شارع نوال ومحور جيهان السادات

غادة لبيب

غادة لبيب

كاتب صحفي

لم أعتد فى مصر كثيراً على تسمية شوارع بأسماء سيدات، حتى تلك الشوارع التى أعرفها عادة ما تكون فرعية أو صغيرة، إلى أن أمر السيد رئيس الجمهورية بإطلاق اسم السيدة الراحلة جيهان السادات قرينة الرئيس الراحل -بطل الحرب والسلام- أنور السادات على محور كامل من أهم المحاور المرورية الحديثة فى مصر، وذلك تخليداً لسيرة عطرة ومسيرة حافلة بالحب والانتماء والخير لتكون قدوة لشبابنا من الجنسين.

وأتذكر أن حافلة المدرسة كانت تمر دائماً بشارع نوال بحى العجوزة. كنت أتساءل: «من هى نوال؟ ولماذا سُمى الشارع باسمها؟ ولماذا وُضع الاسم مختصراً بدون لقب؟ وماذا أنجزت لتخلد؟! ولماذا كانت الأحياء والميادين والشوارع التى تحمل اسم امرأة قليلة؟

وذات يوم سألت إحدى زميلاتى التى تقطن الشارع نفسه، فقالت: «تعرفين السيدة فاتن حمامة ودورها فى فيلم النهر الخالد؟ هذه هى نوال! والأغرب أن زميلتى استطردت قائلة إن زوج نوال كان غاضباً منها فلم يطلقوا على الشارع الاسم بالكامل! بالطبع أدركت أن هذا عبث، مع أن زميلتى كانت تبدو واثقة من قولها. وحينما سألت أبى -رحمه الله- قال: «نوال» هى ابنة عبدالرحيم باشا صبرى زوج توفيقة هانم ابنة محمد شريف باشا رئيس الوزراء فى عهد الخديوى إسماعيل، وأخت الملكة نازلى زوجة الملك فؤاد ووالدة الملك فاروق. وفى عام 1905 توفيت نوال فى السادسة من عمرها وهى الابنة الصغرى لوالدها وحزن عليها حزناً شديداً، فأطلق على سرايته فى ذلك الحين اسم «سرايا نوال»، والذى تغير بعد ذلك ليصبح «أكاديمية ناصر العسكرية»، ثم اشتهر اسم نوال ليطلق على الشارع الذى تقع فيه السرايا (سرايا نوال)، واشتهر هذا الاسم ليصبح اسماً للشارع الكبير الذى يقع فيه القصر.

ومنذ ذلك الحين وأنا أتساءل دائماً عن سبب عدم إطلاق أسماء سيدات مصريات من الرائدات وصاحبات العلامات البارزة فى مختلف المجالات على الشوارع والمحاور الرئيسية فى مصر. بل وأتعجب من إطلاق اسم واحد من أسماء الرجال على عدة شوارع فى مناطق مختلفة! بالتأكيد لهذا الرجل قيمته التى لا نقلل منها، ولكن السؤال الذى كان يطرح نفسه دائماً: أين النساء؟!

واللافت أن الشوارع التى تحمل أسماء نساء، رغم أن أغلبها شوارع فرعية، تكتسب أهمية بالغة نظراً لسكانها أو لموقعها أو لما تستضيفه من منشآت ومؤسسات، وذلك مثل شوارع نوال وهدى شعراوى بوسط القاهرة وعائشة التيمورية وملك حفنى بشبرا والإسكندرية وغيرها، علماً بأن قلة تسمية الشوارع بأسماء سيدات ليست ظاهرة فى مصر فقط، بل هى منتشرة فى عدد من دول العالم من بينها فرنسا التى قررت فيها منظمات نسوية المطالبة بتغيير أسماء ٦٠ شارعاً لأسماء سيدات فى العام ٢٠١٥.

فكرت كثيراً فى أن مثل هذا القرار قد يحتاج إلى شجاعة وجرأة فى مواجهة مجتمع عانت فيه المرأة من انتقاص لحقوقها ونظرة دونية شهوانية بلغت ذروتها فى العام الذى حاولت فيه الجماعات المتطرفة اختطاف الدولة وتغيير هويته، إلا أن ثورة ٣٠ يونيو -التى كانت المرأة المصرية فى طليعتها- وإعلان ٣ يوليو كانا بمثابة الخلاص للمرأة المصرية من قيود وتجاهل لإنجازاتها، حيث فتحا الطريق أمام تمكين المرأة ومنحها حقوقها السياسية والمجتمعية وإتاحة الفرصة أمامها لتنطلق فى مختلف المجالات.

مرت الأيام والسنون من يوليو ٢٠١٣ وحتى يوليو ٢٠٢١ الذى شهد إطلاق اسم السيدة جيهان السادات على واحد من أهم المحاور المرورية الجديدة فى مصر ليرسخ تقليداً جديداً بأن نرى اسم سيدة على لافتات ضخمة بأسهم تشير للاتجاه إليه.

ولذلك تلقيت خبر إطلاق اسم السيدة جيهان السادات بمنتهى الارتياح، فهو سُنّة حسنة من قائد يحترم المرأة ويقدّرها لسيدة تستحق التقدير والتكريم. وبالنسبة لى، لم تكن جيهان السادات زوجة الرئيس الراحل فحسب، بل كانت وستظل نموذجاً حقيقياً للمرأة المصرية الأصيلة المكافحة التى آمنت بزوجها وقدمت له الكثير ووقفت إلى جانبه فى أصعب الظروف، وساندته حتى أصبح رئيساً لمصر فى فترة من أصعب الفترات فى تاريخها. فكانت له سنداً قوياً كما كانت للمصريين حتى قبل أن يتولى زوجها مقاليد الحكم فى مصر، حيث كانت سنداً قوياً لحقوق المرأة وبادرت بإنشاء جمعية تعاونية عام 1967 فى قرية تلا، بمحافظة المنوفية التى ينتمى إليها زوجها، حتى تتمكن الفلاحات من الحصول على درجة من الاستقلال الاقتصادى عن أزواجهن من خلال تعلم الحرف اليدوية.

وخلال حرب عام 1973 ترأست الهلال الأحمر المصرى وجمعية بنك الدم المصرى، وكانت الرئيس الفخرى للمجلس الأعلى لتنظيم الأسرة، وكانت رئيسة الجمعية المصرية لمرضى السرطان، والجمعية العلمية للمرأة المصرية، كما أنشأت دوراً للأيتام ومراكز لإعادة تأهيل المحاربين المعاقين، فكانت القدوة والنموذج الذى يجب أن نقدمه لكل شاب وفتاة ليقتدوا بها.

والحقيقة أن مصر على مدار السنوات السبع الماضية تتخذ منحنى إيجابياً تصاعدياً لدعم حقوق المرأة، وتجسّد ذلك فى أول شهر من السنة الثامنة لثورة 30 يونيو المجيدة من خلال إقرار مشروع قانون فى مجلس النواب يغلظ عقوبات التحرش بشكل غير مسبوق ليضع حداً لهذه الظاهرة.

كما توّج السيد رئيس الجمهورية مكتسبات المرأة بالحديث فى مؤتمر منظمة التعاون الإسلامى خلال شهر يوليو وقال إن تمكين المرأة هو كلمة السر فى بناء حضارات قوية يشار لها بالبنان، قائلاً: «واجبنا المخلص تجاه شعوبنا يحتم علينا منح المرأة الفرصة الكاملة للمشاركة فى كافة هذه المجالات». والحقيقة أن المرأة تشعر بالفعل بقوتها فى عهد قدم لها كل الاحترام والتقدير.. وتحيا مصر.