القدس عنوان فلسطين

جيهان فوزى

جيهان فوزى

كاتب صحفي

غزة بعد الحرب الأخيرة لن تكون كما كانت قبلها، ورغم إعلان الهدنة بين الفلسطينيين وإسرائيل، فإن التوتر لا يزال قائماً خصوصاً فى القدس، بؤرة اشتعال المواجهة، والرقم الصعب فى المعادلة، بها يكمن الحل، ومن غيرها يستمر التوتر وتصاعد وتيرة الأحداث. إسرائيل مصممة على التصعيد، والإدارة الأمريكية، برئاسة جو بايدن، قلقة من تجدد التوتر، وتحاول تجنبه قدر الإمكان، تبعث رسائل إلى إسرائيل تتضمن توقعها عودة الهدوء وعدم اشتعال الوضع فى مدينة القدس، خاصة استفزازات اليمين المتطرف الإسرائيلى، وإصراره على تنفيذ مسيرة الأعلام التى أرجأتها الحكومة الإسرائيلية منعاً لعودة التصعيد فى القدس وضواحيها، وهى صواعق تفجير، من شأنها أن تؤدى إلى المزيد من التصعيد فى باقى الأراضى الفلسطينية.

مصر ترعى ترتيب البيت الفلسطينى، وهى الراعى لحوار القاهرة بين الفصائل، وأخذت زمام المبادرة لإحياء المفاوضات التى تُركت على الرفوف مهملة فطواها النسيان. احتضنت فيما مضى عشرات اللقاءات الفلسطينية، وحاولت الوساطة بينهم، لكن الإرادة السياسية الفلسطينية كانت غائبة عن تلك الحوارات ففشلت. الآن ثمة أمور تغيرت، ولا بد أن تواكب التطورات الإقليمية والدولية المتسارعة، لن تبقى القضية الفلسطينية معلقة إلى الأبد، معلقين أجراس حلها فى عنق المجتمع الدولى والإقليمى، الحل يبدأ بإرادة الفلسطينيين أولاً، بما يضمن حقوق الشعب الفلسطينى المهدرة، وليس المصالح الفصائلية وأجنداتها الخارجية، يجب أن تضع الفصائل الفلسطينية نصب أعينها مصلحة الوطن أولاً وأخيراً بعيداً عن الصراعات لدحر الاحتلال. يكفى الشعب الفلسطينى ما عاناه ويعانيه من قمع احتلال غاشم هو الأطول فى التاريخ المعاصر، لا بد أن تتوحد الصفوف، وتتنحى المصالح فى سبيل تحقيق الهدف الأسمى.. «تحرير فلسطين» من أنياب الاحتلال الإسرائيلى، الذى يلعب على التناقضات ونقاط الضعف الفلسطينية، والصراع الداخلى الذى شارك فى صنعه.

نأمل أن تُتوج اللقاءات التى تجرى فى القاهرة بين الفصائل الفلسطينية بالنجاح وتمزيق صفحة الانقسام إلى الأبد، لأنها وصمة عار فى جبين القضية الفلسطينية، أفقدتها الكثير من الزخم السياسى دولياً وإقليمياً وعربياً، فهناك هدف قريب يتطلب الجهد والوحدة لإغاثة أهالى قطاع غزة الذين ذاقوا مرارات الحروب المتتالية، والبناء على ما حققه الشعب الفلسطينى من تضامن دولى، بما يعزز الوحدة الوطنية التى هى صمام الأمان والقوة. إن أهمية نجاح لقاءات القاهرة تكمن فى مواجهة المخاطر والتحديات التى ما زالت تواجه القضية الفلسطينية بعد مرور 73 عاماً على النكبة، و54 عاماً على احتلال ما تبقى من الأرض خلال حرب 1967. وهذا يعتمد على صدق النوايا وإخلاص الكل الفلسطينى لقضيته الوطنية، ليس حركتى فتح وحماس فحسب، الكل مسئول عن هذا الجرم الفاضح بحق القضية الفلسطينية التى عاشت مرفوعة الرأس حتى هز الانقسام كرامتها، ودمر عنفوانها، وباتت من الماضى، إلى أن أحيتها من جديد الحرب الأخيرة على غزة، التى أظهرت بسالة وتكتيكاً كان مفاجئاً لإسرائيل والعالم بأسره! مما غيّر من قواعد اللعبة، وأصبح من الممكن البناء على النتائج، فيما لو تم استثمارها وطنياً بمنأى عن المصالح الفصائلية والحزبية والمكاسب المؤقتة. فلسطين يجب أن تبقى العنوان، والقدس رأس الحربة، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية الهدف الموحد لكل التناقضات السياسية والأيديولوجية، وغير ذلك سيعود الفلسطينيون خاليى الوفاض إلى المربع الأول، وسيخسرون كل المكتسبات التى أعادت للقضية الفلسطينية وهجها وتصدرها الاهتمام الدولى والأهم الأمريكى، بعد أن طواها النسيان وكادت أن تُحفظ فى ثلاجة الموتى.