«ماركو» اتجه لحفظ التراث بعد «فض رابعة»: الإخوان حرقوا 100 سنة تاريخ

كتب: ماريان سعيد

«ماركو» اتجه لحفظ التراث بعد «فض رابعة»: الإخوان حرقوا 100 سنة تاريخ

«ماركو» اتجه لحفظ التراث بعد «فض رابعة»: الإخوان حرقوا 100 سنة تاريخ

جدد مسلسل الاختيار 2 الحلقة الخامسة، المشاعر وأيقظ آلاما تمكنت من القلوب، فتحولت لآمال مع تحول أوضاع الوطن على مر سنوات ثمان، «ما بات نار أصبحت رمادا» بالفعل ولكن النار أكلت الكثير والكثير، فعلى هامش فض اعتصام ميدان رابعة، راح أعوان جماعة الإخوان الإرهابية يحرقون الكنائس ويخرّبون بيوت الله ويرهبون الأهالي في محافظات مصر من شرقها لغربها، في مشاهد رصدتها حلقة أمس من مسلسل الاختيار 2، بمقاطع فيديو موثقة من أرض الواقع، تبرز وقائع حريق كنيسة الشهيد الأمير تادرس الشطبي في المنيا، دون الاكتراث بالأهالي والخدّام، ودون مراعاة لتراث الكنيسة الذي هو من تراث الوطن، ولكن كما يتغير مصير الأوطان بعد الأحداث الكبرى، يتغير مصير الأشخاص أيضا، ليصبح يوم 14 أغسطس 2013 يوم مصري في حياة ماركو الأمين، خادم كنيسة الأمير تادرس الشطبي في المنيا.

ماركو الأمين: حرق الكنيسة غير حياتي

«حدث جلل».. هكذا وصف الباحث القبطي ماركو الأمين خادم كنيسة الأمير تادرس الشطبي في المنيا، أثر حادث فض رابعة عليه، الذي حوّله من الاهتمام بالسياسة والاقتصاد والفلسفة كمعظم جيله من الشباب الذين التحقوا بالدراسة الجامعية، ففي عام ثورة 25 يناير بدأت دراسته الجامعية، لم يهنأ بطموحاته التي أطاحت بها جماعة الإخوان الإرهابية بوصولها للحكم في 2021، يصف لحظة تقلّد محمد مرسي الحكم بـ«بداية الرعب» خاصة بين الأهالي من المسيحيين في المنيا، الذين أرعبهم واقع أن يعيشوا في دولة تحكمها الجامعة، حتى أنّ الكثيرين هاجروا: «أسرتي كانت ترتب للهجرة، لكني تمسكت بالبقاء في مدينتي وبيتي ومدرستي وكنيستي والأهم بلدي، بعد يناير 2011 كنت لأول مرة أشعر أنّها بلدي، فلم أهجرها لجماعات أو أغراب».

«تغيرت وجهة حياتي».. هكذا يصف ما مرّ به بعد فض اعتصام رابعة، حيث تحوّل ماركو إلى باحث قبطي شغله الشاغل الحفاظ على التراث المسيحي، بعد أن شهد كنيسته تحرق ويحترق معاها تاريخ 100 عام، يقول: «بعد أحداث رابعة والإطاحة بنظام الإخوان حاجات كتير اتغيرت ومفاهيم كتير، لما الكنيسة اتحرقت وهي كانت أكبر أمان بالنسبة لي على المستوى الشخصي، اتعظّمت قيمة الفقد وحسيت إن قلبي اتحرق، اللي كان رابطني بالمكان راح، بقى عندى حرية التنقل وشغف عظيم لتوثيق التراث خوفًا من ضياعه مرة أخرى من مخربين لا يعرفون قيمته».

وبعد مسلسل الاختيار 2 الحلقة الخامسة، عاد ماركو للعام 2013 متحدثا عن وقائع لا ينساها: «بمجرد الإطاحة بالرئيس المعزول مرسي العياط اعتصم انصار جماعة الإخوان الذين دعوا أنفسهم بـ(أنصار الشرعية) في ميدان رابعة العدوية بالقاهرة وفي ميدان بالاس بالمنيا، الواقع في وسط المدينة قرب كنيسة الشهيد الأمير تادرس الشطبي، ليستيقظ يوم الأربعاء الموافق 14/8/2013 في نحو الثامنة على صوت والده سعيدا وقلقا في آن واحد ليخبره «اصحى يا ماركو بيفضوا اعتصام رابعة».

يوم فض رابعة قومت قلبي مقبوض

ويتابع: «قومت قلبي مقبوض»، لكن والده اتجه إلى عمله وتطورت الأحداث سريعا وظهر «الغل» على أنصار الجماعة الإرهابية، يصف ماركو المشهد قائلا: «كانوا ماشيين يشتموا ويكسروا كل حاجة، في الوقت ده نزلنا قفلنا باب العمارة تحت وابتديت أجمع كل حاجة أقدر أدافع بيها عن البيت لحد ما أبويا رجع بسرعة، وفي نفس اليوم كان في قداس في الكنيسة، وكان آخر قداس تم فيها، خرج الجميع وبقي نحو 7 شباب، وفي نحو الساعة الواحدة ظهرا ظهرت أول موجة هجوم وإلقاء للمولوتوف ومحاولات لدخول الكنيسة، ورغم أنّ الأبواب قديمة وحديدية ووزنها كبير إلا أنّهم استطاعوا رفع الباب الحديد وكسره».

نحو 300 أو 400 فرد دخلوا إلى الكنيسة وهم يهتفون، سارع الشباب إلى سطح الكنيسة ولديهم يقين أنّهم في عداد الأموات، كانوا يحاولون إنقاذ ما يمكن إنقاذه لكن أتباع الجماعة كان يفككون الأجهزة وينهبون كل مقتنيات الكنيسة ويحرقون المقاعد والستائر وكل المقدسات، وصعد الشباب إلى سطح المبنى ولم ينقذهم سوى الأهالي من المنازل المجاورة الذين ساعدوهم للقفز إلى الشرفات: «دخل الإخوان ومعاهم البلطجية فككوا الأجهزة المهمة وكسروا كل حاجة وولعوا في الدكك والنار مسكت في الكنيسة كلها جوا بسبب ضغط الفريون كان عامل زي الانفجارات، وكمان رجعوا و ابتدوا يضربوا خرطوش بشكل عشوائي على الكنيسة، وفشلت محاولات احتواء أي حاجة لحد الساعة 3 الضهر، لما الشباب اضطروا يتفرقوا ويرجعوا البيوت بسبب حظر التجوال، وبعدها جت المطافي وابتدت تطفي الكنيسة».

بحسب ماركو، الذي يصف نفسه بأنّه «ابن الكنيسة»، فلم يفارق الحادث خياله، وبعد الحريق بشهور بدأت عيناه تتفتح على مجهودات مؤسسات كثيرة من شأنها الحفاظ على التراث، في محاولة لحمايته من تكرارا ما شاهده من إهدار للتاريخ.

ماركو: قررت أوثّق تراث كنيستي اللي حرقها الإخوان

ويتابع: بدأت اتواصل مع بعض العاملين في التراث والقراءة، وأجمع الكتب والوثائق والصور والفيديوهات توثيقا لكل حدث، وخدت خطوات أكاديمية جادة ودرست دبلومة التراث العربي المسيحي من مركز دراسات مسيحية الشرق الأوسط كلية اللاهوت الإنجيلية بالتعاون مع مركز الدراسات القبطية مكتبة الإسكندرية 2018، ودورات تدريبية في المخطوطات وغيرها.

وبعد سنوات من البحث قرر ماركو أن يوثق تراث كنيسة الأمير تاضروس المحروقة، والتي أعيد بنائها من قبل الجيش المصري، حيث قدم ورقة بحثية في المؤتمر الدولي الثالث الخاص بمعهد الدراسات القبطية في عام 2019 تحت عنوان «أيقونوجرافي كنيسة الأمير» في محاولة لرصد تطور فن الايقونات عبر 100 سنة، واختارت في ورقته البحثية كنيسته كمعرض فني وموثق. 


مواضيع متعلقة