حكايات من «دفتر العسكرية المصرية» .. «روايات الانكسار.. والانتصار»

حكايات من «دفتر العسكرية المصرية» .. «روايات الانكسار.. والانتصار»
ما زالت حرب أكتوبر المجيدة تجود بأسرارها حتى بعد مرور 48 عاماً على حدوثها؛ فتُقدّم «الوطن» لقرائها هذا العام أسراراً جديدة تُذكر لأول مرة من «دفتر العسكرية المصرية»، حول «صناعة النصر»، بداية من هزيمة عام 1967، مروراً ببداية «الأخذ بالثأر» فى حرب الاستنزاف، وصولاً إلى حرب أكتوبر المجيدة. ويروى البطل نقيب احتياط فتحى عبدالعزيز نجم، أحد أبطال قوات المدفعية، لأول مرة عن أسر «مرتزقة» كانوا يعملون ضمن صفوف الجيش الإسرائيلى فى آخر أيام الحرب، بعد الخسائر الإسرائيلية الكبيرة فى أول أيام الحرب، فيما يروى عدد من الأبطال كيف زرعوا الخوف فى قلب إسرائيل، وتمكنوا من تحقيق خسائر، ومعدلات إنجاز عالية ساعدت فى تحقيق «النصر».
فيتحدث الرائد بحرى سمير نوح، عن بطولات الشهيد إبراهيم الرفاعى فى حربى الاستنزاف وأكتوبر، ويتحدث المقاتل محمد حجازى عن إقامة «كبارى» الاقتحام فى توقيت قياسى.
أحد أبطال «أكتوبر»: إسرائيل استقدمت «مرتزقة» بعد خسائرها أول أيام الحرب
روى النقيب احتياط فتحى عبدالعزيز نجم، أحد أبطال حرب أكتوبر المجيدة، شهادته للمرة الأولى حول «الحرب»، وكشف عن أسره لمقاتل مرتزق فى صفوف إسرائيل يوم 15 أكتوبر، بعدما استنجدت بالخارج لإمدادها بالسلاح والعتاد لمواجهة خسائرها الكبيرة التى لحقت بها فى أول أيام الحرب.
نقيب احتياط فتحي نجم: «كتيبة المشير طنطاوي» كانت مربع جهنم.. و«استماتوا» حتى لا يعبُر العدو إلى الإسماعيلية
ووصف «نجم»، فى حوار خاص لـ«الوطن»، المنطقة التى كان يقودها المشير محمد حسين طنطاوى، بأنها كانت «مربع جهنم»، مؤكداً أن رجاله «استماتوا» حتى لا يعبُر العدو فى اتجاه الإسماعيلية، وأن القوات المصرية حاصرت الثغرة عقب حدوثها، وكانت جاهزة لتصفيتها، وإلى نص الحوار:
ما دورك فى «حرب أكتوبر»؟
- كنت أحد عناصر سلاح المدفعية، وشرفنا بإعداد قوى لوحداتنا تحت قيادة المشير محمد عبدالحليم أبوغزالة، والذى كان مشرفاً على وحدات المدفعية فى نطاق الجيش الثانى الميدانى، وكان دائماً معنا، ثم أصبت، وعقب فترة علاج التحقت بأولى دفعات «التوجيه المعنوى»، التى تخرجت فى كلية الضباط الاحتياط، وكانت تحت إشراف وتعليم مباشر من الفريق أول محمد فوزى، وزير الحربية وقتها.
وزير الحربية دربنا بنفسه على مواجهة «الحرب النفسية الإسرائيلية» وقدمنا له تقريراً بما يؤثر على معنويات جنودنا.. وكانت تُحل في 24 ساعة
وزير الحربية بنفسه يُدرس لطلاب فى توقيت حرب الاستنزاف؟
- نعم، فكانت توجيهات مباشرة من الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، بأننا مثلما نجرى إعادة بناء للقوات المسلحة بالمعدات، تصاحبه إعادة بناء للناحية المعنوية، وكان هناك مجهود كبير للغاية، وأخذنا فرقة كاملة بكلية الضباط الاحتياط فى هذا الصدد، وكان يُدرس لنا أساتذة جامعات وقيادات من الجيش وخبراء «سوفيت».
وما كانت نتيجة هذا التدريب؟
- أجرى التدريب نظرياً وعملياً، وأخذ الفريق فوزى هذا الأمر على عاتقه، وأى مشكلة كنا نكتبها فى تقاريرنا بما يُؤثر على القوات والجنود من الناحية المعنوية، كانت تُحل فى 24 ساعة، وبعد فترة عُدت للعمل فى سلاح المدفعية، وهو سلاحى الأساسى مرة أخرى.
وأين كان موقعك على الجبهة؟
- كنت فى الكتيبة المجاورة للكتيبة التى كان يتولى قيادتها المشير محمد حسين طنطاوى فى الحرب، وكان وقتها برتبة مُقدم، وكنا فى المواجهة مع الإسرائيليين على «الساتر الترابى» قبل الحرب.
وكيف استعددتم للحرب؟
- كنا نجهز كل يوم أنفسنا، وكأننا سنُحارب فى هذا اليوم، لكن شرارات الحرب الأولى كانت يوم 10 سبتمبر، حينما جاء لنا أحد القادة، وقال إن هناك تعليمات باستكمال النواقص فى كل شىء، سواء أفراد أو أسلحة أو ذخيرة، وكان هذا الأمر قد حدث فى شهر مايو من قبل، وتم الاستكمال بالفعل تحت ستار أن هناك «مناورة كبرى قادمة».
«السادات» قال لـ«قادة الجبهة» في 28 سبتمبر: الروس يرفضون إعطاءنا سلاحاً هجومياً.. و«العرب في ضهرنا.. وهنحارب بما لدينا من سلاح.. وسننتصر»
وهل كانت هناك مؤشرات أخرى أننا سنحارب؟
- نعم، فى ذكرى وفاة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر يوم 28 سبتمبر، زار الرئيس الراحل أنور السادات الخطوط الأمامية فى الجبهة، ثم اجتمع مع القيادات، وقال لهم إن الدول العربية «فى ضهرنا»، وإن الروس يرفضون إعطاءنا سلاحاً هجومياً، ولكن نأخذ سلاحاً دفاعياً فقط، والعدو مُصر على عدم التنازل أو إعطائنا أرضنا، ويريد استمرار الوضع على ما هو عليه، ثم قال: «يا ولادى أنا بثق فى ربنا، وبثق فيكم، إن شاء الله هننتصر، وهنحارب بما لدينا من سلاح».
ماذا يعنى بـ«بما لدينا من سلاح»؟
- يقصد أن سلاحنا دفاعى، فكنت على «مدفع هاوتزر»، وعملية التحرك به واستخدامه صعبة، فى مقابل الإسرائيليين لديهم مدفع على دبابة سهل الحركة.
وكيف كانت «ليلة الحرب»؟
- توجهنا للسحور فجر يوم 6 أكتوبر، وكانت التعليمات أن العساكر يتحركون دون «خوذ»، وبحركة عادية، مع تغطية الأسلحة والمعدات بشباك تمويه، لكى لا يظهر كل ما يشير إلى «الاستعداد للحرب»، وعقب السحور وجدنا قائد اللواء يرتدى «الشدة»، وقال لنا: «نلتقى فى سيناء إن شاء الله»، وهنا «روائح الحرب هلّت»، والحقيقة أن دور التوجيه المعنوى فى كسر حاجز الخوف كان كبيراً.
تقصد تخطِّى حاجز هزيمة 1967؟
- وأيضاً الحرب النفسية التى شنتها إسرائيل علينا، فـ«بروفة النابالم»، حينما أحرقوا قناة السويس وحولوا مياهها إلى نار أشعلت الخوف، كما أنهم أتوا بعسكرى إسرائيلى لينزل على الساتر الترابى، ولم يستطع الطلوع إلا بـ«ونش»، ليوصلوا لنا رسالة مفادها أنه من المستحيل أن نعبر، لكننا كسرنا حاجز الخوف بالتدريب الكبير، وخلال «حرب الاستنزاف».
وكيف رأيت حرب أكتوبر؟
- حدثت اشتباكات كبيرة بيننا وبين العدو، لكن الكتيبة المجاورة لنا، وهى الكتيبة التى كان يتولاها المشير طنطاوى كانت «مربع جهنم» الحقيقى، فالعدو كان يهاجمها بجميع أنواع الأسلحة أملاً فى العبور لاحتلال الإسماعيلية، فكانوا يهاجمون بالطيران، والمدفعية، والدبابات، والمظلات، وغيرها، وكان هناك استبسال فوق الوصف من المشير طنطاوى ورجاله، وكان يتم قنص الدبابات، و«الاستماتة» حتى لا يتقدموا صوب الإسماعيلية، فكانت هناك «بطولات خارقة»، لا يستطيع الكلام أن يرويها، لكن العدو مر من «الدفرسوار» فيما يُعرف بـ«الثغرة».
وكيف كانت اشتباكاتكم مع الإسرائيليين؟
- لم تتوقف الاشتباكات معهم يوماً، لكنّ هناك حدثين لن أنساهما، وكان لهما علاقة مباشرة بتدخل أمريكا لمساندة إسرائيل ووصول الجسر الأمريكى يوم 14 أكتوبر، وتحرك إسرائيل لنجدتها من الخارج، فالحدث الأول كان يوم 15 أكتوبر، حينما وجدت شخصاً ضخماً لونه أسود، ويرتدى «أفرول» مصرياً، لكن البنطلون كان قصيراً، وشككت فيه، فناديته، فلم يستجب، فذهبت له، وسحبت «الطبنجة»، وهنا أخرج لى ورق عيادة مصرية باسم «محمد»، ليقول إن لديه مشكلة فى النطق، وحينما رفعت الطبنجة نحوه، قال إنه من إحدى الدول.
أسرت مقاتلاً لدى إسرائيل.. قال: «ما تقتلنيش».. فردّ عساكري: «وأنتم قتلتم أخويا وعمي وأهلي».. فأمرت بحسن المعاملة وتسليمه لجهات الاختصاص للتحقيق معه
إحدى الدول.. تقصد «إسرائيلياً»؟!
- لا، فكان ضمن عناصر «مرتزقة»، استعانت بهم إسرائيل لتعويض النقص فى قواتها عقب خسائرها الكبيرة فى الحرب، وقال إن طائرته أسقطت فى المنصورة، وقال لى باللغة العربية: «ما تقتلنيش»، ليرد عليه العساكر: «ما نقتلكش.. ده انت قتلت أخويا وعمى وأصحابى وقرايبى»، لكنى أمرت بعدم إساءة معاملة الأسير، وتسليمه للشرطة العسكرية، وهو ما تم، ليتم استجوابه.
تقصد أن إسرائيل استعانت بـ«مرتزقة»؟
- نعم، طيارون ومرتزقة أجانب، وهذا ما رأيته بعينى فى الحرب.
كان هذا الحدث الأول، ماذا عن الحدث الثانى؟
- كان يوم 17 أكتوبر، ووجدت عربة استطلاع مدرعة إسرائيلية مقبلة علينا، وبعد ضرب النار تجاهها، تركها الضباط الإسرائيليون، وتركوا متعلقاتهم فيها وهربوا، ووجدنا فيها «ريحة لاكيه»، وعدادها 485 كيلومتراً فقط، أى إنها ما زالت جديدة ضمن الإمدادات القادمة من أمريكا.
هل ترى أن الدعم الخارجى كان نقطة تحوّل فى المعركة؟
- بالتأكيد، فشكوكنا أن الأمريكان «دخلوا بنفسهم» فى المعركة، وليس مجرد إمداد بالسلاح، والدليل على ذلك ضرب دباباتنا بـ«صواريخ التاو»، والتى كانت تذهب لمحرك الدبابة دون أن يرى الصاروخ، وهو أمر لم يكن موجوداً لدى إسرائيل، ولم يتدربوا عليه، وأغلب الظن أن عساكر أمريكان من كانوا يضربون تلك الصواريخ.
وبحكم وجودك فى «منطقة الثغرة».. هل كنا قادرين على تصفيتها بالفعل؟
- موقف الإسرائيليين كان «وِحش»، نظراً للإصابات والخسائر الكثيرة لديهم، مثلما كان هناك خسائر كبيرة من جانبنا أيضاً، لكننا «وقفنا رجالة فى وشهم»، وكان الفرد يواجه مدرعة ودبابة، وكانت هناك «مشاهد بطولية غير طبيعية»، فكنت ترى الأبطال فوق الدبابات وتحتها، و«آر بى جى» يضربها، وغيرها.
وهل كنا قادرين على «تصفية الثغرة»؟
- نعم، فمصر نجحت فى تجميع وحدات لمحاصرة الثغرة، وكنا قادرين على تصفيتها، ولكن وقف إطلاق النار حال دون ذلك، وعقب الوقف كان الجميع يتسابقون على المعابر فى محاولة للعبور لسيناء للحفاظ عليها من العدو.
صاروخ يطلق 400 «قنبلة بلْي» في المرة
كنا نرى خسائر فى الدبابات، ورأينا «دبابات بتولع، ويهود بيجروا»، لكن كثافة الدبابات الكبيرة جعلت البعض يعبر ويحاول دخول الإسماعيلية ولم ينجحوا، وفجّرت القوات المصرية «كوبرى الإسماعيلية» لعدم العبور، وعبرت بعض القوات للضفة الغربية لمواجهة من قد يعبر، والحقيقة أن كتائب الصاعقة والمظلات أوقفت القوات الإسرائيلية، بالإضافة للمدفعية، لكن كان الإسرائيليون يلقون «قنابل بلْى»، وهى قنبلة فى حجم البرتقالة، تُطلق عبر صاروخ يقذف 400 قنبلة، ولا يوجد وقت معين لانفجارها، فقد تنفجر فى أى وقت، وتم تطهير الأرض منها بعد انتهاء الحرب.