الإخوان مع سد النهضة
أهم ما تتصف به جماعة الإخوان هو ميوعتها، أو ما يطلقون عليه سياسة التجميع لديها، إذ إنها تحمل الرأى ونقيضه فى ذات الوقت، فى عملية مخادعة ممنهجة لكل متابعيها، وهو ما يصفه قياداتها بأنفسهم بمصطلح (مصلحة الدعوة)، أى الدوران حول التنظيم ومصلحة الجماعة مهما كانت.
فى أزمة السد الإثيوبى بدت ميوعة الإخوان ودورانها حول مصلحة التنظيم التى تحدثنا عنها، حيث تماهت مواقفها على طول السنوات الماضية مع الموقف الإثيوبى.
تفصيل ما سبق يتضح من خلال ما اتخذه التنظيم، ممثلاً فى الإخوان بالسودان، من دعم الموقف الإثيوبى لتشييد سد يسيطر على موارد المياه بوادى النيل، وبالتالى السيطرة على القرار السيادى والأمن المائى لدولتى المصب عبر التهديد بالعطش مرة وبالغرق مرة أخرى، وكانت إثيوبيا بالمقابل تدعم التنظيم عبر حماية قائده بالسودان من المحكمة الجنائية الدولية، بل إنها حتى استخدمت نفوذها بالاتحاد الأفريقى لإصدار قرار رافض وغير معترف بهذه المحكمة.
لما وصلت الجماعة للسلطة فى مصر رأينا الموقف يتغير للناحية الأخرى، وبدأ الحديث فى السودان عن أضرار السد، وعن فترات الجفاف، وعن خطورة انهياره على سد الروصيرص!
بنفس الطريقة كان الإخوان فى مصر، ممثلين فى رئيسهم الذى تم عزله، يهوّنون من أمر السد، ويرسلون الوفود إلى أديس بابا لطمأنة الإثيوبيين، وهناك فيديو لتصريحات وزير الرى الإخوانى محمد بهاء الدين، اعترف من خلالها بأنه علم من الإعلام فقط بأنه سيقام سد فى إثيوبيا، وأن زيناوى، رئيس الوزراء الإثيوبى، قرر زيارة مصر لكى يطمئن الشعب، وأنه لن يقبل الضرر لمصر.
ولمّا عزل الشعب محمد مرسى فوجئنا أيضاً بأن إيهاب شيحة، رئيس حزب الأصالة، والقيادى بالتحالف الإخوانى بالخارج، يصرّح بأن هناك وفداً منهم يعتزم زيارة مقر الاتحاد الأفريقى فى أديس أبابا وعدد من الدول الأفريقية، للاعتراض لدى مسئولى الاتحاد على قرار مجلس السلم والأمن الأفريقى برفع تجميد عضوية مصر فى الاتحاد.
وحين أدركت الجماعة أنها لن تعود لحكم مصر مطلقاً استغلت أزمة السد الإثيوبى، وبدأت خطتها الممنهجة بالترويج، عبر لجانها الإلكترونية والقنوات التليفزيونية، أن السيسى هو السبب وأن مصر لو دخلت حرباً ستنهزم من إثيوبيا، وأما تركيا فجيشها من أعظم جيوش العالم!
وهناك توثيق مصوَّر لـ«إخوانى» هارب خارج البلاد، يُدعى علاء الدين محمد السيد عمر سلمان، وهو أحد المتهمين فى قضية أحداث كرداسة فى العام 2013 وصدر بحقه حكم الإعدام، وهو يتحدث عن دعمه للموقف الإثيوبى بشأن بناء وملء سد النهضة على حساب بلاده.
وكعادة الجماعة دائماً فى ازدواجية خطابها الإعلامى، حيث تخاطب الداخل غير الخارج، فقد أصدرت بياناً نشرته بموقعها الإلكترونى أكدت فيه على «مسئوليات الهيئات الدولية، خاصة الاتحاد الأفريقى والأمم المتحدة، فى اتخاذ الإجراءات العادلة والحاسمة فى تناول ملف سد النهضة، لكن لم يخلُ البيان من المزايدات السياسية وتوجيه التهم للدولة المصرية بكونها وراء التفريط فى حقوق المصريين المائية رغم أنهم هم صنّاع الأزمة، حيث انشغلوا أيام حكمهم عن خطط أديس أبابا فى بناء السد وانخرطوا فى صراعات مع أجهزة الدولة لإضعافها حتى سقطوا بفعل ثورة شعبية».
وتهدف جماعة الإخوان من حملاتها الإعلامية عن السد الإثيوبى أولاً إلى إثارة الشارع المصرى، وثانياً إلى النفاذ شعبياً عبر بوابة تلك الأزمة، وثالثاً إلى زرع التوترات بين مصر وغيرها من الدول من خلال نشر شائعات مفادها أن حل الأزمة يتمثل فى ضربة عسكرية وأن هناك عدم قدرة للجيش على ذلك.
الإخوان لا يهمهم حل أزمة السد، ما يهمهم هو عودتهم للشارع المصرى حتى لو على حساب المصريين، ومن ثمّ هم يقفون فى الجانب الآخر دائماً، فهم مع ضربة جوية إن نجحت التفاوضات، ومع السلم إن قررت مصر توجيه ضربة.. هم فقط مع شىء يرونه أكبر من الشعب والدولة.. إنه التنظيم.