ما بعد نقل المومياوات!

أحمد رفعت

أحمد رفعت

كاتب صحفي

مع الرئيس عبدالفتاح السيسى ننشغل بالمستقبل.. قدمنا للعالم قبل أيام كرنڤالاً رائعاً لم يسقط منه شئىء.. شكلاً ومضموناً.. من الأزياء والملابس إلى الموسيقى، ومن التنظيم الجيد إلى اختيار المشاركين.. ومن التأمين والانضباط إلى الدقة والالتزام بالبرنامج.. شاهد نصف الكوكب ما جرى على أرضنا لنجدد الذكرى بأعظم حضارات البشرية..

اليوم الموعد مع الأحفاد وما يمكن تقديمه للحاضر والمستقبل على أرضهم ولشعبهم ولأنفسهم.. وللإنصاف فالدولة المصرية - دولة ٢٠١٤- تقدم أداء نموذجياً فى تعظيم ثروات المصريين واستنفار طاقاتهم.. واحتفالية المومياوات شاهد على ما نقول فلم تبخل الدولة عليها بشىء حتى ظهرت كما رأيناها.. لكن النقطة الأهم هى سياق هذا الإنفاق الذى لم يكن من أجل قضاء وقت ممتع أو لإخراج أمسية لطيفة.. إنما علينا أن نقول إن الإنفاق تم ضمن سياق شامل يضع قطاع السياحة والآثار على قمة جدول أعمال الدولة المصرية.. بالرغم من الاهتمام والنهوض بقطاعات الصناعة وأصبحت أفضل كثيراً مما كانت عليه، وكذلك الاهتمام بالزراعة حتى صارت صادراتنا منها تحقق أرقاماً قياسية، فضلاً طبعاً عن الاكتفاء الذاتى، الذى أدى إلى الانخفاض الملحوظ فى أسعار الخضراوات والفاكهة.. وبالرغم من اكتشافات الغاز.. وحسن إدارة مرفق قناة السويس.. وغيرها من مصادر ثروة البلاد لكن تبقى السياحة واحداً من أهم القطاعات التى يمكن من خلال تعظيم العائد منها أن تحقق مصر قفزة اقتصادية مهمة.. بلاد أخرى لا تقارن إمكانياتها السياحية والأثرية بمصر، ويتجاوز دخلها من القطاع الخمسين مليار دولار، نصفها فى مصر فقط كفيل بتغيير معادلات كثيرة!

ونقول: الدولة المصرية -دولة ٢٠١٤- وهى تسير بحجم الإنجاز فى المتحف الكبير بوتيرة متسارعة جداً تعادل أضعاف ما تم فى سنوات طويلة، فضلاً عن وضع المتحف ضمن تصور شامل للمنطقة -منطقة المتحف وصولاً لمنطقة الأهرامات الثلاثة- تتحول الآن بمقتضاه إلى منطقة مختلفة تماماً تغيرت فيه جغرافيا المكان وبالتالى العائد السياحى منه فى المستقبل، فضلاً عن تأسيس عدد من المتاحف المهمة من كفر الشيخ بتكلفة تصل إلى خمسين مليون جنيه إلى متحف شرم الشيخ بتكلفة تصل إلى مائتى مليون جنيه على مساحة شاسعة تصل إلى مائة وواحد وتسعين ألف متر، فضلاً عن متحف الغردقة على مساحة مائة ألف متر وبتكلفة تصل إلى مائة وستين مليون جنيه، وكذلك عديد من المتاحف التى تم إطلاقها فى كل مكان وصيانة عشرات المتاحف الأخرى، بما يؤكد أننا أمام رغبة مؤكدة لوضع مصر فى المكان الذى تستحقه والمكانة التى ينبغى أن تكون عليها على خريطة السياحة العالمية، خصوصاً أن ذلك يتكامل مع التصدى لعوامل أخرى كانت معوقة للانطلاق السياحى، ومنها تحسين جودة الطرق والتعامل الفعال مع ظاهرة التلوث وتوفير إمكانيات كبيرة لتحجيمها والتصدى لها!

الآن.. نتصور أن عشرات الآلاف من الأسر فى أوروبا تستعد وبلادهم فى حالات إغلاق تام لما بعد كورونا وبعد احتفالية المومياوات نعتقد أن هؤلاء سيرتبون وجهاتهم السياحية من جديد وستكون مصر على قمة هذا الجدول.. وبالتالى الإجراءات المصرية للحفاظ على المؤسسات السياحية على مستواها السابق لـكورونا، ومنها صرف المليارات الثلاثة لتسيير حالة المرتبات وصيانة المنشآت، يجب أن يرافقها أيضاً تغير فى مستوى وعى المواطن المصرى بالسياحة.. ثقافة التعامل مع السائحين تحتاج نقلة كبيرة. من سائقى الأجرة فى المطارات والأماكن السياحية إلى التجار والبائعين إلى التعامل مع المواطن العادى فى الشارع ووسائل الانتقال إلى ضرورة القضاء على ظواهر سلبية مثل التسول!!

مع الاهتمام بالمتاحف والمنشآت السياحية والقفزة المتوقعة فى الفنادق والقرى السياحية لزيادة الغرف السياحية بما يسمح باستيعاب أى زيادة محتملة أو مستهدفة، نحتاج أيضاً إلى مراجعة قوائم المرشدين السياحيين والأثريين لتنقيتها من أى اختراق من جماعات مشبوهة تتصادم أفكارها أصلاً مع الحضارة ومع التاريخ ومع الآثار ومع السياحة، ولكن منهج التقية هو المتبع من البعض فى هذا المجال!

باختصار.. كما للدولة دورها -وقد قامت وتقوم به وعلى أفضل ما يكون وفى كافة الاتجاهات وبرؤية شاملة ربما لأول مرة منذ فترة طويلة- فعلى المواطن المصرى دوره أيضاً.. وهذا لا يتم بغير خطة تستهدف رفع الوعى السياحى والأثرى، من خلال المناهج التعليمية والبرامج التليفزيونية والإذاعية ومساحات فى الصحف المصرية والاشتباك مع الشائعات المزمنة غير الصحيحة، مثل أن القاهرة المدينة الأكثر تلوثاً فى العالم، وأن مصر الأولى فى حوادث الطرق، وأن مصر الأولى فى الفساد والبيروقراطية، وكلها شائعات مغرضة ثبت كذبها بعد فحصها وتتبعها!

باختصار: علينا العمل جميعاً وجدياً.. لجنى ثمار ليس فقط النجاح الباهر لحفل نقل المومياوات وإنما لكل هذا الذى يجرى فى القطاع كله.. وهو مجهود جبار وغير مسبوق لا يصح ولا ينبغى أن يفسده أى تقصير.. مهما صغر..!