«يوحنا».. من بائع غزل البنات على شواطئ العريش لدكتور جامعي في سنغافورة

كتب: نعيم أمين

«يوحنا».. من بائع غزل البنات على شواطئ العريش لدكتور جامعي في سنغافورة

«يوحنا».. من بائع غزل البنات على شواطئ العريش لدكتور جامعي في سنغافورة

الظروف الصعبة تصنع رجالا أشداء، وتحديها يصنع قصص البطولات في كل المجالات، وهو ما ينطبق على الشاب المصري «يوحنا»، الذي تحول من طفل يبيع «غزل بنات» على شواطئ العريش، إلى حاصل على دكتوراه في الديناميكا الهوائية للطائرات، من الجامعة التي تحتل المرتبة الـ11 عالميًا.

رحلة كفاح مشتركة

ولد يوحنا لأسرة مصرية متوسطة الحال، وعاش في مدينة العريش منذ ولادته وحتى سن 16 عاما، حيث كان يعمل في طفولته مع شقيقه «جورج» في بيع غزل البنات على شواطئ العريش، وكانا يسيران لمسافة 4 كيلومترات على قدميهما، ويتحركان لساعات طويلة رغم صغر سنهما وما يتعرضان له من سخرية وتنمر، وسرقة واعتداء في بعض الأحيان، من أجل كسب قوت يومهما، ومساعدة أسرتهما على نفقات الحياة، ورغم ذلك، ونظرا لحبه الشديد للعلوم فكان متفوقا جدا في دراسته.

مواجهة مصاعب وتنمر وسخرية

واجه يوحنا مشكلات كثيرة في المرحلة الإعدادية، فضلا عن التنمر حتى من أحد المعلمين في المدرسة، أما في المرحلة الثانوية فواجه العديد من التحديات، وبينها أنّ والده نفسه كان يرفض -في البداية- التحاقه بالثانوية العامة والجامعة، وكان يرى أنّه لن ينجح في مسيرته، إلا أنّ والدته كانت مؤمنة تماما به وبقدراته، وكذلك خالته التي تحمّلت نحو نصف نفقات دراسته.

بعد الانتهاء من الثانوية العامة سافر يوحنا إلى القاهرة مع شقيقه جورج، الذي رافقه في معظم الطريق، يقول يوحنا لـ«الوطن»: «رحلتي ليست منفردة، ولكن أخي (جورج) -الذي يصغرني بعام- هو رفيقي وشاركني في كل المصاعب التي عشتها، حيث بعنا (غزل بنات) معا في الطفولة، والتحقنا بالثانوية، ثم كلية الهندسة في جامعة حلوان، وحصلنا على تقدير امتياز، وكان ترتيبنا الثاني على الدفعة، وعُينا معيدين في نفس الجامعة أيضا، وحصلنا على ماجستير، ولكن بعد ذلك هو سلك طريق الرهبنة في دير الأنبا بيشوي، ورفض بعثة في إنجلترا، وأنا استكملت رحلتي في مصر ثم سنغافورة».

من جامعة حلوان إلى سنغافورة

بعد الانتهاء من الدراسة في الكلية وحصوله على المركز الثاني بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، بدلا من استكمال «الماجستير»، عمل «يوحنا» في إحدى شركات صناعة السيارات في وظيفة لا تتناسب مع تقديره، لأنهم اختاروا شخصا واحدا فقط هذا العام، وفي العام التالي وجهوا له دعوة لكي يستكمل الماجستير، وهنا بدأت المصاعب من جديد مع أحد أساتذته الذي يقول إنّه كان يتعمّد وضع الصعوبات في طريقه، رغم تفوقه، ورغم أنّه نشر بحثا في مجلة علمية أمريكية مرموقة، وبحث في مؤتمر علمي دولي، لدرجة أنّه قرر استكمال دراسته وعمل الدكتوراه في الخارج، وبالفعل قدم على منحة، وحصل عليها في جامعة سنغافورة الوطنية، وترتيبها رقم 1 على قارة آسيا، والـ11 عالميا، وهذا الترتيب أعلى من جامعات ألمانيا وفرنسا وكندا.

الكفاح يستمر في الخارج

الحياة في سنغافورة -كما في دول آسيا عموما- ليست سهلة، بل واجه «يوحنا» خلالها العديد من الصعوبات، وبينها أنّه لم ينجح في أحد الفصول الدراسية، لتعنت أحد المشرفين على دراسته، ونفذت الأموال التي بحوزته، ثم جاءت جائحة كورونا ورغم كل ما حملته من شر إلى العالم كله، كانت تحمل في جنباتها خيرا لـ«يوحنا» حيث قررت الجامعة للمرة الأولى منح طلاب رسائل الدكتوراه فرصة أخرى للدراسة دون دفع مصاريف، بل قدمت لهم أيضا مبغا من المال «pocket money»، يكفي لعدة شهور، وهو ما كان يحتاجه الطالب المصري المغترب ليستكمل دراسته، وبالفعل استطاع اقتناص رسالة الدكتوراه في شهر مايو الجاري، ليصبح بائع «غزل البنات» على شواطئ العريش، «دكتور» في إحدى أهم الجامعات العالمية.


مواضيع متعلقة