الفراعنة الساجدون

رامى جلال

رامى جلال

كاتب صحفي

نحن بارعون فى عمليات الربط. نربط أى شىء بأى شىء بحرفية شديدة. نعيش جواً عاماً من الارتباطات الشرطية غير المبررة.. روابط تعيسة من غرز التريكو المتقن الذى لا يمكن تحليله بسهولة. الدين بالسياسة، والسياسة بالرياضة، والرياضة بالدين، والدين بأى شىء دون منطق.

فى كأس العالم الماضية مثلاً، وبعد خسارة منتخب مصر لمبارياته جميعها، سارعت شخصيات إخوانية موجودة خارج الحدود المصرية، ومعهم جحافل اللجان الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعى، بتصوير الهزيمة الرياضية كنكسة سياسية، فما الذى يجعل تنظيم الإخوان الإرهابى يتخلى عن دوره التاريخى فى قتل وترويع الأبرياء ويهتم بالرياضة! فنحن نعلم أنهم متخصصون فى «كره» الناس وليس فى «كرة» القدم! فشل التنظيم الإرهابى فى ربط السياسة بالدين، فقرر أن يربطها بالرياضة! فترك تحليل القتل والتسلل عبر خط الحدود إلى تحليل المباريات والتسلل خلف خط الدفاع!

اعتبر البعض أن خسارة المنتخب هى نتيجة فشل سياسى، وقال آخرون إنه حقق نتائج أفضل فى أثناء حكم الرئيس «الشرعى»! زعم التنظيم أن كرة القدم معيار سياسى، مع أن عمالقة السياسة أقزام فيها، فأمريكا تلعب كرة السلة، والصين تلعب البينج بونج، وروسيا تلعب الشطرنج! ونحن مثلاً أبطال العالم فى الأسكواش! وبالمعيار هذا نفسه لا بد أن يدّعى التنظيم أن حسنى مبارك هو هدّاف السياسة فى العالم، ففى عهده تأهل المنتخب لكأس العالم مرة، وفاز بخمسة كؤوس أفريقية، وحققت الفرق المصرية معظم بطولاتها القارية والعربية!

أما الدين فقد برع بعض ممن لم يُكملوا تعليمهم فى ربطه بكل شىء، فنالت الرياضة نصيبها، أرادوا فى البداية تسمية المنتخب المصرى باسم «منتخب الساجدين» بديلاً عن اسم الشهرة «منتخب الفراعنة»، فى تسمية عنصرية إقصائية، تقر واقعاً سخيفاً يتلخص فى تعصب دينى جعل مراكز الشباب لا تؤوى المصريين المسيحيين (أذكر ثلاثة لاعبين مسيحيين فى تاريخ المنتخب المصرى)، فلجأ هؤلاء للعب داخل أروقة الكنائس التى تضم مئات المواهب، لكن لا أحد يحاول البحث عنها، فكرة القدم فى مصر مثل الحرم المكى! ربط الدين بأى شىء لا يفيد الدين بشىء كما أنه يفسد الأى شىء!

حاول البعض تصوير أن كل هدف يحرزه «محمد صلاح» فى إنجلترا يؤدى إلى إسلام آلاف الأوروبيين، بينما الواقع أن هذه السذاجات تفسد الدين والرياضة معاً.. وعلى سيرة كأس العالم، وإذا ترجمنا واحدة من نتائج جولاته إلى اللغة التى يفهمها هؤلاء، فلن يكونوا سعداء بالنتيجة، فالمسيحيون الأرثوذكس الشرقيون قهروا المسلمين السلفيين الوهابيين بخمسة أهداف نظيفة (روسيا/ السعودية).. والمسيحيون الكاثوليك اللاتين هزموا المسلمين السنة الحنفية بهدف نظيف (أورجواى/ مصر).. والمسلمون الشيعة الاثنا عشرية غلبوا المسلمين السنة المالكية بالنتيجة ذاتها (إيران/ المغرب).. والرومان الكاثوليك قدموا إحدى أجمل مباريات البطولة وتعادلوا معاً بثلاثة أهداف لكل طرف (إسبانيا/البرتغال).

آلاف المواهب الكروية المصرية هى استثمار قد يعود على مصر بالكثير حال احترافهم فى الخارج، لكننا فى حاجة إلى نظام يهتم بقدم اللاعب وليس ببطاقته الشخصية، وبموهبته وليس بخفة أو ثقل دمه! وفى النهاية علينا أن نتفهم أن قائمة «الـفيفا» للمنتخبات ليست مهمة، لكن قوائم الأمم المتحدة للتنمية والتعليم والصحة والشفافية وغيرها هى الأهم.. فلا ترهقوا أنفسكم بربط الرياضة بالسياسة أو بالدين، جرِّبوا مرة ربطها بالكفاءة.