براءة الاختراع المصرية!!
نكاد كمصريين أن نحصل على براءة الاختراع الثانية فى التاريخ بعد البراءة الأولى التى حصلت عليها بيزنطة التى حملت اسمها الإمبراطورية البيزنطية وريثة الإمبراطورية الرومانية، والتى جاء اسمها من اسم القائد بيزايوس!
كانت براءة الاختراع البيزنطية هى «الجدل البيزنطى» الذى شاع بين بعض الناس أنه كان حول البيضة والدجاجة أيهما جاء أولاً، وبين بعض آخر أنه كان حول جنس الملائكة ذكور هم أم إناث. والحقيقة أنه لم يكن ذلك أو ذاك، وإنما كان حول طبيعة السيد المسيح (له المجد)، إذ كان أحد المجامع المسكونية المسيحية (مؤتمر عالمى بلغة عصرنا) منعقداً وثار الخلاف حول ما إذا كان للمسيح طبيعة واحدة إلهية أم أن له طبيعة واحدة بشرية أم أن له طبيعتين إحداهما بشرية والأخرى إلهية؟ واتصل الخلاف أيضاً بالسيدة العذراء وما إذا كانت أماً للسيد من حيث هو إله أو من حيث هو بشر، لأن ذلك سيتوقف عليه منزلة ودرجة قداسة العذراء.. ويحكى أحد المؤرخين الذين عاصروا تلك الفترة -وأظنه حسبما أتذكر «جون كرايزستوم» أو «حنا ذهبى الفم»- عن ذلك الجدل وكيف استبد بالناس جميعاً وشغلهم عن أى شىء مفيد، فيقول: كنت تذهب إلى بائع الخبز لتشترى خبزاً فلا يعطيك الخبز ولكنه يسألك هل المسيح إله أم بشر؟ وتذهب إلى ساقى الماء لتسأله أن يسقيك فيبادرك بالسؤال عن السيدة العذراء هل هى والدة لناسوت المسيح أم هى والدة للاهوته؟!
أما براءة الاختراع المصرية المعاصرة التى تأتى بعد مثيلتها البيزنطية بأكثر من سبعة عشر قرناً، فهى أكثر غرابة وأشد وطأة، لأنها ليست حول مسألة واحدة وإنما العديد من المسائل، ومنها هل ما جرى فى يناير ثورة أم مؤامرة أم حراك ثورى أم موجة أولى للثورة؟ وهل ما جرى فى يونيو انقلاب أم ثورة أم موجة ثانية أم ثورة شعبية ساندها تحرك عسكرى؟!
ثم مسألة أخرى هل ما زلنا نعيش حكم العسكر الذى بدأ بانقلاب يوليو 1952، أم أن 1952 كان انقلاباً بدأه الجيش ثم صار ثورة كاملة بعد أن أيده الشعب؟ وهل تنطبق كلمة العسكر شكلاً ومضموناً على الجيش المصرى مثلما هى جيوش انقلابات أمريكا اللاتينية وجمهوريات الموز، أم أن للجيش المصرى وضعاً آخر مرتبطاً بنشأته وتكوينه وسياقه التاريخى ودوره فى الحركة الوطنية المصرية؟ وهل يتحمل الجيش المسئولية عن حماية التراب الوطنى وصون الاستقلال وحراسة الحدود ومقاومة الإرهاب ومواجهة الكوارث وسد النقص فى أى مجال، ابتداءً من رغيف العيش وخطوط الهواتف وإنتاج الخضراوات ورصف الطرق وإلى آخره.. ولكن عند تحمل مسئولية الحكم وخاصة أن البلد فى حالة حرب حقيقية فعلى الجيش أن يبتعد ويترك الأمر للأساتذة والدكاترة والأفندية والبهوات والباشوات؟!
ثم مسألة ثالثة: هل الخطر الماثل على مصر هو إسرائيل باعتبارها كياناً عنصرياً استعمارياً استيطانياً عدوانياً أم هو إيران وتابعها «حزب الله»؟ وهل الخطر أيضاً هو الاتجاهات المتأسلمة المتطرفة، ومنها حماس والجهاد وأيضاً النصرة والقاعدة وبيت المقدس وداعش وما شاكلها وكذلك الإخوان المسلمون وكل ما زعم أنه ينطلق من مرجعية دينية، أم أن هناك ذوى مرجعيات دينية معتدلين مسالمين مستنيرين، أم أن الجميع مثل بعضهم البعض ولا بد من التصدى لهم جميعاً بالدرجة نفسها؟!
وهناك العديد من مسائل الجدل المصرى التى لا بد أن نرصدها ونلقى عليها الضوء ونحاول أن نرصد هل نحن بصدد ظاهرة صحية أم أن الأمر غير ذلك؟
والحديث متصل.