ثقافة البوركيني

وليد طوغان

وليد طوغان

كاتب صحفي

«البوركينى» ليس حرية شخصية. «البوركينى» دلالة على تغيرات ثقافية حادة فى بنيوية المجتمع المصرى.

ملابس المجتمعات إشارة إلى دلالات التفكير. وهى إشارة أيضاً إلى الخرائط الذهنية فى المفهوم الجمعى.

للهدوم فى كل دول العالم دلالة على طريقة التفكير وعلى السلوك وعلى المتوقع من السلوك.

على الإنترنت صور كثيرة ومختلفة لزوجات مشاهير قراء القرآن الكريم فى مصر زمان بلا حجاب ولا غطاء رأس. أشهر الصور للشيخ أبوالعينين شعيشع والسيدة الفاضلة زوجته رحمها الله بلا غطاء رأس.

وقتها لم تكن دول تصدير «البوركينى» قد ظهرت بعد. ووقتها لم يكن المجتمع يخلط خلطاً معيباً بين حسن المظهر وبين الفوضى بمزاعم الحريات. وكما أن لمفردات اللغة دلالات ثقافية، فإن لثقافات الزى دلالات اجتماعية. إحدى أزمات الشارع المصرى فى الـ30 عاماً الماضية هى فى الخلط بين حدود اللياقة وبين الفوضى بدعوى الحرية الشخصية وحرية الرأى وحرية التعبير!

المعضلة فى تماهٍ واضح بين القواعد والأطر الاجتماعية الواجبة، وبين مطالبات بمفاهيم مشوهة لمعانى الحريات. النتيجة صدام فئوى وفوضى وكلام فارغ على مواقع التواصل وعلى حسابات فيس بوك وتويتر.

المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً. العرف فى التحليل الاجتماعى يشبه القانون.. أو هو قانون.

و«المايوه» هو العرف الاجتماعى لملابس البحر. «البوركينى» مخالفة واضحة لقواعد اجتماعية بحجج مستوردة. وملابس البحر على الطريقة «البوركينية» تشويه متعمد لكود متعارف عليه عالمياً.

فى المجتمعات المتحضرة يجوز إقرار «كود ملابس» لضبط السلوك الفردى.. وتنظيم السلوك العام.

حسب كود الملابس فى المجتمعات المتحضرة، لا يجوز دخول المطاعم بملابس الرياضة، كما لا يجوز دخول دور الأوبرا إلا بملابس السهرة والبدلة والكرافت.

الأسبوع قبل الماضى منعت شركة طيران أمريكية مشهورة راكبة من الصعود لطائرة بملابس عارية لا تتناسب مع أكواد الملابس المقررة من الشركة.

فى المجتمعات المتحضرة لا يجوز بأى حجة النزول للشوارع عارياً، مهما كان قدر الحرية الشخصية ومهما كانت المبررات. العُرى فى الشارع يخالف أكواد استخدام الشوارع.. وإلا «يبقى البعيد مجنون»!

خلاف «البوركينى» فى الشارع المصرى نزاع ثقافى. «البوركينى» دلالة على ما تركه التطرف من ترسبات فى أفكار البعض.. ونتيجة لاغتراب نفطى خليجى لدى آخرين. فى المجتمعات المتحضرة لا يجوز الدفع بالحريات الشخصية فى مواجهة القواعد العامة المنظمة.

المسألة هنا ليست دفاعاً عن «بيكينى» ضد «بوركينى». لكن المعضلة فى وجهات نظر دخيلة على الهوية المصرية تحاول أن تحشر مصطلح الحرية الشخصية لإقرار ثقافات لا يعرفها المصريون على المصريين.. وعلى الشارع المصرى وعلى الهوية المصرية.

ثقافة البوركينى أزمة اجتماعية.

والأزمة ليست فى مجرد رغبة بعضهن فى نزول حمام السباحة على طريقتهن، ووفق هواهن من ملابس. الأزمة فى طبيعة أفكار تدفع بقوة وبجسارة إلى تغيير الهوية المصرية.. بحجة الحريات والحاجات والسقا مات!!

لو جاز البوركينى فى حمامات السباحة بالفنادق والمنتجات السياحية الساحلية من منطلق الحريات فى مصر، لجاز دخول أوبرا باريس بالشورت والتى شيرت انطلاقاً من أن فى فرنسا يستطيع كل فرد أن يفعل ما يريد دون أن يكلمه أحد!