رضا عبدالسلام.. أسطورة العزيمة
• طفل بلا ذراعين يخرج من بطن الأم يصعق الجميع فتلجمهم المفاجأة، ولولا ثبات الأب وحكمته ما انتهى هذا اليوم بسلام، فقد حمل الصبى وقبَّل رأسه وصلى ركعتين مناشداً ربه: «يا رب أنت الذى خلقته هكذا، وأنت الذى تسيّره فى الحياة، يا رب أنا تركته لك».
• كان الدعاء والركعتان هما الطريق إلى النجاح الكبير الذى حققه هذا الطفل فى حياته حتى وصل إلى منصب رئيس إذاعة القرآن الكريم، فى سابقة فريدة فى تاريخ مصر، ولولا اهتمام مصر الآن، حكومة وشعباً، بذوى الهمم ما وصل مثله إلى هذا المنصب الرفيع.
• علَّمه والده الإرادة، وبث فيه العزيمة، وجعله منذ صغره يصنع كل شىء بنفسه، عندما جاء أوان دخوله الابتدائية رفضته كل المدارس فأخذه والده إلى وكيل الوزارة قائلاً: «لو أن لك ابناً مثله هل ستعلمه أم لا؟»، فدُهش الرجل وحمل الأب ابنه وأجلسه على المكتب وأمره أن يكتب اسمه واسم مدرسته التى يريدها، وقال له الوالد: إن رفضت سأذهب إلى جمال عبدالناصر به، فما كان من الرجل إلا أن وافق وهو فى حالة ذهول من طريقة كتابته الجميلة بقدمه، فى المدرسة تدرب على الكتابة بأسنانه.
• كان لعبدالوهاب مطاوع، رائد الصحافة الاجتماعية المصرية، فضل عليه، إذ زكاه للعمل مذيعاً لدى فهمى عمر، وكان صعيدياً شهماً ورائداً إذاعياً مرموقاً.
• رُفض مرات كمذيع هواء، فذهب بنفسه إلى حلمى البلك وأخذ يشرح له علمياً صلاحيته كمذيع هواء، وطلب منه أن يُمتحن، وأخيراً امتحنته اللجنة ليصبح أول مذيع هواء فى العالم بلا ذراعين.
• وهو المذيع الثالث فى تاريخ الإذاعة الذى يحصل على امتياز فى اللغة العربية من العلامة كمال بشر، بعد العبقريين أمين بسيونى وفاروق شوشة، وأهداه يومها هدية ما زال يفخر بها حتى اليوم ضمن المئات من شهادات تفوقه ونبوغه وعلو هامته وفكره.
• يقول عنه صديق عمره محمد لطفى، مهندس الصوت فى إذاعة القرآن الكريم: «همته من فولاذ، تلهم كل من حوله، حاول الكثيرون إسقاطه وإهالة التراب عليه ففشلوا وارتفع هو دون حقد أو ضغينة أو رغبات انتقام، صديق متمرد بقلب من ذهب، طيب الشمائل والصفات، يحترم الصغير والكبير، ويبدأ بأفقرهم وأبسطهم، يهتم بمظهره رغم صعوبة ذلك، دمث الخلق إلى أبعد حد، نقى القلب لا يحمل غلاً ولا حقداً لأحد، عفويته وعدم تكلفه تخترق قلوب الآخرين».
• هكذا قال عن الرئيس الرابع العشر لإذاعة القرآن الكريم، التى تحظى بالمكانة الأولى فى معدل الاستماع رغم ضعف إمكانياتها المادية، ولكن هذه الإذاعة العريقة تكتسب بركتها وعظمتها وريادتها من عظمة القرآن وسنة النبى الكريم، ويكفى أنها الأقل فى النفقات والأعلى فى الاستماع بلا منازع، إنها جوهرة البيوت وسلوى المصريين ورسول الهداية إليهم.
• أما صاحبنا فلم يكن مجرد مذيع تقليدى ولكنه مبدع فى كل شىء، ومن تأمل برنامجاً واحداً مثل «سيرة ومسيرة» فسيجد فيه تأريخاً لأهم علماء مصر عبر التاريخ، هذا فضلاً عن عشرات البرامج الأخرى.
• لم يكتف بذلك بل دخل ميدان التأليف فأنتج أربعة كتب رائعة كتبها بالقلم الذى يضعه بين أسنانه، تصور كيف كتب بهذه الطريقة آلاف الصفحات، وأشهر كتبه «نقوش على الحجر»، وهو الذى سطر فيه سيرته الذاتية، وأهدانى بخط يده نسخة منه.
• لخص حياته فى سطور فى آخره: «هذه حياتى آية لمن ظن ألا تحيا فعاشت تنقش النقوش على أحجار الحياة، هذه حياتى روحاً ونفساً سكنت فى مهدها أمى وأبى قلباً وعطفاً وصدراً وثيراً وحدباً ودفئاً، هذه حياتى طفلاً بلا جناحين مجهول الطالع، يطرق على أبواب قدر الله الذى يفتح للسالكين إليه الدرب، فيحبو ويقف ويسند الظهر المتعب على جناب فضل الله، فتستحيل الوهدة سلماً للصعود والترقى، هذه حياتى تلميذاً مطروداً من رحمة البشر الناقمين عليه نعمة الحياة، يمسك بين فكيه القلم ليكتب درساً لمن عجزوا عن رؤية العدل الإلهى فى خلقته، هذه حياتى مذيعاً يسبح صوته فوق موجات الهواء، يعلن أن صاحبه خاصم العجز وصادق فى الطريق وجه السلامة وبث للمستحيل لحن التوافق والقبول، هذه حياتى زوجاً يحمل طوقاً من الفضل لمن سهرت عمراً على بابه تنتظر النداء».
• ترؤس رضا عبدالسلام «إمام ذوى الهمم» لإذاعة القرآن الكريم يعد رسالة من الدولة المصرية أنها لن تتخلى عنهم، والحقيقة أن الاهتمام الحقيقى بهم لم يبدأ علمياً إلا فى عهد الرئيس السيسى.
• تحية لأهل العزمات فى الصلاح، الذين يؤمنون بأن الإعاقة الحقيقية فى الفكر والقلب لا فى الجسد «ومن يعيشون مع حكمة السلف» من قرع الباب يوشك أن يفتح له، وباب الله لا يغلق أبداً.