عن نبذ التعصب الرياضي.. أليس بينكم رجل رشيد؟!
مخطئ من ينكر أننا نتخذ المسار الرياضى الخاطئ طالما ما زلنا ننظر للمنافسة الرياضية على أنها خناقة يجب أن يُقتل فيها طرف ليفوز الطرف الآخر.
صراحة، علينا أن نعترف أن الوسط الرياضى أصبح مريضاً بالتعصب، وتحول معه الأمر إلى ما يشبه الحرب الكروية بين جماهير وإدارات الأندية الكروية فى مصر، وأخص هنا بالتحديد تلك النعرة العصبية والحرب الكلامية الدائرة بين أكبر ناديين فى مصر والوطن العربى وأفريقيا، بل ومن أكبر الأندية فى العالم من حيث الشعبية والجماهيرية والانتشار، الأهلى والزمالك، أو الزمالك والأهلى.
فالأجواء أصبحت مسممة بحالة عصبية معقدة ومتشابكة، ساهمت فيها وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعى، سامحها الله، وما يغذى تلك المعركة من أفراد افتراضية مجهولة، يهمها فى المقام الأولى إشعال نار الفتنة الكروية فى مصر لإدراكها أهمية الكرة بالنسبة للمجتمع المصرى، وللأسف انزلق الآلاف بل الملايين من أبناء الناديين الكبار خلف تلك الفتنة المجنونة.
دعونا نعترف أن كرة القدم تشكل جزءاً مهماً وحيوياً فى الحياة الاجتماعية المعاصرة، فلم تعد الرياضة أمراً فردياً يمارسه الإنسان بمفرده أو بصحبة رفاقه فحسب، بل أصبحت ظاهرة اجتماعية وسياسية بقدر ما تشغله من حيز كبير فى العالم وفى وسائل الاتصالات المقروءة والمسموعة والمرئية، ثم جاءت وسائل الاتصالات الإلكترونية لتزيد درجة الاهتمام القصوى من جميع شرائح المجتمع بلا استثناء.
الأندية الرياضة، خاصة الأهلى والزمالك، من أكبر الأحزاب فى مصر، والانتماء الرياضى أصبح يفوق بمراحل الانتماء السياسى. وإذا وضعنا فى الحسبان تقاطع الرياضة مع السياسة والاقتصاد فى المجتمع، فإن الأمر يبدو أكثر أهمية وخطورة فى ظل تصاعد ظاهرة التعصب التى تجاوزت كل حدود اللياقة الرياضية والهدف الأساسى منها فى نشر مبادئ المحبة والسلام والتقارب بين الشعوب وبين الجماهير والترويح الرياضى والتنافس الرياضى الشريف.
فالحوار الرياضى العاقل فى الساحة الرياضية المصرية غائب، والغوغائية والسب والقذف والتنابز هو السائد الآن بين أكبر ناديين، والجميع يشاهد ويتفرج دون وجود رجال راشدين عقلاء للتدخل ووقف ومجابهة تلك الحرب الضروس التى أفسدت الأجواء الرياضية ووأدت الحوار الرياضى الصحى وخرجت بمفهوم وأهداف اللعبة عن مسارها الصحيح إلى ظاهرة مقيتة اسمها التعصب الرياضى الذى يعيق النهوض بالرياضة كأحد عناصر الصناعة فى المجتمع مثلما يحدث فى العالم الخارجى.
الأمر يحتاج الآن إلى وقفة حقيقية من جميع الجهات المعنية فى الدولة ومن العقلاء والراشدين من أبناء الناديين لمعالجة هذه الظاهرة السلبية واللجوء إلى الحوار بدلاً من «الصياح وتبادل الاتهامات والشتائم»، بما يعطى النموذج والقدوة السيئة للشباب والمجتمع ككل، فإذا كان هذا ما يحدث بين أكبر ناديين رياضيين فى مصر المفترض أن مهمتهما تربية الشباب والنشء على الأخلاق الرياضية والمنافسة الرياضية فى إطار الروح الرياضية السليمة، فكيف نعيب على ما يحدث من مظاهر عنف وعصبية وتعصب داخل المجتمع؟!
إنها دعوة لقادة الرأى فى مصر من عقلاء المجتمع ورموزه لطرح مبادرة لنبذ التعصب وتفكيك حالة الاحتقان الكروى بالحوار الهادئ المتزن والتقريب بين وجهات النظر بين الناديين الكبيرين ومحاولة تمهيد الأجواء للقاء بين الإدارتين والرئيسين.
لسنا فى حاجة إلى تشريعات أو قوانين لوقف التعصب الكروى، فلدينا من القوانين غير المطبقة الكثير. ما نحتاجه الآن هو التدخل العاقل من لجنة حكماء موسعة من مثقفين ورجال أعمال وسياسيين ولاعبى كرة ينتمون إلى الناديين لنزع فتيل قنبلة موقوتة فى المجتمع الرياضى، خاصة أننا مقبلون على جمهورية جديدة قائمة على الأخلاق والعمل، وضع حجر أساسها الرئيس عبدالفتاح السيسى.