رشيد وحقنة الملايين والاحتيال بدافع الشفقة!
تداولت مواقع التواصل الاجتماعى جُلها قصة الطفل رشيد المصاب بأحد أمراض الجهاز المناعى، والذى لم يبلغ من عمره قرابة العامين، وحاجته لحقنة تبلغ قيمتها ما يعادل أربعة وثلاثين مليون جنيه مصرى، ونشرت صورته وصورة والديه وظهور أحدهما فى أحد البرامج الكلامية ليشرح حالة ابنه رشيد الصحية وحقنته المليونية، وبعد ذلك أعلنت أمه عن فتح حساب بأحد البنوك المصرية -بالمخالفة للقانون- لتلقى التبرعات من الأغنياء والفقراء من الشعب المصرى لشراء هذه الحقنة لرشيد، وتم إنشاء هاشتاج على هذه المواقع (لدعم حملة التبرع لعلاج رشيد)، وينشر على هذا الموقع يومياً حجم الإيداعات فى حساب والدة رشيد، وما زاد الطين بلة ظهور بعض من يقال عليهم مشاهير من الفنانين والرياضيين ليدعموا حملة التبرعات لحقنة رشيد.
وفى هذه القصة الكثير والكثير من التساؤلات، أبرزها من الذى شخص الحالة المرضية لهذا الطفل ووصف له حقنة الملايين قبل اكتماله العامين؟ هل تم ذلك عن طريق فريق من الأطباء المتخصصين فى هذه الأمراض للوقوف على حالة رشيد وحاجته لحقنة الملايين قبل اكتماله العامين؟
وأين كان والدا رشيد حتى يتبقى على مدة حقنته المليونية بضعة شهور؟! ثم ماذا لو أخذ رشيد حقنة الملايين هل سيعيش طبيعياً أم أن هناك من الأعراض المرضية ما قد يلاحقه سنين؟
وماذا لو -لا قدر الله- توفى رشيد قبل أخذه حقنة الملايين من الذى سيستولى على أموال المتبرعين هل والداه تعويضاً لهما عن فقدان فلذة كبدهما؟ أم أن الدولة ستأخذها وتعتبرها وقفاً خيرياً على روح رشيد مع جعل يوم وفاته إجازة رسمية وتسميته بوقف رشيد؟!
والأهم من كل ما سبق ما موقف الجهات الرسمية فى وزارة الصحة المصرية من حالة رشيد؟ هل تم استدعاؤه ووالديه بعد ظهورهما فى وسائل الإعلام للوقوف على صحة ما قالاه عن حالة رشيد المرضية؟ وإذا كان ذلك قد تم بالفعل وثبتت صحة مرضه واحتياجه لحقنة الملايين ألم يكن من الأجدى نفعاً أن تتولى الدولة علاجه على نفقتها! وإذا عجزت ميزانية وزارة الصحة عن شراء حقنة الملايين ألم يكن من الأولى أن تتولى الدولة عن طريق وزارة صحتها حملة جمع الملايين! ألم يكن فى ذلك بث الثقة فى نفوس المتبرعين وفى ذات الوقت مراقبة أموالهم وضمان صرفها فى شراء حقنة الملايين وليس فى غرض آخر!
ألم يكن فى ذلك تقليل ثمن حقنة الملايين باستيرادها عن طريق شركات الدواء الحكومية وإعفائها من الرسوم الجمركية وغيرها من الضرائب الحكومية؟
والسؤال الرئيسى ألا يوجد قانون فى هذه الدولة ينظم جمع التبرعات ويضع شروطاً فى الجهة التى تتلقى هذه التبرعات؛ ويفرض على من يتلقى التبرعات الحصول على موافقة الوزير المختص فى جمع التبرعات المحلية وموافقة رئيس الوزراء على جمع التبرعات من خارج الوطن؟!
إن ما يحدث فى قصة رشيد وحقنة الملايين هو دليل على غياب دولة القانون، وترك الحبل على الغارب للتلاعب بالمواطنين والاستيلاء على أموالهم من كل مدعٍ لقضية وهمية أو علة صحية أو حاجة مالية!
فماذا لو كانت قصة رشيد وحقنته المليونية قصة وهمية قصد بها التلاعب والاحتيال على الشعب المصرى؟ ثم ما هو الفارق بين قصة رشيد وحقنته المليونية وبين من تتسول حاملة طفلاً على كتفيها فى الشوارع والطرقات وتدعى حاجتها لشراء العلاج له؟
أم أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعى فى النصب والاحتيال يُعد مانعاً من موانع العقاب وانعدام المسئولية الجنائية!