تشاد.. و«الفرقاء المسلحون»

ذهب ديبى «الأب» جاء ديبى «الابن»..

بمجرد الإعلان عن مصرع إدريس ديبى رئيس دولة تشاد لثلاثة عقود متصلة، بادر المسيطرون على الحكم هناك إلى تشكيل مجلس عسكرى برئاسة نجل الرئيس الصريع محمد إدريس ديبى يتولى حكم البلاد.

المعارضة فى تشاد لم ترضَ عن الخطوة وتسير بالسلاح نحو العاصمة، لأنها لا ترضى بأن يحكم «ديبى» الابن (37 عاماً) بعد أبيه الهالك على أيديهم.

شىء لافت أن يتحول الصراع ما بين النظام والمعارضة عن مساره السياسى الطبيعى ليأخذ وجهاً عسكرياً صريحاً. فنحن لسنا بصدد أحزاب تتنافس ببرامج وأفكار أو شعبية تسندها فى انتخابات، بل بصدد صراع عسكرى ما بين عائلة تشادية حاكمة ومعارضة شرسة تريد نزعها من فوق الكرسى بالقوة.

غيّر «ديبى الأب» دستور تشاد أكثر من مرة ليتمكن من مواصلة الحكم، وقبل مصرعه بيومين كان قد فاز فى انتخابات تم التلاعب بها.

بعد 30 سنة حكم فاز «ديبى» بمدة رئاسية جديدة، ليس ذلك وفقط، بل إن كل تشاد تعلم أن ابنه سيرث الحكم من بعده، والنتيجة «لا خلاص من حكم ديبى وآله».

ظهرت جماعات المعارضة المسلحة فى تشاد فى ظل وضعية غابت فيها السياسة.. ومن الطبيعى عند غياب السياسة أن يعلو صوت السلاح.. وبدأت هذه الجماعات فى محاولة نزع «ديبى» بالقوة حتى نجحوا فى التخلص منه يوم الثلاثاء الماضى، والآن يهددون ابنه «محمد إدريس» بالمصير نفسه، بعد أن جلس على كرسى الحكم قبل أن يوارى جثة أبيه.

اتجاه المعارضة التشادية إلى حمل السلاح يجد تفسيره فى أداء النظام من ناحية، والمعارضة بتركيبتها الخاصة من ناحية أخرى.

فالنظام لا يرضى بالتداول الديمقراطى السلمى للسلطة، بل يؤمن بانتزاعها عنوة لأن من يصل إليها لا يخرج منها إلا على ظهره، ويبالغ فى قمع المعارضة فى الداخل، والولاء والعمل فى خدمة قوى خارجية داعمة لاستمراريته.

تركيبة المعارضة داخل تشاد أيضاً تضيف بعداً آخر لتفسير تحول الصراع على الحكم هناك إلى صراع عسكرى مسلح.

فأغلب جماعات المعارضة المسلحة فى تشاد تقودها شخصيات عسكرية كانت تعمل فيما سبق فى الجيش التشادى أو شخصيات ذات وزن قبلى كبير، وهى تستقوى فى مواجهتها للنظام الاستبدادى الحاكم بأطراف خارجية تسندها وتدعمها.

طبعاً اللوم متبادل بين كل من الجالسين على عرش الحكم، ومن يريدون خلعهم. فكل طرف يتهم الآخر بأنه يريد تدمير تشاد وأنه مدعوم من الخارج، وحقيقة الأمر أن كليهما يهد الدولة فى غيبة الشعب.

فكما ذكرت لك: حين يحضر السلاح تغيب السياسة، وحينما تغيب السياسة تختفى الشعوب وتصبح معدومة القيمة والدور، فهى تراقب هذه الصراعات من بعيد، ولا تفكر فى التدخل فيها، رغم أن تدخلها هو القادر وحده على الحسم وتحقيق الاستقرار، ورغم أنها أيضاً أول من يدفع ثمن هذه الصراعات.

سكوت الشعوب فى مثل هذه الأحوال جريمة لا تقل سوءاً عن جريمة تدمير الدول التى يتورط فيها الفرقاء المسلحون.