فنان فقد بصره.. «هيثم» يغزل السجاد في عز الضلمة «فيديو»

كتب: جهاد مرسي

فنان فقد بصره.. «هيثم» يغزل السجاد في عز الضلمة «فيديو»

فنان فقد بصره.. «هيثم» يغزل السجاد في عز الضلمة «فيديو»

رغبة مفقودة.. أحلام مؤجلة.. قيود تُكبل روحه قبل جسده، فكيف له أن يبدأ من جديد، بعد أن انقضى نهاره إلى الأبد، وحل ظلام دامس فى سمائه، لا يخترقه شعاع ضوء صباحاً أو مساءً.

لم يفقد هيثم فايز، ابن محافظة سوهاج، بصره فقط، إنما سقط فى بئر عميقة لم يدرك كيف له أن يخرج منها، لولا جاءه نداء خافتا ظل يتردد داخله محاولاً شحذ همته.. «قف وابدأ من جديد.. فلا وقت للأحزان».

«هيثم» فقد بصره قبل 10 سنوات.. وافتتح مشروعه برأس مال 5 آلاف جنيه

10 سنوات استرجعها «هيثم» فى لحظة تأمل، كان عمره وقتها 25 عاماً، شعر بألم وحرقة بالعين قرر على إثره الذهاب للطبيب، ليكتشف وجود التهابات تحتاج لعلاج بـ«الكورتيزون»، لم يعبأ كثيراً بالأمر، ماضياً فى حياته وعمله كسائق، فلا وقت لديه للراحة ورفاهية العلاج، لكن الألم ظل يطارده، فكلما أهمل فى العلاج اشتد عليه، إلى حد التأثير على الشبكية، ليودع بصره «فى عز شبابه»، ويعيش ما تبقى من عمره حياة المكفوفين.

يُمسك «هيثم» بخيوط «الشانيليا» الحمراء، يمررها بعناية بين خيوط بيضاء مشدودة بقوة على نول خشبى، يستقر فى غرفة فارغة سوى من قصاصات الخيوط، حركات رشيقة ليديه وقدميه، تنتهى بقطعة سجاد أنيقة متناسقة الألوان، يعجز من يلمحها معرفة كيف لكفيف القدرة على غزلها، وبمجرد الانتهاء منها يعود مجدداً لشريط الذكريات: «قلت لنفسى طب وبعدين، معقول حياتى هتقف وشبابى يضيع».

السفر إلى القاهرة والبحث عن بداية جديدة، قرار اتخذه «هيثم»، 35 عاماً، لينتهى به الحال فى مدينة السادس من أكتوبر، حلّ ضيفاً على جمعية «شمس البر» لرعاية الفئات الخاصة، وهناك بدأ تعلم غزل السجاد اليدوى، وشعر أن الأمل يتسلل إلى قلبه، وفى وقت قياسى عرف كل أسرار الحرفة ومهاراتها، وكان ينتج سجاداً وسط زملائه وتسوّقه الجمعية، حتى جاء وباء «كورونا» وتراجع الشغل والإنتاج.

قطار «هيثم» انطلق ولن توقفه أى عثرات، مقرراً بدء مشروعه الخاص برأس مال بسيط كحياته، 5 آلاف جنيه، اشترى بها النول وبكرات الخيط، متخذاً من شقة فى طابق علوى ببناية متواضعة مقراً للعمل والسكن، وقتها عادت الابتسامة لوجهه، وتجددت أحلام العمل والنجاح، فيستيقظ مع دقات السابعة صباحاً، يرتب سريره، يتجه لغسل وجهه ومن بعده إعداد وجبة الإفطار، يتناوله فى عجالة، ويدخل صومعته، الغرفة الأقرب لقلبه، حيث النول والخيوط والأحلام.

بترتيب دقيق، يرص «هيثم» بكرات الخيط فى «جرادل» حسب اللون، يبدأ مهمته بتصميم فى خياله للسجادة، ينسق ألوانها بعناية، فلا مجال للخطأ وسط التنظيم المُحكم: «نسج السجاد صعب بس فى بدايته، محتاج دماغ مش نظر»، فى غضون فترة وجيزة من 12 ساعة إلى يوم ونصف، ينتهى من قطعة السجاد، بعرض ثابت 75سم، وطول متفاوت حسب طلب الزبون، ويبيعها بسعر يبدأ من 150 جنيهاً، من خلال معارض تسويقية وبعض المعارف.

حلم الزواج وتكوين أسرة بدأ يداعب مخيلة «هيثم»، كأى شاب فى مثل عمره، ادخر من مكسبه واشترى شقة وينوى تجهيزها لحين لقاء شريكة حياته، وفى نفس الوقت يتمنى الحصول على فرصة عمل بشهادة «دبلوم التجارة» الحاصل عليها، تزيد من دخله: «حاولت استفيد بوظائف الـ5% المحددة لذوى الاحتياجات الخاصة، لكن مش عارف أتواصل مع مين».

يحلم «هيثم» بتطوير مشروعه، وأن يكون سبيلاً للخير ليس له فقط، إنما لغيره من المكفوفين، بزيادة عدد الأنوال ومن ثم الإنتاج، وإشراكهم فى معارض لتسويق منتجاتهم: «الكفيف فقد نظره بس، ويقدر يشتغل وينتج ويحلم ببكرة».


مواضيع متعلقة