الرضا بالقسمة والنصيب!

عادل السيوى

عادل السيوى

كاتب صحفي

عجيب حال الناس فى هذه الحياة، فمنهم الغنى بالرضا، وطيب النفس يحمد الله على نعمه ويشكره ولا ينظر إلى ما ليس من حقه أو يحقد على النعم التى أعطاها الله لغيره، سواء كانوا أغنياء من عرض الدنيا أو ليس عندهم من عرضها ما يغنيهم. وقد قال الرسول ﷺ «ليسَ الغِنَى عن كَثْرَةِ العَرَضِ، ولَكِنَّ الغِنَى غِنَى النَّفْسِ». ومنهم ذوو النفوس الفقيرة، الذين مهما أوتوا من عرض الدنيا ازداد فقر نفوسهم فازدادوا طمعاً وحرصاً على الدنيا وزينتها، وازدادوا كبراً وطغياناً وإفساداً.

وهذا ليس بغريب، فقد أعلمنا الله بحال الإنسان فى هذه الدنيا، فقال تعالى «إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً» (الإنسان آية 3)، وقال تعالى «وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا» (سورة الشمس الآيات (7، 8، 9).

هذا الإعلام من الله هو السبيل والطريق، ليختار كل إنسان فى هذه الدنيا الطريق الذى يسلكه، فإما أن يزكى نفسه ويطهرها، وإما أن يُدسِّى نفسه باختياره طريق الضلال فيُخفِى بضلاله مزايا إنسانيته الطيبة التى فطره الله عليها.

وإذا علمنا هذا واختار كل منا طريقه الموصلة لغايته، فلا نعجب أو نُصدَم مما نراه من افتئات وطغيان بعض أصحاب المليارات من أصحاب النفوس الفقيرة على حقوق الآخرين وحقدهم على كل نعمة أتاها الله لغيرهم، إذ إن أنفسهم من طغيانهم تعدت مرحلة أن تكون آمرة بالسوء بل صارت أمَّارة به لا تسعد ولا ترضى إلا به ولا يملأ نفوسهم ولا أعينهم جاه أو مال، بل إن نفوسهم تحولت إلى أكبر ثقب أسود يبتلع كل شىء ولا يكتفى.

.. والطمع هو أشد صفات النفس البشرية دناءة، إذ لم تتسامَ هذه النفس لتواكب نفخة الله وهى الروح وتحترم اقترانها بها حتى تكون الإنسان. والمثال الأكبر على ذلك هو قارون الذى امتلك كنوزاً كان من الصعب على مجموعة من الرجال الأقوياء حمل مفاتيح خزائنها، ومع ذلك كان يرفض أن يؤدى ما عليه من زكاة وصدقات أو ما شابه ذلك، لكون نفسه قد تحولت إلى ثقب أسود لا ترى النور، وللأسف بقيت وستبقى القارونية سمة بعض النفوس البشرية ليوم القيامة هذه النفوس التى نرى منها فى مجتمعنا من يملكون من المليارات الكثير ولا يؤدون حقوق الله فيها، بل أكثر من ذلك لا يكتفون بها، ويقولون هل من مزيد، فيستحلون سرقة المال العام، مال الوطن وسرقة الوطن ذاته، الذى اعتبروه والناس فيه ملكاً لهم.

هذه النفوس القارونية ممن يسكنون القصور المنيعة ويتنعمون فى منتجعات الضلالة تلك المنتجعات التى يُرتكَب فيها كل ما حرمه الله ويُجهر فيها بالمعصية، بل يُتباهى بها ويُتنافَس فيها، هذه المنتجعات والقصور التى يتحدى فيها جبابرة الأرض من القارونيين مالك الملوك، واهب النعم، بالفجور فى الفساد والإفساد حتى إذا أخذهم بعذابه لم يُفلتهم.

وعندما نتأمل هذه النفوس القارونية الفقيرة سندرك أنهم غلبت عليهم شقوتهم وضلالهم وإفسادهم وأصبحت نفوسهم فاجرة لا تشبع ولا تَغنى، فهى كالثقب الأسود الذى يلتهم كل شىء ولا ينفذ من خلاله النور أبداً، بل يزداد اتساعاً وإظلاماً، فقد خُتم على قلوبهم فازدادوا مرضاً ومُدّ لهم فى الضلالة مداً «قل من كَانَ فِى الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَداً»، واشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم عند الله وما كانوا مهتدين.

فلنحمد الله أننا نعيش فى منتجع المستورين، وأن بصرنا الله بهذه النفوس القارونية وبحالهم وجعلنا من أهل الرضا بنعم الله علينا وجعلنا على خُطى أهل العلم الذين يُذكِّرون كل من يتمنى أن يكون قارونياً بقوله تعالى فى قصة قارون «فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِى زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِىَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {79} وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ {80} فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ {81} وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ {82} تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِى الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ {83}» (سورة القصص). وإذا علمنا هذا فليمض كل منا إلى غايته وليعمل على ما يحسن دنياه وآخرته وليعلم أن وجود هؤلاء الناس إنما هو ابتلاء من الله له فى هذه الحياة، هل سيضعف ويتمنى أن يكون مثلهم يحذو حذوهم ويقتدى بهم، أم سيثبت على سبيل الرشاد، قال تعالى «وَهُوَ الَّذِى جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِى مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ» (سورة الأنعام آية 156).