العبث مع كورونا
«سمك لبن تمر هندى».. حالنا الآن، فى ظل جائحة كورونا التى أتت على حياة الملايين من إصابات ووفيات! تبدّلت الأحوال وبدأنا نسير نحو منعطف حاد من المخاوف وانعدام الثقة فى كل ما يرشّح من دراسات وأبحاث حول هذا الفيروس اللعين، لا اللقاحات أثبتت فاعلية ملموسة بتقلص الإصابات، ولا الإجراءات الاحترازية الصارمة حدّت من انتشاره، ولا الإغلاق العام فى دول كثيرة نجّى أهلها من انتشار المرض أو الموت بتداعياته؟!
فى أكثر الاحتمالات تفاؤلاً يشير بعض الخبراء وعلماء الأوبئة، إلى أن الفيروس قد ينحصر بعد تطعيم 70% من سكان العالم، ولكى يحدث ذلك لا بد من إنتاج كميات هائلة من اللقاحات المحدودة والمنحصرة فى 7 لقاحات معتمَدة حتى الآن، اثنان منها يدور الجدل حول سلامتهما، «أسترازينيكا»، و«جونسون آند جونسون» لما تسببا به من جلطات دموية نادرة للغاية، حسب التقييم الطبى، وحتى لو استمر التطعيم باللقاحات السبعة، وما قد يظهر بعدها من لقاحات مطورة، فإنها لن تفى بتطعيم ثلثى سكان العالم فى فترة وجيزة نتمناها؟ خاصة أن فترات الإغلاق والإجراءات الاحترازية فاقت تحمل البشر، الذين بطبيعتهم لا يستطيعون التقيد بإجراءات وقائية لأمد طويل، ولم يمضِ من الوقت سوى نحو 15 شهراً، فكم من الزمن سينتظر الناس حتى يزول الوباء ويصبح من الماضى؟ حتى اللحظة لا مؤشر لذلك، ولم تجرؤ دراسة ولا بحث على تقدير المدة الزمنية التى يمكن من خلالها أن يتبخر الفيروس ويصبح من الماضى، ففى كل يوم يفاجئنا بخواص جديدة وتحورات حيرت العلماء لخبثه الشديد فى التحايل والاستمرار فى الانتشار، ورغم توقع ذلك من عائلة فيروسات كورونا، وتشابه التفاصيل بين كوفيد-19، وغيره من فيروسات هذه العائلة كسارس ومارس، إلا أن هذه الجائحة باتت تهدد استقرار العالم الاجتماعى والاقتصادى والحيوى.
فى مصر، الوضع فعلاً أشبه «بسمك لبن تمر هندى»، صوة عبثية فى تعامل الناس مع الانتشار، فتارة تشعر بجدية المواطن فى اتباع الإجراءات الاحترازية الصارمة دون ابتذال، وفى مشاهد أخرى ترى الاستهتار والتجمعات فى كل مكان، والكافيهات فى كامل طاقتها الاستيعابية! والتباعد مجرد أكذوبة، وإن كان لهم عذر مدعاه الملل وطول فترة الإجراءات، وفقدان الأمل فى انفراجة قريبة، فقرروا التعامل مع الجائحة كجزء من الحياة، عملا بمبدأ «خليها على الله»، وهو ينطوى على استهتار وعدم مسئولية، إلا أن وزارة الصحة مسئولة عن جزء من هذا التراخى، ويؤخذ عليها عدم إعلان الأرقام الحقيقية للمصابين واكتفائها بإعلان الأرقام المعتمدة نتائج تحاليلها فى معامل الوزارة الرسمية، وهى قليلة جداً بالقياس إلى الأعداد الحقيقية، فقد غسلت الوزارة يدها من ذنب الناس، حين أعلنت وزيرة الصحة أن العدد الواقعى هو عشرة أضعاف المعلن، فتركت للمواطنين تحليل المضمون! وهو الأمر الذى أسهم فى حالة اللامبالاة الملحوظة لدى الناس، لأنهم لو تأكدوا من الأرقام الفعلية التى تسجل يومياً، وبالقطع هى أكثر بكثير من المعلن، ففى هذه الحالة سيشعر المواطن بالخطر المحدق به، وكان من الأولى على وزارة الصحة أن تنسق مع معامل التحاليل والأشعة الخاصة على مستوى الجمهورية، ليزودوها بالأعداد التى تثبت إيجابيتها يومياً، حتى يكون هناك أرقام تعبر عن الواقع الحقيقى دون اجتهاد، خصوصا فى ضوء تحذيرات مسئولين فى وزارة الصحة مؤخراً بأن مصر مقبلة على كارثة صحية إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه.