بروفايل| الأم تريزا.. مانحة الحب والعطاء للمحرومين

بروفايل| الأم تريزا.. مانحة الحب والعطاء للمحرومين
ملامحها الهادئة البسيطة التي تشبه الأرض في عطائها، التي تشعر أمامها بالسلام والصفاء النفسي، وابتسامتها التي تحمل المحبة في طياتها، والإنسانية بداخل قلبها الكبير الذي استطاع أن يسع العالم أجمع، جسدها الضئيل القوي بالإيمان الذي تحمّل أصعب الظروف، عيناها التي تفيض بالرحمة والإنسانية والمحبة، لتؤكد أن ما في القلب هو ملك الله وحده وما في يد البشر هي الرحمة، وهي في تواضعها وبساطتها وتفانيها تترك مثالًا خالدًا في ضمير اللإنسانية.
"بالدم أنا ألبانية، وبالجنسية أنا هندية، وبالعقيدة أنا راهبة كاثوليكية، وأنا أنتمي لهذا العالم"، هكذا قالتها الراهبة "أجنيس جونكزا بوجاكسيو" الملقبة بالأم تريزا، فكانت الفتاة المولودة عام 1910، كانت دائمًا ما تنبهر بقصص القديسين في السنوات الأولى من عمرها، ولم تدرك أن بعد مرور ما يتخطى النصف قرن ستكون هي الأخرى "تريزا قديسة الفقراء"، فتعلمت في مدرسة لليسوعيين للرهبنة اليسوعية اليوغسلافية، ثم ذهبت للعمل في دير "لوريتو" عام 1929، وترهبنت تحت اسم الأخت تريزا عام 1931.
جسد ممدد لامرأة أمام مستشفى في "كالكتا" بالهند، الموت أوقف نبضات قلبها بسبب فقر مدقع تسبب في أكل الفئران والحشرات نصف جسدها عام 1946، لتكتشف الأم تريزا الوجه الآخر للحياة، أطفال يولدون بين أكوام القمامة، وأجساد تموت علي الطريق بعد أن ينهشها المرض والفقر، وعلى أثر ذلك خلعت زي الرهبنة ولبست الساري الهندي القطني بلونه الأبيض والخط الأزرق، لتكرس حياتها بعد ذلك لخدمة الفقراء المحكوم عليهم بالفناء وهم أحياء.
أسست جمعيتها لراهبات المحبة عام 1950، التي اهتمت من خلالها بالأطفال المشردين والعجزة، وفي عام 1957، اهتمت بموضوع المجذومين والعناية بهم ومع اتساع عملها أسست جمعية "أخوة المحبة" عام 1963، ولم تقتصر جهود الأم تريزا على خدمة فقراء الهند، فذهبت إلى الحبشة لمساعدة المنكوبين هناك، وأغاثتهم من الجوع والتشرد، فضلًا عن زيارتها إلى بيروت، وقت الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، إلى أن توقف إطلاق النيران حتى تم إنقاذ 37 طفلًا مريضًا كانوا محاصرين بالمستشفيات.
يوم حصلت علي جائزة نوبل في السلام عام 1979، قالت مازحة "لا أريد الجائزة، فقط أعطوني المكافأة المالية التي تأتي معها كي أعود بسرعه، فأنا بحاجة لهذه الأموال لأولادي"، وكانت مهمة الرهبنة كما حددتها ورأتها دائمًا، هي "العناية بالجائعين والعراة والمشردين والعاجزين والعميان والمنبوذين. كل هؤلاء البشر الذين يشعرون بأنهم غير مرغوب فيهم أو محرومون من العناية والمحبة. أولئك الذين يعتبرهم أفراد المجتمع عبئًا عليهم فيتجنبونهم".
"لا يهم كم نعطي للآخرين، المهم أن نعطي الحب، حيثما يكون الحب، يكون الله هناك"، لترحل سفيرة السماء للفقراء عن العالم في عام 1997، بعد أن عانت من المرض منذ عام 1985، حيث أصيبت مرتين بالذبحة الصدرية وعانت من مرض الملاريا والتهاب الصدر، فتلك السيدة وهبت كل ما كانت تملكه لصالح الفقراء والمعدمين والأطفال بأنحاء العالم ووهبت عمرها كاملًا لخدمة هؤلاء البشر، لتثبت أن الإنسانية تستطيع أن تستوعب اختلافاتنا داخلها، وأن المحبة هي القبلة الحقيقية والفضاء الفسيح الذي يستطيع أن تتجمع حولها البشرية.