«رغم استمرار جائحة كورونا».. الدولة تستقبل العام المالي الجديد بمستهدفات اقتصادية متفائلة

كتب: تقى حاتم

«رغم استمرار جائحة كورونا».. الدولة تستقبل العام المالي الجديد بمستهدفات اقتصادية متفائلة

«رغم استمرار جائحة كورونا».. الدولة تستقبل العام المالي الجديد بمستهدفات اقتصادية متفائلة

عرفت مصر فى عهد الخديو عباس حلمى الثانى أول موازنة عامة فى تاريخها، وكان ذلك عام 1907، وسجل حجم الموازنة آنذاك 206.8 ألف جنيه، ومنذ ذلك التاريخ وعلى مدار 114 عاماً تقريباً أخذت موازنة مصر فى التطور لتعبر عن اتساع النشاط الاقتصادى فى الدولة، إلى أن وصلت إلى أعلى مستوى فى تاريخها فى موازنة العام المالى المقبل 2021/ 2022 الذى ينطلق فى مطلع يوليو المقبل.

الدولة تستهدف مواصلة أرقامها القوية في موازنة العام الجديد

وتُصدر أكبر موازنة في تاريخ مصر بـ2.46 تريليون جنيه

ويبلغ حجم الموازنة القادمة لمصر 2.46 تريليون جنيه، تم إعدادها فى ضوء سياسة مالية توسعية تستهدف تحقيق طفرة اقتصادية على مستوى الاستثمار والتشغيل والإنتاج، حيث تتبع الدولة سياسة مالية تميل للتوسع خلال السنوات الأخيرة، وبالتوازى مع هذه السياسة المالية ينتهج البنك المركزى المصرى سياسة نقدية متوازنة تميل إلى التوسع أيضاً، حيث حافظ البنك المركزى على أسعار الفائدة عند مستوياتها المنخفضة منذ نوفمبر 2020 بعد تخفيض 400 نقطة أساس على مدار 2020.

كشف وزير المالية، محمد معيط، عن تفاصيل الموازنة العامة المقبلة فى بيان ألقاه سابقاً أمام مجلس النواب، مشيراً إلى أن إجمالى إيرادات الموازنة الجديدة سجل 1.36 تريليون جنيه بزيادة 22% على المتوقع فى العام المالى الحالى، بينما يسجل إجمالى النفقات 1.84 تريليون جنيه بزيادة 14% على العام المالى الحالى وهو ما نتج عنه عجز بقيمة 475.5 مليار جنيه ويشكل 6.7% من الناتج المحلى الإجمالى المتوقع فى السنة المالية المقبلة.

تعظيم الإيرادات

تستهدف الحكومة تعظيم إيرادات الدولة من خلال التوسع فى قاعدة الإيرادات الضريبية وغير الضريبية، مستهدفةً ارتفاع حصيلة إجمالى الإيرادات لتصل إلى 1.36 تريليون جنيه بزيادة 22%، مقابل 1.12 تريليون جنيه للعام المالى الحالى. وتستهدف وزارة المالية وصول الإيرادات الضريبية إلى 983 مليار جنيه خلال العام المالى القادم بمعدل نمو 18.3%، مقابل 830.8 مليار جنيه خلال العام المالى الحالى لتمثل 72% من إجمالى الإيرادات. وتستمر الدولة بتطبيق إجراءات هيكلية فى إطار الإصلاح المؤسسى للمنظومة الضريبية فى مصر، مستهدفة نمو حصيلة ضريبة الدخل من الجهات غير السيادية «بدون البنك المركزى والبترول وقناة السويس والضرائب على عوائد الأذون والسندات» بنسبة 19.1% فى عام 2021 / 2022 لتصل الحصيلة إلى 297.1 مليار جنيه. وتستمر جهود وزارة المالية ومصلحة الضرائب المصرية فى زيادة القدرة على تحقيق إيرادات إضافية والتحسن التدريجى فى أداء الاقتصاد المصرى خلال جائحة كورونا، فمن المتوقع نمو حصيلة ضريبة القيمة المضافة على كافة السلع والخدمات لتصل إلى 449.6 مليار جنيه بنسبة 17.2% عن التقديرات المتوقعة للعام السابق.

وتوقع بيان الموازنة العامة للعام الجديد ارتفاع حصيلة إيرادات الضرائب الجمركية لتسجل 42.4 مليار جنيه بزيادة 12.3% على العام المالى الحالى، وتستمر مصلحة الجمارك المصرية فى التطور المؤسسى الشامل الذى بدأ فى 2017 / 2018. بينما تسجل الإيرادات غير الضريبية من المصادر المختلفة 382 مليار جنيه، بمعدل نمو 33.5% على العام المالى الحالى الذى يتوقع له أن يسجل 286 مليار جنيه وتمثل 27.9% من إجمالى الإيرادات.

الإنفاق العام

يعتبر إصلاح هيكل المصروفات العامة ركيزة أساسية للإصلاح الاقتصادى والمالى لضمان تحقيق المستهدفات المالية على المدى المتوسط، وأهمها الوصول بدين أجهزة الموازنة إلى 85% من الناتج المحلى خلال السنوات القادمة. وتتوقع الحكومة ارتفاع الإنفاق العام ليصل إلى 1.84 تريليون جنيه خلال العام المالى الجديد، بزيادة قدرها 14% على العام المالى الحالى المتوقع له 1.61 تريليون جنيه، وتمثل 25.9% من الناتج المحلى الإجمالى. بينما يسجل الإنفاق العام فيما عدا مدفوعات الفوائد 1.26 تريليون جنيه، وهو ما يسمح بتحقيق فائض أولى بنحو 1.5% من الناتج المحلى الإجمالى، ومع إضافة مدفوعات الفوائد يتحول هذا الفائض الأولى إلى عجز كلى بنحو 6.7% من الناتج المحلى. ويُعبر الفائض الأولى عن مدى قدرة الدولة على سداد التزاماتها المخططة من خلال الإيرادات الضريبية وغير الضريبية، فى ظل افتراض عدم وجود مديونية سابقة يترتب عليها أعباء مالية «فوائد»، ونجحت الدولة فى تحقيق هذا الفائض الأولى لأول مرة فى العام المالى 2019/ 2020، بعد أقل من 3 أعوام على تطبيق خطة الإصلاح النقدى والمالى.

وأطلقت الحكومة أبريل الماضى المرحلة الثانية من برنامج الإصلاح الاقتصادى، الذى بدأته فى 2016، وقالت الحكومة إن المرحلة الثانية لن تتضمن إجراءات تزيد من أعباء المواطنين وستستمر فى دعم السلع التموينية.

وتتركز المرحلة الثانية لبرنامج الإصلاح الاقتصادى على الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد المصرى، وتستهدف الحكومة تحقيق معدل نمو سنوى يتراوح بين 6 و7% على مدى السنوات الثلاث المقبلة.

ويتبادر للجميع تساؤلات حول مدى قدرة الدولة على تحقيق هذه المستهدفات المتفائلة فى ظل التحديات الحالية التى تفرضها جائحة كورونا والتى أثرت كثيراً على نمو الأنشطة الاقتصادية فى داخل مصر وخارجها. فمن المتوقع استمرار التباطؤ فى نمو إيرادات الشركات خلال العام المالى المقبل، متأثرة بالإجراءات الاحترازية التى تم تطبيقها على مدار الفترة الماضية لمكافحة انتشار فيروس كورونا المستجد، وبناء عليه من المتوقع أن تتأثر المدفوعات الضريبية لهذه الشركات، فضلاً عن تأثر دخول العاملين فيها، وبالتالى ضرائب الدخل المستحقة على أجورهم.

يأتى هذا بالإضافة إلى زيادة التزامات الدولة نتيجة توسيع نطاق النفقات فى أكثر من بند، أهمها بند الصحة بسبب إجراءات الوقاية والعلاج التى طبقتها الدولة على مدار عامى 2020 و2021. ومن المتوقع أن تؤدى كل هذه المتغيرات إلى مزيد من الضغوط على مستهدفات الدولة خلال العام المالى الجديد، وأن تؤثر على خطتها المالية المقبلة.

ويرى المحللون أنه بالرغم من التحديات التى مر بها العالم أجمع على مدار الفترة الماضية فإن الدولة المصرية استطاعت أن تصمد أمام جميع هذه التحديات وتواصل خطتها الإصلاحية على مدار الفترة الماضية، ونجحت فى الوصول إلى مستوى مناسب من الإيرادات وأن تحكم سيطرتها نسبياً على النفقات العامة بالرغم من تنفيذ العديد من برامج التمويل الاستثنائية للاحتياجات العاجلة التى طرأت فى فترة كورونا.

خطة التنمية

فى السياق ذاته كشفت الحكومة عن مشروع خطة التنمية المستدامة للعام المالى 2021/ 2022 فى بيان ألقته الدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، أمام مجلس النواب، مستعرضة الملامح الأساسية لتحقيق أهداف رؤية مصر 2030 وللوثيقة فى عامها الرابع من الخطة متوسطة المدى للتنمية المستدامة 2018 / 2022.

وأكدت وزيرة التخطيط أن خطة 2021 / 2022 تستهدف إحداث طفرة كبيرة فى حجم الاستثمارات الكلية مقارنة بالأعوام السابقة، متجاوزة ولأول مرة تريليون جنيه لتبلغ 1.25 تريليون جنيه، بزيادة غير مسبوقة بنسبة 51% على العام السابق عليه. وعرضت «السعيد» بعض التوقعات الإيجابية من جانب المؤسسات الدولية حول معدل النمو الاقتصادى، لافتة إلى أن معدل النمو سيتراوح ما بين 2.3 و3% للعام المالى الحالى، وتوقعت أن يعاود الاقتصاد المصرى نموه لمعدلات ما قبل الجائحة ليسجل 6% خلال العام المالى القادم. وتستهدف الحكومة ضخ استثمارات ضخمة خلال العام المالى المقبل كحزمة تحفيزية لتحريك الاقتصاد بخطى متسارعة ودفع عجلة الإنتاج والتشغيل فى كافة القطاعات، ويعتبر الإنفاق الاستثمارى المصدر الرئيسى للنمو المستهدف ويساهم بـ78% منه.

وأشار التقرير إلى أن الحكومة راعت تحقيق هيكل متوازن بتوجيه 38% من الاستثمارات إلى القطاعات السلعية (زراعة وطاقة وبناء)، و35% إلى قطاع الخدمات الإنتاجية (نقل وتجارة وتخزين)، و27% إلى قطاع الخدمات الاجتماعية من (تعليم وصحة)، وأكد أن معايير الاستدامة فى الاستثمارات وتحقيق أفضل عائد اقتصادى واجتماعى كان أهم شروط التخصيص.

وتمثل الاستثمارات العامة الجزء الأعظم لتبلغ 933 مليار جنيه بنسبة 75%، بينما تمثل الاستثمارات الخاصة القيمة المتبقية من جملة الاستثمارات بواقع 320 مليار جنيه تقريباً.وتستهدف الخطة تنفيذ حزمة برامج للتنمية الزراعية الشاملة وتعزيز الأمن الغذائى بتحسين نسب الاكتفاء، وزيادة المساحة المحصولية فى عام 2021 / 2022 لتبلغ 17.5 مليون فدان مع تحسين إنتاجية المحاصيل الرئيسية. وتستهدف الاستثمارات الحكومية فى قطاع الموارد المائية والرى 21 مليار جنيه، وتنفيذ عدد من المشروعات ذات الأولوية، مثل تأهيل وتبطين الترع ومشروع منظومة الرى الحديث لزيادة الكفاءة والإنتاجية الزراعية من 10% إلى 20%. وتستهدف الدولة فى قطاع الكهرباء استثمارات كلية قدرها 43 مليار جنيه لزيادة القدرة الكهربائية للمطارات، وتطوير الشركات الخارجية، ومشروع المحطات المائية للضخ والتخزين لتوليد الكهرباء بجبل عتاقة فى السويس، وفضلاً عن مشروعات الطاقة المتجددة إنشاء محطات بالخلايا الفوتوفولتية ومحطات بطاقة الرياح. وتقدر الاستثمارات الكلية فى مجال النقل بـ245 مليار جنيه، لافتة إلى أن استثمارات مشروعات الطرق تشمل عدداً من المشروعات الجديدة بالقطاع، بالإضافة إلى مشروعات الاستكمال القائمة ومشروعات الطرق القومية.

ويعتبر قطاع السياحة الأكثر تضرراً بسبب جائحة كورونا وسارعت الدولة بتأكيد استمرار المبادرات الحالية لدعم القطاع، وبصفة خاصة مبادرات البنك المركزى لتطوير وتجديد المنشآت السياحية، وتكثيف جهود تنشيط السياحة الداخلية من خلال مبادرات تشجيعية، مثل شتى فى مصر، ومن المتوقع نمو الحركة السياحية الوافدة بنسبة 55% ليتجاوز العدد 5 ملايين زائر فى العام المالى القادم.

وتستهدف الدولة تطوير الخدمات الصحية وتم رصد استثمارات لوزارة الصحة والسكان تتجاوز 47.5 مليار جنيه، وتحرص الدولة على النهوض بصحة المواطنين من خلال مبادرة تطوير أقسام الرعاية الحرجة والعاجلة بالمستشفيات، والهدف التوسع فى معدل إتاحة أسرة الرعاية المركزة وحضانات الأطفال، وتنفيذ أهداف مبادرة صحة المرأة بتغطية 30 مليون سيدة.

وتتضمن التوجهات العامة لخطة التنمية المستدامة استكمال تطبيق البرنامج الوطنى للإصلاح الاقتصادى والاجتماعى، وإعطاء أولوية للقطاعات عالية الإنتاجية الدافعة للنمو الاقتصادى المستدام، وذلك فى إطار الانتقال إلى تطبيق المرحلة الثانية من برنامج الإصلاح الاقتصادى، بالإضافة إلى أبرز المبادرات الرئاسية لتحسين صحة وجودة المواطن مثل مبادرة حياة كريمة.

ويرى المحللون أن الدولة المصرية استطاعت أن تحقق المعادلة الصعبة على مدار العامين السابقين، وذلك بنجاحها فى تطبيق إجراءات احترازية شبه مثالية لمكافحة فيروس كورونا، ونجاحها من ناحية أخرى فى تحقيق معدل نمو إيجابى دار حول مستوى 2.5%، لتصبح بذلك هى الدولة الوحيدة فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التى استطاعت تحقيق معدل نمو اقتصادى إيجابى خلال فترة الجائحة والدولة الثانية على مستوى العالم ككل. ويثق المحللون فى قدرة الاقتصاد على تحقيق مستهدفاته الاستثمارية خلال العام المالى القادم، وأن تساهم هذه المستهدفات فى تعزيز معدلات نمو الاقتصاد والتشغيل، وتراجع معدلات البطالة.


مواضيع متعلقة