دار الإفتاء التي تحتاج الدعم
التقيت الدكتور مفتى الجمهورية شوقى علام وجهاً لوجه لأول مرة داخل دار الإفتاء فى عام 2016 تقريباً، عقب ورشة عمل حول (تشريح العقل المتطرف) وساعتها تحدّث مع مجموعة الخبراء والباحثين بتواضعه المعروف، وعلمت أن لديه رؤية كبيرة فى تجديد الخطاب الدينى، وكيف يجعل الدار مرجعية فقهية إسلامية رائدة فى صناعة الفتوى والعلوم الشرعية، يلجأ إليها الأفراد والمؤسسات محلياً وإقليمياً وعالمياً. الآن وبعد مرور هذه السنوات، ومن خلال الكثير من المشروعات والمبادرات المهمة، التى نفذتها دار الإفتاء المصرية، أوفى المفتى بعهوده التى قطعها عن طريق فريق عمل رائع يقع فى القلب منهم د. إبراهيم نجم، مستشار فضيلة المفتى، وعبر برامج متعدّدة ومتنوعة كان هناك أثر واضح لتلك المجهودات فى القضية التى تشغلنا جميعاً، وهى مكافحة التطرف العنيف، ليس فقط على المستوى المحلى، ولكن على المستوى الدولى كذلك.
لقد توسّعت الدار خلال السنوات الماضية فى إنشاء مجموعة مختلفة من الإدارات والأقسام الجديدة لضمان الوصول إلى جميع الشرائح داخلياً وخارجياً، منها إدارة (الفتوى الشفوية - الفتاوى الهاتفية - الفتاوى المكتوبة - الإلكترونية بعشر لغات - إدارة الحساب الشرعى - إدارة التعليم عن بُعد لتدريب المبتعثين على الفتوى - الترجمة - الموقع الإلكترونى - مجلة دار الإفتاء - إدارة فض المنازعات).
وأنشأت دار الإفتاء المصرية ١٨ صفحة بعدة لغات على مواقع التواصل الاجتماعى تعدّى المتابعون لها ١٢ مليون متابع على صفحاتها المتعدّدة ومواقعها المختلفة، أهمها الموقع الرسمى للدار، والصفحة الرسمية لها، والصفحات التى تعالج الفكر التكفيرى مثل (داعش تحت المجهر).
وكان أهم أعمال دار الإفتاء المصرية إنشاء الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم بالقاهرة عام 2015، بحضور أكثر من ٨٠ دولة من مختلف دول العالم، والذى يحرص كل عام على عقد مؤتمر دولى لمناقشة أهم مسائل التجديد والإفتاء، وكان فى دورته الأخيرة قد اهتم بالتحول الرقمى والإفتاء فى عصر الرقمنة. كما أنشأت دار الإفتاء المصرية وحدة معنية برصد المستقبل الإفتائى بهدف إنارة الطريق للباحثين والمفتين الجدد، لما يمكن أن تكون عليه قضايا الإفتاء فى المستقبل.
ورغم معوقات كثيرة لا يسع المجال لذكرها إلا أن دار الإفتاء المصرية أعلنت مؤخراً أنها بصدد إطلاق رسمى لمركز دراسات دولى كبير، وهو (مركز سلام لمكافحة التطرف)، ليكون مركزاً بحثياً وعلمياً وفكرياً، يعمل تحت إشراف الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، ويعنى بشكل متفرد برصد وتفكيك وتحليل ظاهرة التشدّد والإرهاب باسم الدين. يرتكز المركز على أسس علمية رصينة فى تعميق المناقشات العامة والأكاديمية والدينية المتعلقة بقضية التشدّد والتطرّف، ودعم عملية صُنع السياسات الخاصة بعملية مكافحة التطرّف، وقاية وعلاجاً.
لقد عانت مصر ودول كثيرة فى العالم من التطرف والإرهاب، ولقد طالب الرئيس فى أكثر من مناسبة بتجديد الخطاب الدينى، وكانت دار الإفتاء سبّاقة فى العمل على تحقيق شمولية مواجهة التطرّف والإرهاب عبر تناول الأبعاد الدينية والإنسانية والاجتماعية والفكرية فى عملية المكافحة، وتقديم توصيات وبرامج عمل لكيفية مواجهة تلك الظاهرة، ومحاربتها والقضاء عليها.
وفى سبيل تلك الجهود التى تقوم بها تلك المؤسسة المهمة، فإننا نرى أنها كانت تحتاج إلى دعم معنوى كبير، وبالفعل تلقت هذا الدعم من السيد الرئيس الذى اعتبر أنها مؤسسة ذات طبيعة خاصة، وذلك فى قانون صدر فى الجريدة الرسمية.
وأعتقد باطلاعى على بعض الأعمال التى تنوى عملها خلال الفترة المقبلة أنها تحتاج إلى دعم مالى كبير، إضافة إلى أن نقف كلنا وراءها، داعمين محددات استراتيجيتها ورؤيتها والقيم الحاكمة لها، ونعطى فريق عملها الفرصة والثقة لكى يكملوا ما بدأوه، طالما أنها أصبحت المؤسسة الدينية الحقيقية التى تتصدى بحزم للتطرف والإرهاب.