خسائر الدواجن !

لا أحد يتصور أن هناك مسئولاً حكومياً يتربح مالياً أو معنوياً من خسارة الاقتصاد المصرى نحو 4.5 مليار جنيه سنوياً فى باب تربية الدواجن وتفريخ كتاكيت التسمين فقط، وهما الركنان الحاكمان فى صناعة الدواجن، أحد أهم أبواب تأمين الغذاء ومكافحة الفقر والجوع والبطالة فى مصر.

ولمن تُعجزه الحسبة، فإن مصر تنتج كل صباح، فى الوقت الراهن، نحو 3 ملايين دجاجة (نحو 4 ملايين كيلو حى قائم) من نحو 3.15 مليون كتكوت، حيث تقف نسبة النفوق فى القطعان عند معدل أقل من المسموح (5٪)، بسبب تراجع مؤشر الأوبئة صيفاً، ومع هذا الإنتاج يزداد العرض، فينخفض سعر البيع إلى أقل من التكلفة بنحو 3 جنيهات لكيلو دواجن التسمين، و2 جنيه لكتكوت التربية، (19.5 جنيه لكيلو الدواجن الحية فى المزرعة، و5.5 جنيه للكتكوت).

المدهش فى هذا الباب، ظهور دواجن مستوردة أوكرانية، تُباع فى ثلاجات سلاسل التجزئة بسعر 40 جنيهاً للدجاجة (1100 جرام)، على الرغم من وجود لجنة منظمة للاستيراد، تم تشكيلها بتوجيه رئاسى وقرار من مجلس الوزراء، تختص بعرض جميع طلبات الاستيراد عليها للنظر فيها، والحكم على أهميتها لموازنة الأسعار أو سد العجز فى الإنتاج المحلى.

وبالحسبة العلمية لنسبة التصافى، نجد أن الدجاجة الأوكرانية (زنة 1100 جرام) جاءت من دجاجة حية وزنها قبل الذبح نحو 1.5 كجم، وهذا الوزن حياً فى مزارعنا المصرية يباع حالياً بنحو 29.5 جنيه فقط، والأخيرة طازجة، مذبوحة حلالاً، غير مخزنة أكثر من 9 أشهر فى ثلاجات بلد منشئها كخزين استراتيجى وجب تجديده.

هذه المعلومات لا يقدر على «افتكاسها» شخص، ولا يستطيع كائن مَن كان أن يوثقها دون معلومات ثبوتية مستقاة من أرض الواقع، التى تُجسِّد خيبات المربين مع الحصاد المر، والخسائر المتتالية دورة بعد أخرى، حتى يهرب مَن يهرب، ويُسجَن بديونه مَن يُسجَن، حتى تصدى الرئيس السيسى بنفسه لهذه المجازر التى تضر الاقتصاد القومى، وتمس الأمن المجتمعى فى عدة أركان حيوية.

من يقرأ هذا الحديث من المسئولين الحكوميين المعنيين بملف الغذاء، خاصة وزارة الزراعة، سيبادر بذكر اللجنة العليا التى أمر الرئيس السيسى بتشكيلها لدراسة مشاكل صناعة الدواجن ووضع حلولها بآليات تنفيذ واقعية، وستعقد اجتماعها الأول مطلع سبتمبر المقبل، وعليها تنعقد آمال عريضة.

عزاؤنا أن اللجنة تم تشكيلها بمعرفة رئيس مجلس الوزراء، وأنها برئاسة وزير الزراعة ونائبه، وهما شخصان يحملان بصدق هموم الصناعة كملف ساخن ضمن جميع ملفات الأمن الغذائى المصرى.

المعلومات المتاحة تقول إن اللجنة تضم رئيس اتحاد منتجى الدواجن ونائبه، ومربياً صغيراً ومثله من الكبار، ثم 4 من أساتذة الجامعة فى تخصصات الاقتصاد، والتغذية والأمراض، ثم ممثلاً لوزارة التموين، وجهتين سياديتين، وما يؤخذ عليها من ممثلى صغار المربين أنهم (أى الصغار) ينتجون نحو 70٪ من الإنتاج الداجنى المصرى ولا يتناسب حجم تمثيلهم فى اللجنة مع حجم إنتاجهم وعرض آمالهم فى حلول جذرية لمشاكلهم.

الحلول التى ينتظرها الكبار والصغار لا تتجاوز آليات تنظيم ذاتية من أرباب الصناعة أنفسهم، كونها صناعة أهلية 100٪، ومنها باختصار: ضمان سعر ثابت للكتكوت طوال العام، لا يتجاوز 7 جنيهات، من خلال تنظيم استيراد الجدود التى تنتج أمهات التسمين، ويحتكرها عدد قليل من الشركات الكبرى، ثم الجدية فى تأسيس شركة مساهمة مصرية لتسويق الدواجن، يسهم فيها كبار المنتجين، والسماسرة والتجار، والبنوك، وطرح 30٪ على الأقل من أسهمها للاكتتاب العام فى البورصة.

وأخيراً، ما يُناط باللجنة العليا وأرباب المهنة، توفير قروض سريعة بفائدة البنك المركزى 5٪، لتأهيل عنابر صغار المربين وتشغيلها، بالتنسيق مع الشركات المتكاملة، لأن إنعاش حلقة التسمين هو الأهم فى كل حلقات الصناعة.