اللقاح المصرى بأقصى سرعة

باتت مبادرة «كوفاكس» أو «المبادرة الدولية لمشاركة جرعات لقاحات فيروس كورونا بشكل منصف» على وشك أن تعلن عن فشلها بالكامل.. بعد أن عجزت حتى هذه اللحظة عن تسليم الكميات التى تعهدت بها لمختلف دول العالم.

المبادرة -التى ظهرت للنور فى النصف الثانى من العام الماضى برعاية مباشرة من منظمة الصحة العالمية- لم تنجح حتى الآن فى تسليم سوى عشرين فى المائة فقط من الجرعات التى اتفقت على تسليمها قبل حلول الشهر المقبل!

المبادرة تعانى منذ لحظات ولادتها الأولى.. فرغم شاعرية الفكرة بأن يتم وضع آلية لضمان وصول اللقاح إلى الدول الفقيرة فى ظل تلك الجائحة.. والنبل الذى بدا فى سياسات التوزيع التى تم الإعلان عنها باشتراك معظم دول العالم الأول، وكل الشركات الكبرى.. فإن شيئاً لم يحدث.. واستمرت الدول الكبرى فى احتكار اللقاح، وكأن مواطنيها وحدهم هم أصحاب الحق فى الحياة!!

المشكلة ازدادت سوءاً بتدهور الأوضاع فى الهند، أحد أهم مصادر تصنيع اللقاحات فى العالم، فارتفاع عدد الإصابات اليومية فى الأيام الأخيرة إلى أرقام قياسية تخطت الـ٣٠٠ ألف إصابة جعل السلطات الهندية تعلن عن وضع قيود على تصدير اللقاح المنتج محلياً لحين السيطرة على الوضع على أرضها أولاً.

البعض لم يستوعب حتى الآن أنه ما بين ظهور اللقاح وإتاحته للبشر كافة مساحة كبيرة.. وما بين الحق فى الصحة، وسياسات التوزيع الفعلية مساحة أكبر.. مساحة يصنعها غياب معايير الإنسانية والعدالة.

مساحة تجعل دولاً مثل الولايات المتحدة الأمريكية تعانى منذ أيام أن ثلث مواطنيها حصلوا على اللقاح بجرعتيه.. ودولاً أخرى مثل بريطانيا تعلن أن عملية التلقيح ربما تنتهى بالكامل على أرضها الشهر المقبل.. بينما تبقى دول مثل المكسيك وبنجلاديش وباكستان وميانمار لم يصل إليها جرعة واحدة من اللقاح حتى الآن عبر «كوفاكس»، أو بأى وسيلة أخرى!!

الكل يتحدث عن الإنسانية، ولكن لا أحد يمارسها.. الكل يصرخ من أجل حقوق الإنسان.. ولكن أحداً لم يقدّم تعريفاً واضحاً لها خلال هذه الأزمة!!

فى مصر ما زال الوضع جيداً إلى درجة كبيرة حتى لحظة كتابة هذه السطور.. فالحكومة المصرية نجحت فى الحصول على عدد من جرعات اللقاح الصينى «سينوفارم» وعدد آخر من لقاح «أسترازينيكا» الإنجليزى.. عملية التلقيح تسير بانتظام، ولكنها بطيئة للغاية.. فضلاً عن أننا ما زلنا نحتاج إلى تأمين جرعات أخرى بشكل عاجل!!

فى رأيى لا توجد وسيلة أسرع لتوفير اللقاح سوى الاشتراك فى تصنيعه.. الأمر الذى أعتقد أنه أصبح أمراً حتمياً لتلبية الاحتياجات المحلية وتوفير اللقاح لكل الجمهور المستهدف داخل الحدود.. بدلاً من الانتظار فترة لا يعلمها أحد.

الأمر ليس عسيراً على الإطلاق.. فمصر لديها من التكنولوجيا والخبرات البشرية والبنية التحتية ما يسمح لها بإنجاز هذه المهمة ببساطة.. خاصة مع تعطيل حقوق الملكية الفكرية فى أوقات الأوبئة، وفقاً لما أقرته اتفاقية التريبس الشهيرة.

أعرف أن محاولات جادة تجرى على قدم وساق للخروج باللقاح المصرى إلى النور خلال أسابيع قليلة.. والذى بعد ظهوره سيصبح الأول من نوعه فى القارة الأفريقية كلها.. وسيسهم فى تحويل مصر إلى مركز إقليمى لإمداد المنطقة كلها.. ولكننا فى سباق مع الزمن بالفعل.

إنتاج اللقاح محلياً بأقصى سرعة وإتاحته للجميع وفق قواعد وأولويات شفافة هو الخيار الوحيد للانتصار فى أصعب معارك العصر الحديث.. أو هكذا أعتقد!!