الاختيار ٢.. حينما تقف الدراما في منطقة توثيق التاريخ

لا يختلف أحد على أن إحدى أهم أدوات صناعة الوعى هى الدراما، سواء كانت فى السينما أو التليفزيون، حيث تلعب دوراً بالغ الأهمية فى رصد مراحل تاريخية مهمة فى وجدان كل أمة، وتظل باقية طوال الدهر فى ذاكرة هذه الأمم كمرجع مهم وملهم لتشكيل فكر ووعى شباب وشعوب هذه الأمم، فمن منا ينسى هذا العمل الرائع والراسخ فى ذاكرة السينما المصرية «جميلة بوحريد» للمبدع يوسف شاهين، الذى كتب قصته العظيم يوسف السباعى، واشترك فى كتابته ثلاثة من أعظم روائيى مصر، وهم عبدالرحمن الشرقاوى وعلى الزرقانى ونجيب محفوظ. هذا الفيلم الرائع الذى مضى على عرضه الأول ما يزيد على الثلاثة والستين عاماً لم يكن يحكى قصة نضال المجاهدة «جميلة بوحريد»، بل عرض قصة الثورة الجزائرية ونضال الشعب الجزائرى ضد الاحتلال الفرنسى.من منا ينسى هذه السردية التاريخية الرائعة التى اختطفت جزءاً مهماً من تاريخ المصريين ونضالهم ضد العدوان الثلاثى، وهو فيلم «بورسعيد»، للرائع عز الدين ذو الفقار، والذى عُرض للمرة الأولى سنة ١٩٥٧، وما زال مرجعاً دراميا مهماً لكل من يريد أن يعرف ماذا فعل المصريين وكيف انتصروا فى مواجهة عدوان دول كبرى، متذرعين بسلاح الإيمان بالدفاع عن تراب بلدهم فى مواجهة هذا العدوان.وغيرها الكثير من الأفلام والأعمال، مثل (ناصر ٥٦) عن معركة تأميم قناة السويس، و(العمر لحظة)، و(الرصاصة لا تزال فى جيبى)، و(أغنية على الممر) عن بطولات الجيش المصرى وعبوره من الهزيمة إلى النصر فى أكتوبر ٧٣، و(الصعود إلى الهاوية) وملحمة (رأفت الهجان) و(جمعة الشوان) عن بطولات حقيقية لرجال الظل من أبطال المخابرات المصرية الصقور التى تلتقط بمخالبها كل الأفاعى السامة.واستكمالاً لهذا الدور المهم للدراما المصرية، تابع جموع المصريين رمضان الماضى مسلسل الاختيار الذى رصد فترة مهمة من تضحيات رجال الجيش المصرى فى سيناء فى مواجهة هذا الإرهاب الأسود وأكثر ما أسعدنى هذه الحماسة والشغف لدى الأطفال والشباب لمتابعة المسلسل، ليستمر الإبداع بأحد أهم الأعمال الدرامية برمضان الحالى، وهو مسلسل «الاختيار ٢»، الذى رصد فى حلقته الخامسة توثيقاً مهماً لفض اعتصام رابعة فى ١٤ أغسطس ٢٠١٣، هذا اليوم الذى حاول البعض من ذيول جماعة الإخوان وأبواقها أن يصوروه بالاعتصام السلمى، ولكن حقيقة هذا اليوم وما تم عرضه موثقاً بفيديوهات حقيقية وليست مستوحاة مما حدث، يؤكد تماماً حجم الخطر الذى كان يحيط بمصر والمصريين، رأينا ميليشيات مسلحة تستعد للفتك بالمصريين وعقابهم على ثورتهم على نظام الإخوان، ورأينا مغيبى عقول صدقوا أن القصة قصة دفاع عن الإسلام وعن الشريعة رغم وضوح أنها قصة اختطاف وطن وإرهاب مواطنيه وصراع على سلطة كانوا يتمنوها، رأينا رجال الشرطة المصرية وهم يمارسون أقصى درجات ضبط الناس ويتعرّض بعضهم للاستشهاد دفاعاً عن مقدرات هذا الوطن، تجول بنا المخرج محمد سامى ليرينا هذه الأرض التى حوّلها أعضاء هذا التنظيم الإرهابى إلى سلخانة يعذّب ويقتل فيها كل من هو ضد الجماعة، رأينا شعارات كاذبة تردد فوق منصة من قيادات كارتونية للجماعة كانوا أول الهاربين، تاركين تابعيهم يلاقوا مصائرهم، رأينا بأعيننا هذا المخطط الإخوانى لحرق الكنائس وأقسام الشرطة والمحاكم، ساعين لحرق مصر كلها لولا وجود رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ضحّوا بأرواحهم ليحموا المصريين بمختلف محافظات مصر، وفى مقدمتهم هذا الجهد العملاق الذى بذله جهاز الأمن الوطنى فى جمع معلومات والقيام بعمليات استباقية لإفشال مخطط هذه الجماعة الإرهابية.صدق الصورة وتجرّدها تجلى فى أن يرينا بكل صراحة ومباشرة أنه كان من بيننا، سواء كشعب أو شرطة، من سقط فى براثن هذه الجماعة ومارس الخيانة وباع نفسه لهذه الجماعة.(الاختيار ٢) ليس مجرد مسلسل نراه بأعيننا، بل يجب أن نراه بعقولنا وقلوبنا لندرك تلك المخاطر التى كانت تحيط بهذا الوطن، وأنه لولا أن منَّ الله علينا بجيش وقائد كان قرارهم واختيارهم هو مصر وشعبها لكنا ذهبنا لا قدر الله بلا عودة.