا من وسطنا»، ولا نعلم كيف تم ذلك، لكن كان يتم القبض عليهم، ومحاسبتهم على «الخيانة».

وكيف كانت محاولات «التجنيد»؟

- كانوا يغرونا بالمال والسيدات وكل ما يخطر على بال بشر، سواء كانوا رتباً «عالية» أو أقل.

وكيف عدتم؟

- حدثت صفقة تبادل الأسرى، حينما طلب الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عودة كل الأسرى المصريين وجثث شهدائنا فى 67، مقابل طيارين إسرائيليين تم أسرهم، وهو ما تم.

وكيف رأيت الأسرى المصريين كما تم تصويرهم فى فيلم «الممر»؟

- هو أمر مثل الحقيقة تماماً، فكنا نعامل مثلما كان يعامل الأسرى فى الفيلم، بهدف هزيمتنا معنوياً.

وكيف رأيت حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر من بعدها؟

- الحقيقة أن الجيش المصرى أخذ بثأرنا، وثأر كل المصريين، والحقيقة أن «الثأر» لم يتأخر؛ فبعد النكسة بشهر حدثت معركة «رأس العش»، لتتصدى فصيلة مشاة لدبابات وعربات مدرعة لتحبط دخول العدو لبورسعيد، كما دمرنا «المدمرة إيلات» بعد «هزيمة 67» بأيام، كما قام الفريق مدكور أبوالعز، قائد القوات الجوية حينها، بضربة جوية قوية جداً عقب النكسة، لكن يظل الثأر الأكبر، والرد الأكبر هو حرب أكتوبر.

بحكم انتمائك لسلاح الدفاع الجوى.. كيف شعرت عقب إتمام بناء «حائط الصواريخ»؟

- نجحنا عبر هذا الخط فى «كسر اليد الطولى لإسرائيل»، حينما رسم خطا فى الجو على بعد 30 كيلومتراً شرق قناة السويس، وكانت «أى طيارة بتعدى بتقع»، كما زرعت قواتنا الرعب فى قلب العدو، حينما كنا نقوم فى حرب الاستنزاف بـ«عمليات خلف خطوط العدو»، وكنا نلقى القبض على ضباطهم وجنودهم من قلب النقاط الحصينة، مما زرع الرعب فى قلوبهم.

وما كان دورك فى الحرب؟

- كنت أحد عناصر «الخداع الاستراتيجى» دون علمى، عبر صدور أوامر لتوجيهى ورجالى إلى ليبيا منذ شهر مايو حتى قامت الحرب، ضمن الجهود التى كانت تتم لإخفاء نية الحرب.

كانوا يضعوننا تحت «سلك شائك» ويطلقون النار فوق رؤوسنا.. وأبطال جيشنا هربوا من «معسكر الأسر» بالحفر والتسلل

«تحقيق النصر»

نجحنا فى تحقيق النصر عبر تلافى كل أخطاء «67»، وعبر تطبيق المنهج العلمى والتدريب المستمر فى الحرب؛ فلك أن تتخيل أن كل جندى وضابط يعلم دوره تماماً فى الحرب، حتى تم توزيع «نوتة معلومات» لكل فرد، وكانت «نوتة الضابط» و«نوتة الوحدة»، من أسباب النصر، فلك أن تعلم أن من سيرفع العلم كان محدداً، ومن سيهجم على النقطة القوية محدداً وغير ذلك، لأننا تدربنا على ذلك فى أماكن أعدت بشكل مماثل لـ«الجبهة» بالضبط، كما أن حرب الاستنزاف أعطتنا قوة.


مواضيع متعلقة